مقدمة العسّاس | المستوطنات

ربما تعطلت خطة الضم الإسرائيلية للمستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية، التي دعمتها الإدارة الأميركية السابقة في عهد ترامب، إلا أن التجهيز والعمل من أجلها ما زال قائمًا من أجل تحقيق جهوزية لتنفيذها فورًا حال تغير الموقف السياسي الحالي.

كيف تعمل “إسرائيل” على ذلك؟ وما هي أبعاد هذا التجهيز في المستقبل المنظور؟  

هذه المادة تكشف الطرق والسبل الإسرائيلية لتهيئة وتجهيز المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية، من أجل ضمها إلى “إسرائيل” مستقبلًا.

إعداد العسّاس |

في السنوات الأخيرة، باتت فكرة ضمّ الضفة الغربيّة والمستوطنات فيها للمناطق الإسرائيليّة، سياسة رسميّة ومركزيّة في أولويّات الحكومة، كما أنّها لاقت دعم أمريكيّ في فترة دونالد ترامب الرئاسيّة.

لهذا، بدأت الحكومة الإسرائيليّة التمهيد والعمل من أجل تنفيذ الضمّ، وتم بناء آلاف الوحدات السكنيّة، والتخطيط لعشرات الآلاف منها، إضافة للتخطيط والتنفيذ لشبكة طرق ضخمة ووصلها بـ”إسرائيل”، وإنشاء مستوطنات جديدة، والاستيلاء على المزيد من الأراضي المصنفة ضمن المنطقة “C”، وبالتالي تحسين حياة المستوطنين، وتصعيب الظروف المعيشيّة للفلسطينيّين في المنطقة. (1) (2)

ورغم تجريم القانون الدوليّ للاستيطان بجميع أشكاله، إلا أنّ النهج الإسرائيليّ لا يجرمه، فبحسب المحكمة الإسرائيلية العليا، التي لم تجرم الاستيطان، ولم توافق عليه بشكل صريح، يمكن بناء المستوطنات وفقا لقوانين التخطيط والبناء المنفذة في مناطق الضفة الغربية. (3)

ترتكز هذه القوانين على قانون التخطيط والبناء الأردني، الذي يشبه إلى حدّ كبير نظيره الإسرائيليّ (كلاهما مستنبطان من القانون البريطانيّ بالأساس، لذلك يتشابهان بالجوهر)، فتتجاوز “إسرائيل” القانون الدولي بحجّة الارتكاز على قانون التخطيط والبناء كي تبني المستوطنات في الضفة الغربيّة، وتوفّر من أجله تخطيط بناء مفصّل بالوقت والترخيص. (3)

في السنوات الأخيرة، طرأت تغييرات على قواعد اللعبة الاستيطانية في سياستها، وإلى جانب المشاريع والبناء في المناطق التي تمسّ بشكل كبير في الحيّز الفلسطينيّ ووجوده وامتداده، زادت أوامر الإخلاء للعائلات الفلسطينيّة بحجّة استعمال قانون حقّ العودة اليهوديّة، واستعمال اثباتات لملكيّة اليهود للأراضي والعقارات، لفرض السيطرة عليها والاستيطان فيها.

كما أنّ المعايير المأخوذة بالحسبان في اختيار المناطق الاستيطانية وتطويرها لا تقتصر على عدد الوحدات السكنيّة المبنيّة أو المطوّرة فحسب، بل تقاس بموقع البناء وتطوير البنى التحتيّة وشبكات الطرق والتغييرات القانونيّة والسياسيّة، التي تتيح فرض السيادة الإسرائيليّة على المنطقة. (3)

هذا العام، أعلنت وزارة الإسكان الإسرائيلية تحضير الخطّة رقم 1\7\410 لإنشاء مستوطنات جديدة على أراض مسجّلة بملكيّة الصندوق القوميّ الإسرائيليّ “ككال”، في منطقة النحلة ضمن حيّز مدينة بيت لحم الفلسطينيّة، وانتقلت الخطّة لمرحلة الموافقة في اللجنة المحلّيّة للتخطيط في مستوطنة “أوفرات”. (3)

وتعدّ قطعة الأرض هذه منطقة بالغة الأهمّية لتطوير مدينة بيت لحم، وبناء مستوطنة عليها سوف يصعّب الوصول لـ “حل الدولتين” ويتجاوز القانون الدوليّ بشأن المستوطنات في الضفة الغربية.

قبل حوالي سنة، قدّم أهالي المنطقة التماس للمحكمة الإسرائيليّة العليا ضدّ تمليك الأراضي لوزارة الإسكان الإسرائيليّة وتكريسها للمستوطنات كونها أراضي ضرورية لتطوير المدينة، وهو الذي ما زال معلّقا، ومن المقرر الإجابة عليه في سبتمبر/أيلول لمقبل. (3)

يهدف هذا المشروع لبناء مدينة استيطانية، تحتوي على آلاف الوحدات السكنيّة، وبذلك تمنع تطوير المنطقة واستعمالها كجزء لا يتجزأ من الحيّز الفلسطينيّ.

الجدير بالذكر أنّ المستوطنة المخطّطة، تتواجد شرقيّ شارع رقم 60، الشارع الواصل بين جنوب الضفة الغربية والخليل وبين بيت لحم، وفي حال طلبت “إسرائيل” ضمّ المستوطنة، هذا الأمر يعني فصل جنوب الضفة عن باقي الأراضي الفلسطينية، وقطع امتدادها. (3)

وفي جلسة جمعت رؤساء المجالس المحليّة للمستوطنات في الضفة الغربيّة بوزيرة الداخلية الإسرائيليّة، أييلت شاكيد، كشفت عن وصولها لاتفاق مع وزير الأمن الإسرائيليّ، بني غانتس، يفيد بعقد جلسات كل ثلاثة أشهر، للجنة التخطيط العليا في الإدارة المدنيّة، التي تعطي موافقات لإنشاء الوحدات السكنيّة. (4)

فيما عبّر رؤساء هذه المجالس عن ثقتهم في الحكومة الجديدة في دعمها للاستيطان وتطوير المستوطنات على كافة الأصعدة، وباعتمادهم عليها كالعنوان الذي سيلجؤون إليه في الحكومة من أجل مطالبهم.

هذا الأمر دفع وزارة الأمن للتصريح بتبعية المستوطنات وشؤونها لها، ورفض أي تدخّلات من وزارات أخرى. (4)

وعند الحديث عن المستوطنات وتطويرها، لا بدّ من التطرّق للميزانيّات التي تكرّسها “إسرائيل” من أجلها، ولكن لا يوجد بنود خاصة وواضحة في الميزانية للمستوطنات، ويتم حسابها بشكل منفرد من كل وزارة حسب عملها في الحكومة.

 وتشمل الميزانيات لوازم البناء ومنح لمجالس المحلّيّة وتسهيلات ضريبيّة وتمويل قسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية. (5)

كما أن الحساب لا يشمل والتعليم، ويتلقون الميزانيات كتلك التي يتلقاها باقي المواطنين داخل الخط الأخضر، ولا تحتسب الشوارع الرئيسية وخطوط الكهرباء، فهي مستعملة من قبل الفلسطينيين أيضا.

ويشمل الحساب المستوطنات في الضفة الغربية وهضبة الجولان، ولا يشمل المستوطنات في منطقة القدس، ومع ذلك وصلت ميزانية الاستثمار في المستوطنات إلى 1.65 مليار شيكل في 2017، بحسب التقارير، بالرغم من أنّها تصل لأكثر من ذلك بكثير، مع احتساب الأمن وباقي الميزانيات. (5)

قبل ما يقارب الأسبوعين، وافقت المحكمة الإسرائيلية العليا للسلطات المحلية في مستوطنات الضفة الغربية، تحويل أموال دعم لحركة “أمنا” المشتركة في إنشاء المستوطنات والبؤر غير القانونية.

واتخذت المحكمة هذا القرار بعد رفض الالتماس الذي قدمته جمعية “شالوم عخشاف”، الذي طلبت فيه منع وتوقيف تحويل الأموال العامة لجمعية “أمنا”، البالغة ملايين الشواكل، إذ بين سنة 2013 وسنة 2015 وصل دخل “أمنا” لمئة مليون شيكل (أكثر من 30 مليون دولار أمريكيّ). (6)

والأموال العامة التي تصل للحركة هي من الأموال التي تصنفها وزارة الداخلية كأموال دعم تمنحها للسلطات المحلية ويسمح التبرع بها فقط لمؤسسات عامة، وتعتبر “أمنا” مؤسسة خاصة، ولا تستوفي الشروط.

مع ذلك، لم تعطي المحكمة أي قيمة للادعاء وسمحت للحركة الصهيونية المنفذة في المستوطنات أخذ الأموال واستعمالها من أجل تحقيق هدفها في توسيع الاستيطان بالرغم من عدم قانونيّة تمويلها أو عملها، ممّا سيزيد من عمل الجيش من أجل أمن الدولة وسيسمح لها بالتحكم والتغيير في سياسيات “إسرائيل” الخارجية والداخلية. (6)

فيما بارك رئيس المجلس القُطري للمستوطنات في الضفة الغربية، يوسي ديجن، قرار المحكمة برفض الالتماس، وأكّد على استمرار مجلسه في عمله من أجل تطوير المستوطنات في الضفة وازدهارها، وإنشاء عشرات الآلاف من الوحدات السكنيّة والمؤسسات الجماهيرية، من أجل مستقبل “إسرائيل” وشعبها في أرضه. (6)

إقرأ أيضًا.. شرعية المستوطنات: هدية مسمومة!

المصادر:

(1) “شالوم عخشاف”: https://bit.ly/2Vv4DsB
(2) “جلوبس”: https://bit.ly/3CnHnxA
(3) “شالوم عخشاف”: https://bit.ly/3inDnFe
(4) “بحدري حريديم”: https://bit.ly/2WZHYoT
(5) “جلوبس”: https://bit.ly/3AbAiy4
(6) “هآرتس”: https://bit.ly/3ywQ7io