مقدمة العسّاس | اليهود الشرقيّون

خلال الفترة الماضية، أكدت العديد من الجهات الدولية أن “إسرائيل” دولة عنصرية تمارس الفصل العنصري بشكل ممنهج، إلا أن ذلك لا يتم ضد الفلسطينيين أصحاب الحق فقط، بل على اليهود ممن يوصفون بأنهم شرقيين.

كيف يتم ذلك؟ وما موقف “إسرائيل الرسمي منهم؟

هذه المادة تكشف التمييز العنصري الذي تمارسه “إسرائيل” بشكل رسمي ضد اليهود الشرقيين، وامتدادات ذلك على مختلف المجالات.

إعداد العسّاس | اليهود الشرقيّون

رغم مرور 70 عاماً وتبدل الأجيال عقداً تلو آخر، لا تزال سياسة التمييز العنصري ضد المواطنين اليهود ذوي الأصل الشرقية، ومنهم الذين قدموا بالأساس من الدول العربية، متواصلة وتعكس أثرها على حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا بل إنها في بعض القضايا والمواضيع تزداد حدة.

كشف المؤرّخ الإسرائيليّ، شاي حزكاني، عن أجزاء من وثيقة كان الشاباك الإسرائيليّ قد حجبها لمدّة 62 عامًا في أرشيفه، وتشيرُ إلى فرض “الشاباك” لرقابة وملاحقة ومناهضة لأبناء المجتمع اليهوديّ الشرقيّ في “إسرائيل”، على رأسهم من أتوا من الدول العربية.

ويأتي ذلك بشكل خاص عقب احتجاجهم في وادي الصليب (حيفا) عام 1959 ضدّ اضطهادهم والتمييز ضدهم على أساس عرقيّ.

ويدّعي مسؤولون في “الشاباك” أنّ وراء هذا الإجراء أسباب سياسيّة هي الخوف والقلق من صعود قادة راغبين في تولّي الحكم خلال سعيهم للانتقام كردّ فعل على اضطهادهم.

ويوضّح حزكاني في تحليله أنّ الحديث يدور حول خوف إسرائيليّ من “لبننة ومشرقة” الحكم، وعكس ميزان القوى في “إسرائيل” بين اليهود الشرقيين والأشكناز (يهود أوروبا)، وصعود الشرقيّين إلى السلطة. (1)

كان رئيس الحكومة الإسرائيليّة آنذاك، دافيد بن غوريون، هو من توجّه بطلب للشاباك من أجل التجسس على الشرقيين بغية تفادي الأعمال “الإرهابيّة” والشغب”. نتيجةً لذلك، فرض الشاباك رقابة صارمة على اليهود الشرقيين في القدس ويافا وعكا.

في نوفمبر/تشرين ثاني من نفس العام، أجرت “إسرائيل” انتخابات للكنيست، وشكّل هذا مبررا إضافيًّا للشاباك للاستمرار في مراقبة اليهود الشرقيّين إلى أن يخفتَ غضبهم، وقال رئيس الشاباك إنّه ومع انتهاء الانتخابات سيتّخذ عملاؤهم إجراءات تقضي على هذه الاحتجاجات. (1)

كان من الصعب استخلاص أكثر مما هو مكتوب أعلاه من الوثيقة، إذ لم تنتهِ محاولات التعتيم على الوثيقة مع استردادها، فقد كانت تحتوي النسخة التي استلمها المؤرخ على مقاطع محذوفة وكلمات غامضة، وتفتقر إلى سياق واسع.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الشاباك قام بتسليم الوثيقة للمؤرّخ فقط بعد أن خاض ضدّهم حربًا في المحكمة، إذ كان حزكاني قد طالب الشاباك بمراجعة بعض مواده السرّيّة، مثل: تقارير مراقبة وتنصّت وأنشطة “مكافحة الإرهاب” وإحباط عمليّات “تخريب سياسيّ” وفق ما يصفها الشاباك.

وبطبيعة الحال، رَفَضَ الشاباك طلبَه بحجّة الحفاظ على أمن الدولة. (2)

كان موقف المحكمة العليا مؤيّدًا بشكل مبدئي لموقف الشاباك، وارتأت أن كشف هذه المعلومات “الحساسة” من خمسينيّات القرن الماضي قد يضرّ بأمن الدولة حتّى بعد مرور ستين عامًا عليها، إذ تحتوي على أساليب واستراتيجيّات عمل الشاباك، وقد تضرّ بسمعة وأمن بعض الأشخاص.

خلال المحاكمات ومراجعة الأرشيفات، أبلغ الشاباك المحكمة العليا عن العثور على عدد من الوثائق التي يمكن مشاركة المؤرّخ بها، بشرط خضوع أجزاء منها للرقابة والحجب. (1)

كما يدّعي حزكاني أنّ المواد التي تلقّاها فيها استهزاء حقيقيّ بالبحث والتاريخ الذي يسعى للوصول له، إذ ومع اعتراف الشاباك بحيازته عدد كبير من الوثائق عن اليهود الشرقيين، فإنّ ما كُشف في نهاية الأمر لا يساهم إلّا بقدر ضئيل للبحث بسبب طبيعته السرديّة والقصصيّة وتدنّي قيمته نتيجةً لذلك. (1)

ولا يقتصر الأمر على التجسس ومراقبة اليهود الشرقيّين، إذ تحرص “إسرائيل” على الحدّ من قدرتهم ورغبتهم في التمرّد ومواجهة القمع المؤسساتيّ في الدولة من خلال استبعاد اليهود الشرقيّين من مراكز القوّة.

وقد لا يكون التمييز ضدّ اليهوديّ الشرقيّ مباشرًا، لكنّه يبرُز من خلال سيطرة اليهود الأشكنازيّين التامّة على السياسة في “إسرائيل” ومناصب صناعة القرار والمراكز السلطويّة، مثل: إدارة المؤسسات العامّة والسيطرة على القطاع الاقتصاديّ والأوساط الأكاديميّة والمؤسسات القانونيّة والإعلاميّة والثقافيّة.

بهذا الشأن، تُظهر دراسة للفجوات أنّ السلطة الأشكنازيّة تميل للحفاظ على سيطرتها وهيمنتها، وتقرّب إليها من يشبهونها وينتمون إلى جماعتها، وتقصي أولئك من لا يشبهونها. (5)

إذن، يدورُ الحديث عن عنصرية شفّافة غير مباشرة وغير واعية لخلق جماعة بيضاء عليا إلى جانب القبيلة الشرقيّة المحرومة.

وتنتج عن هذه العنصرية تَفرِقة واضحة بين الشرقيّين الذين نشأوا في بيئة مُختلطة مع الأشكناز، والشرقيّين من المناطق الهامشيّة الذين يعيشون في عالم منفصل عن الثقافة الأشكنازيّة المُهيمنة. (7)

ويعود السبب لإقصاء اليهوديّ الشرقيّ بهذا الشكل، ومنعه من تقلّد مناصب هامّة ومفصليّة في الحكومة الإسرائيليّة مثل الأمن والماليّة والخارجيّة والتعليم والقضاء؛ إلى محاولة ترسيخ هيمنة أشكنازيّة بيضاء، تتحكّم في الكيان الصهيونيّ والدولة المُحتلّة، خوفًا وقلقًا من التهديد الذي قد يشكّله الشرقيّ، في حال تسلّم منصبًا يكون فيه قادرًا على تغيير شكل الحكم والسلطة ومشرقته.

كما تتبع “إسرائيل” سياسات الإقصاء والتهميش والتمييز المتعمّد للشرقيّين من اليهود بسبب القلق من انقلاب مَوازين القوى وتحوّل “إسرائيل” لمدينة شرقيّة الحُكم، الطابع، الهُويّة والثقافة.

وينعكس التمييز ضدّ اليهود الشرقيّين على أساس عرقيّ في مؤسسات إسرائيليّة عديدة، منها جهاز التعليم.

إقرأ أيضًا.. ما هي التصدعات في المجتمع الإسرائيلي ؟

ليس ذلك فحسب، إذ تفشل منظومة التعليم الإسرائيليّة بملائمة نفسها للفئات المستضعفة والمهمّشة من المجتمع، وبالتالي تساهم في توسيع الفجوات بين اليهود الشرقيّين والأشكنازيّين، ذلك أنّها بُنيت على أسس تمييزيّة وغير متكافئة.

ولم تحصل المدارس المخصصة لجماعات مستضعفة وهامشيّة في المجتمع الإسرائيليّ على معلمين ذوي كفاءة أو بنى تحتيّة أو مناهج دراسيّة قويّة.

بالإضافة إلى ذلك، أُهملت ثقافات هذه الجماعات، على عكس التعامل مع ثقافة الأشكنازيّين الأوروبيّين على أنّها الثقافة “الحقيقيّة” الوحيدة. (2)

ويعن نسب الحاصلين على شهادة البجروت (الثانوية العامّة) أو البكالوريوس لدى شريحة اليهود الشرقيّين أقل من أولئك الأشكنازيّين، أمّا في الأكاديميّة الإسرائيليّة، يُشكّل اليهود الشرقيّون نسبة 9% فقط من الطواقم الأكاديميّة الإسرائيليّة. (6)

كما أن يهوديًّا شرقيًّا واحدًا فقط تقلّد منصبًا رئيسًا لإحدى الجامعات الإسرائيليّة من بين 61 رئيسًا حتّى العام 2013. (7)

ويقع اليهود الشرقيّون في درجات دُنيا من السلم الاقتصاديّ – الاجتماعيّ، إذ تعتبر فرص الحصول على العمل لليهوديّ الأشكنازيّ أكبر مما هي عليه لليهوديّ الشرقيّ، كما وأنّ نسبة الفقر لديهم أكبر. (6)

بالتالي، لا يستطيع الشرقيّون تحمّل تكاليف السكن اللائق، وعادةً ما يسكنون الأحياء الفقيرة في المدن، ويرونَ أنّ التعليم حكر على الأشكنازيين من اليهود فقط. (3)

إنّ نسب العاملين من اليهود الشرقيّين في الإعلام ضئيلة جدًّا، ولا يظهرون عادةً في وقت الذروة- “البرايم تايم” في التلفاز.

والوضع لا يختلف كثيرًا في الصحافة المطبوعة، على سبيل المثال، خلال 94 عامًا من عمل صحيفة “هآرتس” لم يتقلّد منصب المحرر في الصحيفة أيّ يهوديّ شرقيّ سوى مرّة واحدة فقط.

وفي جميع المواقع الإلكترونيّة الإسرائيليّة الرائدة دائمًا ما كان المحرر أشكنازيًّا، كما أنّ تمثيل اليهود الشرقيّين في الإعلام الإسرائيليّ قليلة جدًّا، وصورتهم دائمًا ما تكون مشوّهة، نمطيّة، عنصريّة ومُشبعة بالصفات السلبيّة في الإنتاج الثقافيّ الشعبيّ. (6)(7)

أمّا في المجال السياسيّ والأمنيّ، فلم يسبق لرئيس حكومة أن كان يهوديًّا شرقيًّا؛ ومن بين 11 مديرًا للشاباك كان واحدًا فقط شرقيًّا؛ وَمن بين 11 مديرًا للموساد، كان واحدًا فقط نصف شرقيّ؛ ومن بين عشرة وكلاء للدولة، كانوا جميعهم أشكنازيّين.

أضف إلى أنّ الثمانية حكّام لبنك “إسرائيل”، قد كانوا جميعهم أشكنازيّين. (7)

وفي حال نجحَ أحد اليهود الشرقيّين في تقلّد منصب سياسيّ مرموق، فهو لا يجرؤ عن الحديث عن العنصريّة ضدّ الشرقيّين والفجوات على أساس عرقيّ، خوفًا من حرمانه مما يملكهُ من سلطة ضئيلة، ومهاجمته من الإعلام، النخب السياسيّة الأشكنازيّة، وإسكاته. (6)

بالإضافة إلى كلّ ذلك، يعترض الشرقيّون لاضطهاد وقمع وظلم وإنكار لهويّتهم وأصلهم وعرقهم في منظومة القضاء الإسرائيليّة، التي لا تعترف بوجود شيء اسمه “يهوديّ شرقيّ” في دولة “إسرائيل”، وبالتالي لا تعترف بالتمييز ضدّهم. (4)

إقرأ أيضًا.. تاريخ أهم الاحتجاجات الإسرائيلية

 

المصادر:

(1) “هآرتس1”: https://bit.ly/3AT0Cyi
(2) “هآرتس2”: https://bit.ly/36H9Srr
(3) “واينت”: https://bit.ly/3wD7DzW
(4) “جلوبس”: https://bit.ly/3qYdSgo
(5) “ذي ماركر1”: https://bit.ly/3e2DROm
(6) “ذي ماركر2”: https://bit.ly/3xz75fp
(7) “ذي ماركر3”: https://bit.ly/3wxx4CX