مقدّمة العسّاس | طو بشفاط | تشكل الغابات الموجودة في الأراضي المحتلة بؤرة للصراع بين الفلسطينيين وكيان الاحتلال الإسرائيلي، ويعود ذلك إلى تشكيل التشجير دورًا خفيًا ومهمًا في الصراع على الأرض وتغيير الحقائق التاريخية.

 كيف يتم ذلك؟ وما هو يوم “طو بشفاط”؟

هذه المادة تعرّف يوم رأس السنة للأشجار، بحسب الاعتقاد اليهودي، وتكشف كيفية لترسيخ مصادرة الأراضي والاستيطان.

إعداد العسّاس |

يوم طو بشفاط

يحتفل اليهود “الإسرائيليّون” سنويّا بيوم “طو بشفاط”، الذي يوافق اليوم 15 من شهر شباط حسب التقويم العبريّ، ويعتبر يوم رأس السنة للأشجار بسحب الحاخامات الذين اختاروه تبعا لـ “حقيقة أنّه في أرض “إسرائيل” وفي منطقة
حوض البحر الأبيض المتوسّط عمومًا، يبدأ موسم الأمطار في عيد “السوكوت” خريفًا وينتهي في “طو بشفاط”،
ولذلك فهو اليوم الذي يحدّد حسبه رأس السنة للأشجار، وعمرها وشأن قطف ثمارها. (1)

ويعتبر “طور بشفاط” يوم احتفاليّ، يتّبع فيه طقوس وعادات محدّدة تتمثل بغرس الأشجار في الأحراش والإكثار من
أكل الفواكه وتحديدًا الفواكه التي تشيد بها التوراة في “أرض إسرائيل” مثل القمح والشعير والعنب والتين والرمّان
والزيتون والتمر؛ فمن شأن هذه العادة “تحبيب الشعب بأرض “إسرائيل”، وإنعامه بما أعطاه لهم الله في الأرض”. (1)

وبحسب الوصايا التوراتيّة، يجب تخصيص جزء من المحصول الزراعيّ كهديّة للحاخامات والربانيم (درجات لرجال
الدين اليهود)، وقسم آخر للفقراء، أو أكله في القدس.

كما وأنّ ترتيب توزيع التبرّعات يتعلّق بدورة زراعيّة ثابتة، إذ في بعض السنوات توزّع للفقراء وبعضها للأهداف
الأخرى، ووفقا لوصيّة “عرلاه” من المحبذ عدم قطف الثمار في السنوات الثلاث الأولى من زراعة الشجرة، والأكل
منها ابتداءً من السنة الرابعة دون تحديد. (1)

يرجع تاريخ عيد الأشجار إلى مطلع فترة الاستيطان الأولى في “إسرائيل”، حيث عمل المستوطنون في الزراعة
وقاموا بتشجير وزراعة الأراضي “المتروكة”. (المترجم: لتعزيز الرواية الصهيونية أن أرض فلسطين كانت متروكة كلها مستنقعات وأرض بور – المترجم)

عادة غرس الأشجار

 ومع مرور الزمن، تحوّلت عادة غرس الأشجار إلى عادة شائعة، وفي 1908 تبنّتاه “كيرن كييمت لأرض
“إسرائيل” وهو الصندوق القوميّ اليهوديّ” إضافة إلى جهاز التعليم، الأمر الذي أدّى إلى تحديد يوم “طو بشفاط”
كعيد لإحياء وتعزيز علاقة الشعب بالأرض، وأصبح من المتّبع أن يخرج طلاب المدارس مع معلميهم في هذا اليوم
وغرس الأشجار حول البلاد. (2)

بحسب “كيرن كييمت”، فإن هذا العيد هو نتاج الرغبة في تطوير الزراعة العبريّة في الوقت الذي اعتمد فيه
المستوطنون مصطلح “جيؤولات هأدماه-فداء الأرض” لارتباطهم في الأرض وأصبح للعمل في الزراعة قيمة أكبر،
وحينها اقترح البروفيسور، أرطور فربورج، إنشاء مؤسّسة صهيونيّة لزراعة أشجار الزيتون في الأراضي التي
أمّمتها “كيرن كييمت”. (3)

تقوم “كيرن كييمت” كصندوق قوميّ على أُسّس من أجل السيطرة على الأراضي في البلاد وتمليكها للدولة اليهودية،
بتنظيم احتفالات زراعة مختلفة أثناء العيد، لجميع الإسرائيليّين كبارًا وصغارًا، وخلال العيد تزرع الكثير من الأشتال
في الأحراش والغابات ليأتي عليها اليوم الذي تحيطهم فيه أرض خضراء ومنعشة.

بذلك، يستطيع المشاركون في الفعاليات الزراعية لعب دور هامّ في تصميم المناظر الطبيعية والحفاظ على الطبيعة في
“إسرائيل”، فمشاهدة طفل لنمو شجرة وتأمّله بها، من شأنها تعزيز تأثره في البيئة وشعوره بالانتماء لأرضه. (3)

  كما ويوافق “طو بشفاط” سنة 1949، اليوم الذي أقيمت فيه الجلسة الأولى للمجلس التأسيسيّ في مبنى الوكالة
اليهوديّة في القدس، وبعد مرور يومين على الحدث، أعلن المجلس التأسيسيّ عن تسمية المجلس التشريعيّ لدولة
“إسرائيل” باسم “الكنيست”.

لهذا، يحتفل الكنيست في كلّ سنة بمناسبة تأسيسه في رأس السنة للأشجار، ويخرج في هذا اليوم أعضاؤه لممارسة
طقوس العيد وزراعة الأشتال في أرجاء البلاد. (2)

تهنئة رئيسة الكنيست لـ طو بشفاط

وفي تهنئة كتبتها رئيسة الكنيست حينها، داليا إيتسيك، في ذكرى تأسيس الكنيست عام 2009، قالت إنّ عيد الشجرة
وعيد رأس السنة للأشجار الذي يُوافق ذكرى التأسيس يتمثّل بعيد “الديموقراطيّة” “الإسرائيليّة” وشبّهت الكنيست في
الشجرة الرفيعة التي غرست في القدس في هذا التاريخ. (4)

هذا العام، واحتفالًا بـ “طو بشفاط”، أعلنت “كيرن كييمت” حملة غرس أشجار بالتعاون مع الجمهور لمساعدتها في
عملها من أجل البيئة وتحسين جودة الحياة في “إسرائيل”، وتهدف هذه الحملة إلى تكريس الغرس لإصلاح مدينة
“نوف هجليل-الناصرة العليا” التي تعرّضت أحراشها لحريق كبير في أكتوبر 2020 نجم عنه أضرار طبيعيّة كبيرة
على مساحة 4600 دونم.

ودعت “كيرن كييمت” الجمهور للتبرّع بمبلغ 18 شيكل مقابل زراعة شجرة في تلك المنطقة، وإمكانيّة مساهمة
ضخمة بالتبرّع بمبلغ 24000 مقابل لافتة يكتب عليها اسم الشخص أو المنظّمة أو مكان العمل الذي قام بالمساهمة ملاصقًا لمكان زراعة الأشجار.

كما أنّ المتبرّع بمئة شجرة سوف يسجّل في كتاب الحدائق لـ “كيرن كييمت”، وترسل له شهادة تقدير مع ذكر أسماء
أفراد المشاركين في التبرّع من كلّ العاملين أو أفراد العائلة.(5)

الحقيقة أنّ عمر الأشجار التي حرقت كان يتراوح بين الخمسين والتسعين عامًا، وتفيد وهو نفس الوقت المطلوب
لتصليح كامل الغابة وإعادتها لما كنت عليه قبل الحريق.

وسيستغرق التصليح الأوّليّ للأضرار خمس سنوات، وسيكلّف ملايين الشواكل، حيث ينقسم بين إصلاح طبيعيّ وإصلاح عن طريق الغرس.

لذلك تتعاون بلديّة “نوف هجليل” مع المؤسّسة في المشروع، التي بدورها نشرت إعلان “زراعة شجرة ولافتة تحمل
اسمكم في نوف هجليل مقابل 180 شيكل فقط” ويشمل شهادة تقدير من أجل المساعدة في إصلاح أضرار الحريق”. (5) (6)

أحراش المدينة

على أثر هذه الحملات، غُرس في أحراش المدينة 800 لافتة مع اسم المتبرّعين، وبسبب الطلب المتزايد وتمديد الحملة، خُصّص حرش للّافتات، وقد وصلت التبرّعات من أشخاص داخل وخارج البلاد.

كما يوجد من بينهم متبرّعون بارزون، كرئيس “إسرائيل” الذي تبرّع لذكرى زوجته، وزير التربية والتعليم تبرّع باسمه وباسم زوجته، كما تبرّع مدير مكتب التأمين الوطنيّ في “نوف هجليل” لذكرى “سال. م.” وهو ضابط الوحدات الخاصّة الذي سقط في حملة سرّيّة في خانيونس عام 2018.

ومن أجل إيصال ومقابلة الأشجار بأصحابها، بالرغم من الإغلاق وانتشار فيروس كورونا، صوّرت البلديّة جميع الأشجار وخصّصت تطبيق هاتفي يمنح المتبرعين الفرصة في رؤية الأشجار عن طريقه بواسطة كتابة اسم المتبرّع أو رقم الشجرة. (7)

 ينتهز الصندوق القوميّ اليهودي “كيرن كييمت” يوم “طو بشفاط” كمناسبة خاصة غير باقي أيام السنة التي يعمل فيها منذ أكثر من 100 عام، من أجل تنفيذ مشاريعه التي أسّس من أجلها وهي الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ومسؤوليته في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية ومنحها لليهود، وإنشاء الغابات والأماكن الخضراء تحت إطار تسويقيّ لبيئة خضراء وتحسين جودة الحياة.

بذلك فهو يخدم هدفها الصهيونيّ الأوّل: تعزيز وتوثيق رابط اليهود في الأرض وقمع حقوق الفلسطينيّين فيها، من الاستيلاء على الأراضي وتأميمها ثمّ بتشجير القرى المهجّرة في محاولة لمحو آثارها.

المصادر:

(1) “معاريف”: https://bit.ly/3tKv6yT
(2) موقع الكنيست: https://bit.ly/3p8Nv4G
(3) موقع “كيرن كييمت”: https://bit.ly/3tDhzsV
(4) موقع الكنيست: https://bit.ly/2N6kXvr
(5) موقع “كيرن كييمت”: https://bit.ly/3rBGwTB
(6) موقع بلديّة “نوف هجليل”: https://bit.ly/3rBw2Dz
(7) “معاريف”: https://bit.ly/3aR6Ouo