مقدّمة العسّاس | الجريمة بالمجتمع الفلسطيني | باتت الجريمة المُنظّمة تُشكّل هاجسًا مُقلقًا لدى فلسطينيي الداخل بعد تناميها المُتسارِع وانتقال نشاطها من الكواليس الخلفيّة لمجتمع مقهور، إلى قلب هذا المُجتمع، لا سيّما وأنّها تزداد شراسة وفتكًا يومًا بعد الآخر.

وبدأت الجريمة بالفتك بفلسطينيي البلاد بعد الانتفاضة الثانية وخاصّةً بعد هبة أكتوبر ،2000 حين تمّ التعبير عن الهويّة الوطنيّة عبر الالتئام مع الجُرح الفلسطيني في الجانب الآخر من البلاد مع اندلاع الانتفاضة الثانية.

هذه المادة تتحدث عن العنف والجريمة المنظمة في المجتمع الفلسطيني بالداخل المحتل، وتكشف أسبابها ودور الاحتلال في زيادتها.

ترجمة العسّاس |

الجريمة بالمجتمع الفلسطيني

تُشير الإحصائيات لـ 234 حالة قتل منذ يناير 2019، وجاء 91 منها في عام 2019، و113 عام 2020، و20 حالة منذ بداية العام الحالي، أي بمُعدّل 10 حالات قتل في الشهر الواحد.

لم تنجح الشُّرطة الإسرائيلية بحلّ سوى 63 حالة أي أقل من ثُلث هذه الحالات، وهو ما يُعزّز ادّعاء تورّط الشُّرطة الإسرائيليّة في هذه المسألة، ويُشار إلى أنّ مُعظم الضحايا من الشباب، وقد فقدوا حيواتهم بفعل صراعات عصابات الجريمة وتجارة السّلاح والسّموم. (1)

تذهب التّحليلات حول أسباب تنامي الجريمة بالمجتمع الفلسطيني المُنظّمة إلى أبعد من مُجرّد تواطؤ الشّرطة الإسرائيليّة، إذ تُشير الأرقام إلى أنّ ما يزيد عن 30% من الشباب العرب بين 18 و24 عامًا عاطلين عن العمل ولم يتمّ دمجهم بأي مؤسسة تعليميّة.

اقرأ أيضًا..جرائم الشرطة الإسرائيلية ضد فلسطينيي الداخل

وليس صُدفة أنّ 34% من المُدانين بقضايا جنائيّة هم من العرب وفي مجموعة جيل القاصرين النسبة هي 44%، على الرّغم من أنّ نسبة فلسطينيي البلاد لا تزيد عن 20% من المواطنين.

كما تُشير التقارير إلى أنّ هذه الفجوات تتراكم وتتضاعف مع الوقت، البطالة تزداد ونسب الجريمة بالمجتمع الفلسطيني تتضاعف بالتّوازي. (2)

تنامي الجريمة بالمجتمع الفلسطيني

وتدّعي الكاتبة إيلات معوز أنّ تنامي العُنف والجريمة هو نتيجة مُباشرة لسياسات دولتيّة مُمنهجة تقوم بتفكيك الوجود الجماعي للفلسطينيين وتلاقيها مع عمليّات الفصل المُجتمعي الناتجة عن السياسات النيو-ليبراليّة.

وتضيف معوز: في أكتوبر 2000، كشفت المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيليّة أنّ الأقليّة الفلسطينيّة داخل “إسرائيل” مستعدة للانضمام إلى نشاط العصّيان المدنيّ الواسع، الذي يهدد أُسس النظام الصهيوني.

 حينها كانت ردّة فعل الشرطة الإسرائيليّة شديدة العُنف ونتج عنها استشهاد 13 شابًا (12 منهم يحملون المواطنة الإسرائيليّة).

في ذلك الوقت، بحثت لجان التحقيق التي الأحداث وجدت أنّ المُجتمع الفلسطيني قد مرّ بعمليّة “فلسطنة” يجب أن يُقابلها عمليّة “أسرلة” جارفة، فكان مثلًا تضاعف عدد مراكز الشُّرطة في البلدات العربيّة وسعي المُؤسّسة لدمج العرب في الخدمة العسكريّة أو المدنيّة.

اقرأ أيضًا.. الاحتلال ومصادرة الأراضي.. ماذا بقي لعرب الداخل؟

وترى معوز أنّ هذا السعي الدؤوب كان سببًا مركزيًا في تنامي الجريمة بالمجتمع الفلسطيني لا سيّما أنّ مراكز الشرطة لا تقوم بدورها الطبيعي بردع الجريمة بقدر ما تسعى لتجنيد الشباب العرب. (3)

 كما أنّ تقرير مُراقب الدّولة يُشير بشكل واضح إلى أنّ مُعظم الأسلحة غير المُرخّصة يتم تهريبها من معسكرات الجيش أو من مراكز الشّرطة بعد مُصادرتها.

وعندما تُقرّر الشُّرطة الإسرائيليّة التدخل، عادةً ما ينتهي الموضوع بالمزيد من الضحايا على يدها هي، ولا ضير بالنّسبة لها إن كانت الضحية غير ذات شأن بالموضوع، كان آخرها قتل طالب التمريض أحمد حجازي من مدينة طمرة وإصابة طبيب عربيّ آخر تواجد في المكان خلال تبادل إطلاق نار مع أفراد إحدى العصابات في شباط الماضي.

سبق ذاك عشرات الضحايا على يدّ الشّرطة الإسرائيليّة التي وصفتها لجنة أور بأنّها “عنيفة اتّجاه المواطنين العرب” ولجنة أور هي لجنة إسرائيلي أُقيمت بُغية التحقيق في أحداث أكتوبر 2000.

قمع الشرطة للاحتجاجات الفلسطينية

لا يتوقف دور الشُّرطة الإسرائيليّة عند هذا الحدّ، بل يتجاوزه لقمع مُباشر وعنيف للاحتجاجات التي يُنظمها فلسطينيي الداخل ضد العُنف وتواطؤ المُؤسّسة معه، إذ تشهد كل مُظاهرة من هذا النّوع، مواجهات مع الشّرطة كما حدث في طمرة بعد أن قامت الشّرطة الإسرائيليّة بقتل الشابّ أحمد حجازي، وقد أصيب في المواجهات أحد الشباب الذي فقد عينه جراء استهداف من قبل الشرطة. (4)

على أثر الغضب الشديد لدى المُجتمع الفلسطيني في الدّاخل، وتعبيره عن غضبه بمُظاهرات مُستمرّة، كما نقل بعض الاحتجاجات لقلب المُجتمع الإسرائيلي وإغلاق شوارع رئيسيّة في البلاد، طرح بنيامين نتنياهو خُطّة مُقلَّصَة لمُعالجة الظاهرة وافقت عليها وزارة الأمن الإسرائيلي مؤخرًا.

و تصل ميزانيّة الخُطّة لـ 150 مليون شيكل، وتضم عددًا من البنود أهمّها: منع تهريب السّلاح غير المُرخّص، وإقامة طواقم مهنيّة لمعالجة قضايا عينيّة.

إلّا أن خُطّة نتنياهو قوبلت برفض شديد في المُجتمع العربي ورفضها مُعظم رؤساء البلديّات العربيّة، لا سيّما أنّها تسعى لافتتاح خمسة مراكز شُرطيّة جديدة في البلدات العربيّة، كمن يدُس السُّم بالعسل.

 إضافة لذلك، اعتبرها كثيرون جُزءً من الحملة الانتخابيّة لبنيامين نتنياهو، لا سيّما أنّ نتنياهو جاء بها قبل الانتخابات الإسرائيليّة بفترة وجيزة، وأنّ أجزاءً من الخُطّة لا يمكن له إقرارها إلّا بعد الانتخابات. (5)

بالإضافةً إلى ذلك، فإن خُطّة نتنياهو تضُمّ افتتاح مراكز جديدة للشرطة، فقد عيّن المسؤول السابق عن السجون “أهرون فرانكو” مسؤولًا عنها، وفرانكو هذا هو نفسه الذي قال: “المُسلمون ناكرون للجميل”.

رفض خطّة نتنياهو

وهذا التعيين عزّز الموقف الرافض للخُطّة والتي تعتبرها الكثير من القيادة السياسيّة للعرب في الداخل رشوة انتخابيّة، وأنّها خُطة معادية للعرب وليست خطّ من أجل العرب. (6)

وقد علّق على الخُطّة عضو الكنيست والوزير اليميني السابق، يوعاز هندل، الذي كان موظّفًا في مكتب نتنياهو، قائلًا: “لقد كان نتنياهو رئيسًا للوزراء سنوات طوال، كل هذه الخُطط يتذكرها قبل الانتخابات بيوم واحد، وبعدها لا يقوم بعمل أي شيء، لم يعد أحد يشتري هذا الكلام”. (7)

كما علّق أيضًا الكاتب الصحفي، حاجي عاميت، مُتسائلًا “عن ماهية هذه الخُطّة لمحاربة العنف والجريمة في المُجتمع العربي التي يأتي بها نتنياهو قبل الانتخابات وهو نفسه قبل الانتخابات يتحالف مع رئيس قائمة “عوتسما يهوديت” الفاشي الكهاني، إيتمار بن جفير”.

ويدعو بن جفير إلى إقامة لجنة تُعنى بتهجير الفلسطينيين من البلاد، وهو الذي يُعلّق في صالون بيته صورة الإرهابي باروخ جولدشتاين مُنفذ عمليّة الحرم الإبراهيمي في الخليل. (8)

لا أحد يُصدّق نتنياهو، والكلّ يعرف أن نتنياهو كاذب، والمهمّ أنّ إجماعًا بدأ يتشكّل، يتفق على أنّ المسؤول الأوّل عن تفشي ظاهرة الجريمة هي السياسات الاستعماريّة الإسرائيليّة.

وأنّ الأكثر أهميّة هو أنّ الغضب الفلسطيني المُوجَّه، بدا في الآونة الأخيرة أكثر نُضجًا والتزامًا ومسؤوليّةً واستعدادًا للبذل والتّضحية.

المصادر:

(1) “غلوبس”: https://bit.ly/2OKxSUO
(2) “ذي ماركر”: https://bit.ly/3ez6rrB
(3) “ميكوميت”: https://bit.ly/3laqiyC
(4) “القناة13”:https://bit.ly/3euxzbv
(5) “ميكوميت”: https://bit.ly/3bCAfBY
(6) “القناة13”: https://bit.ly/3ctEvmz
(7) “هآرتس”: https://bit.ly/3qHE798
(8) “هآرتس”: https://bit.ly/30C0lP5