مقدمة العسّاس | سلوان

عادت قضية بلدة سلوان مواقع للظهور مرة أخرى بعد الكشف عن حملة تهجير جديدة يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذها بحق السكان الفلسطينيين في الحي الواقع شرقي مدينة القدس.

ما هي قصة هذه البلدة؟ وما أهميتها بالنسبة للاحتلال؟

هذه المادة تكشف المخططات الإسرائيلية للاستيطان في بلدة سلوان، وتوضّح الأهمية الإستراتيجية لذلك لدى الاحتلال الإسرائيلي.

إعداد العسّاس |

تواجه بلدة سلوان التي تقع جنوب البلدة القديمة في مدينة القدس، ويسكنها أكثر من 50 ألف فلسطينيّ، هجمة استيطانية كبيرة تهدّد سكّانها ووجودها العربيّ الفلسطينيّ في القدس.

ويأتي ذلك بتخطيط مشترك بين الجمعيّات الاستيطانيّة وأجسام مختلفة في الحكومة الإسرائيليّة، بهدف تهويد مدينة القدس بالكامل وتوحيدها كبلدة يهودية. (1)

بعد احتلالها في عام 1967، تمَ ضمّ بلدة سلوان ضمن شرق القدس إلى “إسرائيل” بعدما كانت تحت حكم الأردن منذ 1948، وقد أعلن القسم الشماليّ منها حديقة قوميّة في 1974، وأطلق عليها اسم “مدينة دافيد”، بعدما كان فيها عشرات البيوت التي يسكنها فلسطينيّون.

 كما انتقلت بيوت أخرى في جنوب البلدة لأيد يهوديّة في العقود اللاحقة بمساهمة الجمعيّتين الاستيطانيّتين، “عطيرت كوهنيم” و “إلعاد”. (2)

منذ عام 2001، تعمل الجمعيّة الاستيطانيّة “عطيرت كوهنيم”، من أجل تحويل حيّ بطن الهوى في بلدة سلوان إلى مستوطنة واسعة.

وفي 2004 استوطن مقرّبون من الجمعية بنايتين سكنيّتين في الحيّ. بناية “بيت يهونتان”، وهو مبنى مكوّن من ستة طوابق بني من أجل المستوطنين بطريقة مخالفة للقانون، ومبنى “بيت هدفاش” الذي يبعد عن الأول نحو مئة متر، ومكوّن من وحدة سكنيّة واحدة، وبعدها استمرّ المستوطنين بالتوافد إلى الحيّ بمساعدة “عطيرت كوهنيم”. (1)

إقرأ أيضًا.. جمعيات الاستيطان: الخطر الأكبر على القدس؟

الوسيلة الأساسيّة التي تستعملها هذه الجمعيات من أجل خطة الاستيطان في القدس، والاستيلاء على منازل الفلسطينيّين، هي تقديم أوامر الإخلاء والإزالة للعائلات الفلسطينيّة التي تسكنها منذ عشرات السنين، بادّعاءات مختلفة تعود لملكيّة المنازل، وبمساعدة القانون الإسرائيليّ. (1)

وتعمل الجمعيّات الاستيطانية بمساندة الحكومة وأجسامها المختلفة، وبمساعدة القوانين التي تسنّها “إسرائيل”، التي تعطي “الحقّ” في الأملاك لليهود فقط، إذ أنه بعد احتلال شرق القدس سنة 1967، يعطى الحقّ لليهود الذين خسروا أملاكًا خارج حدود الدولة بعد 1948 والموجودة في منطقة الضمّ، أن يأخذوها بواسطة الجسم الحكوميّ “الأبوتوروبوس العام” (بمثابة الوقف الإسرائيليّ). (1)

رغم من أنّ هؤلاء اليهود قد حصلوا على أملاك في غرب المدينة كتعويض من الحكومة على خسارة منازلهم وممتلكاتهم. وبالمقابل، لا يعطي للفلسطينيّين حقّ مشابه، بحسب القانون، بالإضافة إلى أنّه لا يسمح للفلسطينيّين أن تستعيد أملاكها في غربيّ المدينة.

كما يتبع جسم “الأبوتوروبوس العام” لوزارة القضاء الإسرائيليّة المشاركة في العملية الاستيطانيّة بالقوانين المُسنة لتسجيل المقدّسات، وهي التي أعطت “عطيرت كوهنيم” لتكون المؤتمنة على الأملاك القدسية، وقانون “أملاك الغائبين”، الذي سنّته “إسرائيل” بعد الـ 1948.

 ينقل القانون أملاك الفلسطينيّين الذين يسكنون في “دولة عدوّ” إلى ملكيّة “الأبوتوروبوس العام”، وهو بدوره يضعها في أيدي الجمعيات الاستيطانيّة. (2) (1)

وبخلاف ما ينصّه القانون حول المزاد العلنيّ لأملاك “الابوتوروبوس”، لا يتمّ الإعلان عن مزاد علنيّ على الأراضي والبيوت الفلسطينيّة، ولا يسمع للعائلات التي تسكن فيها أن تقدّم طلب شراء وتملّك. (1)

كما يشترك في هذه العمليّة الشرطة وحرس الحدود، اللذان يعملان في سلوان وأحياء فلسطينيّة أخرى من أجل حماية المستوطنين بكلّ الطرق الممكنة، حيث ترافق قوى الشرطة المستوطنين عند الاستيلاء على البيوت لتحميهم، وبعدها ومع وجود المستوطنين في المنازل، تقوم الشرطة بقوى كبيرة بالهجوم على الفلسطينيين في المنطقة، واستعمال أسلحة مثل الرصاص المطاطي والمغلف بالمطاط والغاز المسيّل للدموع، مسدّس الصدمات الكهربائيّة، الضرب والاعتقال.

وفي حالات أخرى، يرافق أفراد من الشرطة وكبار الضباط أفراد “عطيرت كوهنيم” عند تشغيلهم الضغط على العائلات الفلسطينيّة لتهجيرهم من بيوتهم. (1)

بالإضافة لقوى الشرطة وحرس الحدود، تعمل وحدة حراسة أمنيّة خاصّة لحماية المستوطنين في الأحياء الفلسطينيّة التي يستوطنون بها، التي تشغّلها وزارة الإسكان، فذ ففي عامي 2014 و2015 خصّصت الوزارة ميزانيّة تقارب المئة مليون شيكل لتشغيل هذه الوحدة. (1)

بالطبع، لسلطة بلديّة الاحتلال الإسرائيليّة في القدس دورها أيضًا في الاستيطان، بمباركتها للجمعيات وخدمة مصالحها، وبتخصيص ميزانيّات كبيرة من أجل التجمّعات الاستيطانية.

في سنة 2016، تم الإعلان عن مصادقة البلديّة على ميزانية تزيد عن مليونيّ شيكل لبناء “ماكفيه” (بركة مياه من أجل الاغتسال في العبادة بسحب المعتقد اليهودي الحالي)، في مستوطنة جبل الزيتون بجانب البلدة القديمة والمسجد الأقصى. (1)

للاستيطان في سلوان عامّة، وحيّ بطن الهوى خاصّة، الذي يقع في قلب البلدة، آثار استراتيجيّة بالغة الأهميّة، وذلك بسبب موقعها بين المستوطنة الكبيرة في جبل الزيتون بجانب باب العامود، وبين مستوطنات جمعية “إلعاد” في حيّ وادي حلوة بمحاذاة باب المغاربة.

وتنفيذ الخطة الاستيطانية في سلوان من شأنه إنشاء شبكة استيطانية واسعة ومترابطة في منطقة البلدة القديمة، التي ستمنع البلدة عن امتدادها الفلسطينيّ، تمسّ في حقّ سكّانه بحرية التنقّل حتى مشيًا على الأقدام، بوجود مستوطنين مسلّحين ووحدة حراسة خاصة وقوى من الشرطة وحرس الحدود. (3) (1)

في الوقت الحالي، تواجه مئة عائلة فلسطينية في بطن الهوى أمر إخلاء من منازلها، يصل عددها إلى 800 شخص، لو تمّ الحكم بالإخلاء، وقدّمت هذه العائلات استئنافاتها على الأوامر وتقف في المحاكم الإسرائيليّة أمام جمعيّة “عطيرت كوهنيم” المسؤولة عن الأوامر، التي وصل بمساعدتها 15 عائلة يهوديّة للحيّ في الشهر الماضي، وسيتبعهم المزيد لو رفضت الاستئنافات، وحكم عليهم بالإخلاء. (3)

ووصف الدولة لنفسها كدولة مختلطة، يكتمل بعد تهويد سلوان والشيخ جرّاح بالاستيلاء على الحيّز العام في البلدة القديمة، والجولات، ومراكز الزيارة والأماكن السياحيّة، وهي الطرق التي بواسطتها تغيّر الدولة وجوه هذه الأحياء.

ولمثل هذه المشاريع قدرة على جذب الجمهور العام وتمكين وصف المكان بـ “غير سياسيّ”، لكن هي نفسها التي تعزّز الاستيطان وتوصل المستوطنات والحيّز اليهوديّ ببعضه حول البلدة القديمة، وتهدّد الفلسطينيّين، حياتهم اليوميّة ومورثاتهم. (3)

المصادر:

(1) “عير عميم”: https://bit.ly/3fSWJPX
(2) “جلوبس”: https://bit.ly/3utdh6B
(3) “سيحاه ميكوميت”: https://bit.ly/3i09uuH