مقدمة العسّاس |

خلال الشهور الأخيرة، يبدو أن الأزمات المتعددة في لبنان احتلت رأس سلّم الأولويات في “إسرائيل”، التي اعتبرت وسائل إعلامها أنها قلِقة من تطورها وانعكاساتها عليها وتأثّر مصالحها، إذ بات أحد خيارات “إسرائيل” حاليًا هو إعادةَ ضبط الوضع في لبنان، مستغلة الوضع الاقتصادي المتأزم لتحقيق أهداف عديدة طال انتظارها.

ما هو هدف “إسرائيل” في لبنان؟ وما هي وسائل التدخل الإسرائيلية الجديدة؟

هذه المادة تتحدث عن الأهداف الإسرائيلية المتنامية في لبنان، وسبل استغلال الأزمات المتعددة الحالية لمصلحة “إسرائيل”.

إعداد العسّاس |

يعاني لبنان منذُ نصف عام من أزمة اقتصاديّة عميقة تتمثل بالتضخّم الاقتصاديّ وارتفاع الأسعار وازدياد معدّلات البطالة، وضعت لبنان في مواجهة الإفلاس الاقتصاديّ، الذي بلغ أوجه مع نفاد المُنتجات الأساسيّة (مثل الوقود والخبز)، وانقطاع المياه عن بعض المدن والقرى لساعات عديدة.

ومن المُتوقّع انقطاع الكهرباء في الفترة القريبة، إضافة إلى تعرّض النظام الصحّيّ لضربة قويّة عقب انتشار جائحة كورونا، مما يهدد حياة اللبنانيّين، نَاهيكَ عن رفاهيّتهم. (2)

مع زيادة تأزّم الأوضاع الاقتصاديّة في لبنان، تُراقب “إسرائيل” تفاقم الوضع الاقتصاديّ الصعب الذي يعيشه الشعب اللبنانيّ، مثل حيوان ضاري على وشك الانقضاض على فريسته.

وترى “إسرائيل” بالحالة اللبنانيّة فرصةً لا بدّ من استغلالها والانتفاع منها، وهي تقوم بذلك من خلال تقديم عرض رسميّ بوساطة قوّات اليونيفيل، لمساعدة لبنان، تحت غطاء المساعدات “الإنسانيّة”.

ويدّعي وزير الأمن، بيني غانتس، وقيادات الجيش الإسرائيليّ المسؤولين عن تقديم العرض، أنّه ليس إلّا بادرة نبيلة من طرف “إسرائيل” لجارتها لبنان. (2)

إلا أنه من أجل تقديم تحليل وفهم أعمق للأهداف والمصالح التي تقف وراء هذا العرض الإسرائيلي غير البريء على الإطلاق، نستعرض أوّلًا التهديد الذي تراه “إسرائيل” في الأزمة اللبنانيّة، ثم الأهداف الخفيّة وراء هذا العرض، ولماذا ترى “إسرائيل” في الأزمة اللبنانيّة فُرصةً يجب استغلالها، وما هي السياسة الجديدة التي تتّبعها في التعامل مع الدول العربيّة المُجاورة لها.

ترى “إسرائيل” أنّ مكانتها أمام العالم تُحدّد بناءً على قدرتها على تمييز المخاطر والفرص. (6)

كما يعي بيني غانتس أنّ تفكك الدولة المُجاورة، في الحالة اللبنانيّة، سيُؤثّر سلبًا على “إسرائيل” بدون شكّ، وأنّ هذه هي إحدى التحدّيات الأساسيّة التي تُواجه الجيش الإسرائيليّ، ويجب عليه التعامل معها. (5)

في حين تدّعي صحيفة معاريف، أنّ الخطر من وراء الأزمة اللبنانيّة، ينبع من أسلوب تعامل الدُول العربيّة دائمًا مع أزماتها الداخليّة، الذي تتعمّد فيه تصعيد المواجهات مع “إسرائيل”، من أجل كسب تعاضد، ودعم، وتَعاطف شعوبها معها. (4)

 كما تَخشى “إسرائيل” من سماح حزب الله لإيران بتقديم المساعدات للبنان، ممّا قد يعني ازدياد قوّة وسلطة حزب الله وإيران في المناطق اللبنانيّة؛ ما قد يؤدي إلى احتدام العلاقات بين لبنان و”إسرائيل” أكثر من ذي قبل. (1)(2)

وفي حالة شبيهة، قام رئيس الأركان الإسرائيليّ، غانتس عام 2011 بتقديم مساعدات “إنسانيّة” للسوريّين المُناهضين للأسد؛ ذلك من أجل التخلّص من عدو آخر في المنطقة، وضمان السيطرة الإسرائيليّة على مرتفعات الجولان إلى الأبد. (3)

هذا الفهم للمخاطر التي ترى “إسرائيل” أنّها تُحدِقُ بها من الجانب اللبنانيّ، تقودنا إلى الهدف الخفيّ الأوّل الذي يقف وراء المساعدات الإسرائيليّة للبنان، ولا تتركُ مجالًا لإنكار رؤية “إسرائيل” للأزمة اللبنانيّة كفرصة لا بدّ من انتهازها.

وتُحاول “إسرائيل” منع إيران من تقديم مُساعدات للبنان من أجل تقليص حجم سيطرتها في المنطقة، وبالتالي كسب بعض الشعور بالأمان في المنطقة، وتفادي خسائر ماديّة وبشريّة قد تنتج عن الصدام والمواجهات بين الدولتين.

ويأتي هذا التخوّف من تجربة سابقة، كانت “إسرائيل” قد خاضتها عام 1982، عندما ساعد رئيس الأمن آنذاك، أرئيل شارون، قسمًا من المسيحيّين اللبنانيّين (جيش أنطوان لحد)، مُعتقدًا فيهم حلفاء طبيعيّين، مما أدّى إلى مقتل 700 إسرائيليّ و18 ألف فلسطينيّ، سوريّ ولبنانيّ. (3)

وقد حاول رئيس الوزراء بينيت تأطير عداوة “إسرائيل” مع حزب الله وإيران، وليس الشعب اللبناني؛ على حدّ قوله.

كما حاولت “إسرائيل” استغلال الأزمة اللبنانيّة لأجل توجيه الاتّهامات لإيران وحزب الله وتعبئة الشارع اللبنانيّ ضدّهم، وتوجيه غضب الشعب اللبنانيّ كاملًا إليهم.

لذلك، اتّهم رئيس الوزراء الإسرائيليّ، نفتالي بينيت، إيران بالتسبب في انهيار لبنان، قائلًا  إنّ “دولة لبنان على وشك الانهيار، تمامًا كما هو الحال مع كلّ المدن التي تتحكّم بها إيران، كلّ ما تلمسه إيران يُدَمَّر، هذه المرّة يدفع المواطنون اللبنانيّون الثمن الباهظ”. (5)

 وصوّر “إسرائيل” كحليفة للشعب اللبنانيّ، التي تقف معه في نفس الجانب، ولكن أكثر قوّة وقدرةً على مُواجهة العدو المُشترك “إيران وحزب الله”.

وأضاف أن: “مواطني لبنان ليسوا أعداءنا، في الواقع نمتلك مع المواطنين اللبنانيّين عدوًّا مُشتركًا: حزب الله وإيران مع اختلاف واحد فقط: لدينا الأدوات والقدرات لمواجهة هذا العدو”. (5)

 بهذا صوّر بينيت “إسرائيل” بصورة البطل الخارق الذي سيتمكّن من إنقاذ لبنان بحلّته البرّاقة وأسلحته اللامعة، وأمواله التي لا تُحصى.

مع ذلك، تنتظر إسرائيل ازدياد يأس اللبنانيّين لكي تتوجّه أنظارهم إلى “إسرائيل” في محاولة لطلب المساعدة(2)، على أمل أن تكون هذه المُساعدات سببًا في فتح مسار للمفاوضات حول التطبيع بين البلدين وإنهاء العداوة،(3) في محاولة لطرح معادلة جديدة تقوم على “الصداقة” بين الدولتين. (2)

وتأتي هذه المحاولة في ظلّ توطيد العلاقات وموجة التطبيع بين “إسرائيل” والدول العربيّة التالية: الإمارات العربيّة المتّحدة، البحرين، السودان والمغرب؛ بالإضافة إلى اتّفاقيّتي السلام مع كلّ من مصر والأردن، إذ يَرَى غانتس في الأزمة اللبنانيّة فرصةً هامّة، تَجِب مُباركتها واستغلالها. (5)

في هذا السياق، لم تُفوّت “إسرائيل” الفرصة لتُمارس استشراقيّتها واستعلاءها على أبناء الشعوب العربيّة التي تحيطها، إذ ترى بنفسها “ﭬيلا” في وسط غابة، وَمَعقَلًا للثقافة والاستقرار في فضاء “فوضويّ وعنيف وغير مُستقرّ”.

كما أنها ترى أنّ هدفها هو ضمان عدم دخول الغابة إلى الـ “ﭬيلا”، ونقل عدوى العنف والفوضى وعدم الاستقرار إليها؛ كما وترى في العيش وسط الغابة خطرًا كبيرًا عليها، لاستمرار نشوب المواجهات بين الدول وشعوبها، وبين الدول نفسها، وكثرة أزماتها الاقتصاديّة والسياسيّة، ونهايةً عدائها لدولة “إسرائيل”.

وكانت “إسرائيل” حتّى فترة ليست ببعيدة تستعين بتكتيكاتها العسكريّة والدفاعيّة لمواجهة هذه المخاطر المُحيطة بها؛ وتحديد كيفيّة التجاوب معها أو الحدّ منها، وتظنّ بأنّ الأداة الأفضل لديها في التعامل مع السياسات الخارجيّة هو الجيش الإسرائيليّ.

 لكن مع اندلاع الأزمة الأخيرة في لبنان، قررت “إسرائيل” استخدام استراتيجيّة وسياسة خارجيّة جديدة، عدا عن تلك العسكريّة، من أجل تغيير طابع “الغابة” المُحيطة بها، وتخفيف العداء بينها وبين الدول الأخرى. (6)

وهذا هو استغلال الأزمات التي تمرّ بها البلاد العربيّة المُجاورة لها، أيّ أنّ الطموح الإسرائيليّ في تطبيع العلاقات مع الدول العربيّة من خلال استغلال الأزمات، لا يقتصر على لبنان وحسب، بل ويتعدّاها إلى جميع الدولة المُجاورة.

(1) “هآرتس1”: https://bit.ly/3CT8MHH
(2) “مكور ريشون”: https://bit.ly/2VZjmfl
(3) “معاريف”: https://bit.ly/3mbtSva
(4) “معاريف2”: https://bit.ly/3iTTM4n
(5) “واللاه”: https://bit.ly/37SE9Us
(6) “مكور ريشون2”: https://bit.ly/2W3S4EN