مقدّمة العسّاس | حرب أكتوبر 73

عند كل تصعيد للعدوان الإسرائيلي، يعود مجلس الوزراء الإسرائيلي المُصغّر “الكابينيت” لتصدر المشهد، بصفته من يدير ويُقيّم الأوضاع الإسرائيلية، لكن ماذا حدث هذا المجلس في حرب 1973؟ وكيف أدار الحرب التي تفاجأت فيها “إسرائيل”؟

هذه المادة تكشف البروتوكولات السريّة لجلسات مجلس الوزراء الإسرائيلي المُصغّر “الكابينيت” خلال حرب أكتوبر 1973.

إعداد العسّاس | ما قصّة حرب أكتوبر ؟

كشف أرشيف الجيش الإسرائيلي في وزارة الأمن عن البروتوكولات السريّة لجلسات مجلس الوزراء المُصغّر “الكابينيت” خلال الحرب “الّتي غيّرت “إسرائيل” للأبد”. والهجمة الاحترازيّة التي تمّ تفويتها، والنقاش المُتوتّر الذي تخلله سماع دوي الإنذارات، وأوامر غولدا مائير للوزراء: “نحن نبقى هنا”، والاتّهامات المُتبادلة خلال المعارك، هكذا اتُّخذت القرارات خطوةً بخطوةٍ.

اندلاع حرب أكتوبر/تشرين أول 1973، المسماه إسرائيليًا بـ “يوم الغفران” فاجأ “إسرائيل” وحطّم تصوّرات أجهزة المُخابرات الإسرائيليّة بأن السوريين والمصريين لن يهاجموا، على الرُغم من ورود معلومات قبل ليلة واحدة من الحرب من قِبل “عميل” الموساد أشرف مروان (بحسب رواية الموساد) تُؤكّد ذلك.

كانت التقديرات أنّ المعركة ستبدأ مع حلول الظلام وقد تبيّن فداحة هذا الخطأ فيما بعد، إذ يكشف أرشيف الجيش الإسرائيلي في وزارة الأمن عن المحاضر السريّة لجلسات مجلس الوزراء من الحرب، بما في ذلك لحظة إطلاق النار في الساعة 14:00 ظهرًا، ما فاجأ أعضاء مجلس الوزراء.

قبل نصف سنة من اندلاع الحرب، تلقت “إسرائيل” تحذيرًا حول نيّة “الأعداء” شن حربٍ خلال شهر مايو/أيّار، وهو ما لم يتحقّق، وقد ما كان دافعًا للشعور بالرضا عن النّفس.

بينما في جلسة لجنة الوزراء للشؤون الأمنيّة في تاريخ 24 نيسان/أبريل، قدّر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “إيلي زعيرا” أنّ احتمال فتح مصر للنار مُنخفضة، وهو ما أيّده وزير الأمن في حينه موشيه ديّان.

 وقالت رئيسة الوزراء غولدا مائير: “إذا قال رئيس جهاز الاستخبارات العسكريّة إن الامكانية مُنخفضة، إذًا انتهى الموضوع”.، ومع هذا أضافت: “علينا أن نكون جاهزين لا منطقيين”.

الهجوم الاحترازيّ الذي فُوِّت

وتكشف البروتوكولات كيف استمر الفشل حتّى اللحظة الأخيرة، الساعة 12:00 مساء “يوم الغفران” بدأت جلسة مصيريّة للمجلس الوزاريّ المُصغّر “الكابينيت”.

وقال وزير الأمن، موشيه ديّان: “الافتراض هو أنّ الهجوم سيبدأ اليوم قبل المساء، مع بداية حلول الظلام وعلى الجبهتين”.

بدوره، طلب الجيش أن يخرج بهجوم استباقي والحكومة لم توافق، وكان الطلب حينها “أعطونا نصف ساعة لاتّخاذ إجراءات استباقيّة، نُنهي مطاراتهم وصواريخهم وينتهي الموضوع”، وبهذا أيضًا وصفت رئيسة الوزراء مائير مناشدة قائد الجيش في ذلك الصباح.

 وأضافت غولدا مائير: “أعترف أنّ قلبي مُنجذب لهذا جدًا، لكنّني أعرف بأيّ عالم نحن نعيش”، ثم أوقفت الجلسة في اللحظة التي سمعت فيها صافرات الإنذار.

توجّهت رئيسة الحكومة للوزير، بنحاس سافير، خلال الجلسة وقالت: “أحدٌ لا يدري إن كانوا فعلًا سيشنون حربًا ومتى سيكون ذلك.. لا أعلم إن كانوا سيبدؤون، وإن لم نفعل أي شيء في سوريا – أنهينا الموضوع مع سوريا من هذه الناحية. لكنّني لا أعلم. من جهتي لا يهُمّ، وعلى أيّ حال لن أتزحزح من مكاني، إن وددّتم الجلوس تفضّلوا. لكنّي أستطيع القول لكم، سنلتقي الساعة 16:30 –  إن حدث ذلك”.

في ذات اللحظة التي كانت فيها مائير تفضّ اجتماع المجلس الوزاري المُصغّر، سُمع دوي الإنذار في غُرفة الاجتماعات، ودخل للجلسة السكرتير العسكري، يسرائيل ليؤور قائلًا: “لقد بدأت، الهجمات بدأت فعلًا، السوريّون فتحوا النار”.

بطبيعة الحال تراجعت مائير عن تعليماتها وتوجّهت للوزراء: “سنبقى هنا!”، بينما أكمل السكرتير العسكري وصف انتشار المدفعيّة المصريّة والطائرات السوريّة.

“سكين بين الفكّين”

في السادس من أكتوبر/تشرين الأوّل الساعة 22:00، اجتمع المجلس الوزاري المُصغّر في جلسةٍ إضافيّة، وقال رئيس الأركان دافيد اليعازر عن وضع منطقة “جبل الشيخ”: “المعلومات التي وصلت خاطئة، هذه المنطقة لم تسقط وآمل أن نتمكّن من تأمينها هذه الليلة”.

 لاحقًا أضاف أليعيزير مُعترفًا: “نحن في مرحلة ضبابيّة. تبقى لدينا 24-36 ساعة في القناة، صعبات بما فيه الكفاية، آمل تجاوزهم بسلام”.

حينها قال وزير الأمن موشيه ديّان: “هذا ليس وضعًا كارثيًا من ناحية خطّ الدفاع، أستطيع الافتراض أننا سنتمكن من استرداده”.

وعن الوضع جنوبًا في سيناء قال: “عندما تتمكّن دباباتنا الأربعين هناك نستطيع أن نشعر بالرّاحة. كان لدينا اليوم فقط دبابتين. المصريّون يحاربون والسكين بين أسنانهم.”

الحرب الأصعب على الإطلاق، بالظروف الأصعب على الإطلاق

بدأ الوضع في ساحات القتال يتضح، ويتضح معه الفشل خلال اجتماع المجلس الوزاري في اليوم التالي صباحًا، وقال رئيس الأركان: “الوضع الآن في الجولان أسوأ بكثير، ومنطقة جبل الشيخ سقطت ولم نتمكّن من استعادتها، وقسم من الجنود قتلى، وقسمٌ مُصابون، وقسمٌ آخر وقع في الأسر، نحن نُدير الآن الحرب الأصعب على الإطلاق بالظروف الأصعب على الإطلاق”.

وأوضح “كُنّا مُستعدين مع الجيش النظامي وليس مع جيش الاحتياط ودون أي عمل وقائي. لقد دخلنا الحرب على عجلٍ”.

أمّا في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قرّر المجلس الوزراء ليلاً، شنّ هجوم مُضاد على الجبهة المصريّة، وكان من المُقرّر شنّها في اليوم التالي بواسطة الفرقة 162 والفرقة 143، التي كان يقف على رأسها إيريك (أريئىل) شارون.

بهذا قالت غولدا مائير “الله وإيريك”، بينما أضاف موشيه ديّان: “أنا مُستعد أن أصلي طوال هذه الليلة لكي نكون غدًا أمام بداية التغيير”.

فشل الهجوم المُضاد في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، وقام ديّان بنقل الأخبار للمجلس الوزاري بأنّ استجابة الأميركيين للطلب الإسرائيلي بالدّعم الجوي والبرّي بالدّبابات لم يكن سيئًا، بينما أجابت مائير باللغة اليديشية ما معناه: “مُباركٌ وحسنٌ، وأنا يتيمة”!.

إقرأ أيضًا.. كيف غيرت حرب 1967 الاقتصاد الإسرائيلي؟

اليوم الثاني: “يوجد حدود للاحتمال، يجب أن نبدأ التحقيق الآن؟”

في مساء اليوم الثاني للحرب بدأ النقاش حول الاتهامات بالفشل، قال الوزير ناتان بيليد: “كانت مُشكلة في الهجمات المُضادّة، كُنّا جميعًا مُتفقين على عدم توجيه الضربة المُضادّة.. وعلى هذا لا يُمكننا تجاهل حقيقة أنّنا بدأنا حشد قوّاتنا بوقتٍ مُتأخّر”.

أمّا رئيس الأركان أليعيزير فقد أسقط المسؤوليّة على جهاز المُخابرات العسكريّة وقال: “هذا كان تقييم جهاز المُخابرات العسكريّة فقط قبل يومين من بدأ المعركة، في حينه كان بإمكاننا حشد القوات”.

ردّ الوزير بيليد، الذي كان مُقتنعًا أن الحكومة مسؤولة عن الفشل، قائلًا: “جهاز المخابرات العسكريّة هو أيضًا نحن!”.

هنا غضبت رئيسة الحكومة بسبب الانشغال بالمسؤوليّة حول الفشل: “يوجد حدود للتحمّل. نحن نجلس هنا منذ السابعة صباحًا كلّ ساعة وكُلّ نصف ساعة يحدث شيء ما وربما تحدث كارثة، هل ننشغل الآن بالتحقيق بالمسؤوليّات؟”.

“استعدوا بتشاؤم واعملوا بتفاؤل”

“لا يُمكن ذكر المصدر الذي تلقيّنا منّه الإنذار”، قالت غولدا بخصوص الإنذار الأخير الذي تمّ تلقيه، “وصل إلينا عن طريق الصُدفة، بعد مرور مئة عام سيصبح من الممكن الحديث عن الموضوع، وكم كان هذا عظيمًا أنّنا رغم كُل شيء تلقينا هذا الإنذار”.

لكنّ الروح المعنويّة ما زالت في الحضيض: “إذا اضطررنا للاستسلام هكذا، فأنا أرى بهذا أمرًا خطيرًا جدًا، شعرتُ بالخوف عندما قلت هذا الكلام، لأنّ الحرب عندئذٍ ستكون على وجود دولة “إسرائيل”.

وفي تمام السّاعة العاشرة صباحَ يوم الثلاثاء، عمليًا كان هنالك نوع ما من التعافي، فكّر موشيه ديّان بخصوص اليوم التالي وقال: “بدون ضمّ”.

أمّا في التاسع من أكتوبر/تشرين الأوّل، شعور عارم بالفزع مُجددًا داخل المجلس الوزاريّ المُصغّر، إذ قال رئيس الأركان: “أنا أوافق وأتماهى تمامًا مع تقييم وزير الأمن، أنّنا علينا أن نكون على استعداد لبدائل قاسية”.

في حين احتجّ شمعون بيريس، الذي كان وزيرًا في الحكومة في حينه (لاحقًا رئيسًا للحكومة ومن ثمّ رئيسًا للدولة) على أجواء الفزع قائلًا: “الوضع شديد الجِّدّيّة، لكنه ليس بالقاتل أو الكارثي، علينا الاستعداد بتشاؤم والعمل بتفاؤل”.

“لم أتحرّر من الكوابيس”

في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول صباحًا، تستعرض رئيسة الوزراء الجهود لجلب الأسلحة لـ “إسرائيل” وتوجّه “لسعةً” لبريطانيا: “البريطانيّون اللطفاء، قاموا بحظر أسلحة كُنّا قد دفعنا ثمنها سلفًا وكانت بطريقها إلينا فعلًا”.

وبدأ الحديث عن نقطة تحوّل إيجابيّة في مُجريات الأحداث، بينما في الحادي عشر نفس الشهر، ليلًا، نوقش اقتحام دمشق، وعرقلت مائير القرار مُعلّلةً: “لا مصلحة لنا بدخول دمشق، علينا مواجهة الكارثة، هذه مسألة إنقاذ”.

في هذه الجلسة، ثمن الحرب كان ضخمًا وواضحًا، وقالت غولدا: “يسألني النّاس، لماذا كنت حزينة هكذا عندما ظهرت في التلفاز، عندما سألني إيلي نيسان ما هو ثمن هذه الحرب” وكانت إجابتي: “هل يمكن ألّا أكون حزينة؟ حتّى الآن لم أتحرّر من الكوابيس”.

أمّا في يوم الرابع عشر من ذات الشهر، عمليًا أصبح النقاش حول نجاح عملية قناة السويس، وديّان الذي كان قد تعافى من الفزع قال: “هذه طريقة جيّدة، وتَحمِلُ تفاؤلًا لإغلاق صفحة حرب كهذه”.

المصادر:

(1) “ماكو”: https://bit.ly/3z5zdY7