مقدّمة العسّاس |

أعلنت الرئاسة الفلسطينيّة في 15 كانون الثاني/ يناير، عن إجراء انتخابات عامّة، لأول مرة منذُ 15 عامًا، إذ أصدر الرئيس الفلسطيني مرسومًا رئاسيًا بشأن الانتخابات، وجاء ذلك في اتفاق حركتي فتح وحماس خلال اجتماع بينَ ممثلين الحركتين في تركيا، الذي تضمن إجراء انتخابات تشريعية ومن ثم رئاسية في غضون ستة أشهر.

وتعتبر مسألة الانتخابات “غير شرعيّة” بالنسبةِ إلى “إسرائيل”، سواء دولةً ومؤسسات وأجهزةً سياسيّة وأمنيّة وإعلاميّة وثقافيّة، وذلك منذ مشاركةِ حركة “حماس” في الانتخابات التي عقدت في عام 2005، بسبب مشاركة جسم مسلّح.

ولا تحتمل “إسرائيل” انتخابات فلسطينيّة وهي ليست تحت احتلال، حيثُ أن مشاركة حماس في عام 2005، برزت كبادرةٍ حقيقيّة للتحوّل الفلسطينيّ، وبدورها من الممكن أن تبني سيادةً فعليّة.

بالتالي سنحاول فهم كيفَ يتعاطى الإعلاميّ والمحلّل والباحث [القصدُ مراكز ومواقع وجرائد، وليسَ أفرادًا فقط] الإسرائيليّ مع الانتخابات المعلنة راهنًا، وما هو الخطاب الإسرائيليّ الذي يرونه إزاء الانتخابات الفلسطينيّة؟

 هذه المادة تكشف كيف ترى “إسرائيل” إمكانية إجراء انتخابات فلسطينية قريبًا، وتوضح أبعاد ذلك على الاحتلال. 

إعداد العسّاس | 

استضاف برنامج “المناظرةِ اليوميّة” للقناةِ الإسرائيليّة “I24″، القياديّ في حركة فتح أحمد غنيم، والمحلّل السياسيّ رؤفين بيركو، للحديثِ عن إمكانيّة ترشّح مروان البرغوثي لرئاسة السلطة الفلسطينيّة.

وقال بيركو، حول توقيت الانتخابات المعلن عنها: إنها “تكتيك لاستعادةِ وجذبِ الممولين من الاتحادّ الأوروبيّ والغرب. (1)

وأظهرَ إثرَ هذا التعليق أن إعلان الانتخابات هي شكليّة ومن أجل الحفاظ على الحدّ الأدنى من العلاقة والتمويل، ومن المهمّ الإشارة إلى أن النظرة الإسرائيليّة للانتخابات تتمحور حول هذهِ المقولة.

وفي مقالةٍ للدكتور ميخائيل ميلشتاين: “الانتخابات الفلسطينيّة من المحتمل أن تتعقّد”، الذي نُشر في موقع واينت، يوضّح أولًا أن المرسوم الرئاسي من الممكن أن لا يُنفّذ وغير جدّي، وفي حال تمّ لماذا يأتي في هذا الوقت تحديدًا؟”.

ويلمّح ميلشتاين إلى أن وجود إدارة أميركيّة جديدة، هي أحد الأسباب، إذ أن مهمّتها الراهنة هي دفع الديمقراطيّة في الشرق الأوسط، وهذا الأمر واضح بالنسبةِ للرئاسة الحالية، بالتالي تُريد تقديم بادرة حسن نيّة للإدارة الجديدة، وعلى أنها مستعدّة للتعاون.

ولفت إلى أن هذهِ الخطوة، ستعيد الانتباه إلى القضيّة الفلسطينيّة وأيضًا الاحتلال الإسرائيليّ، قائلًا: إن “الاحتمال الأكثر منطقية هو أن هذه محاولة للفت انتباه الساحة الدولية، وخاصة الإدارة الأمريكية القادمة، إلى القضية الفلسطينية، التي أبدى معظم العالم تجاهها عدم اكتراث ويأس في السنوات الأخيرة.

وكل هذا مبني على افتراض عند أبو مازن بأن فرص إجراء الانتخابات متدنية في المقام الأول، وأن “إسرائيل” على أية حال “ستخرج الكستناء من النار” للفلسطينيين وتُحبط الانتخابات، خاصة من خلال الحظر الذي ستفرضهُ في القدس”.

بالتوازي مع ذلك، أشارَ ميلشتاين أيضًا إلى خوفِ جميع المحيطين بأبو مازن، من إجراء الانتخابات، بسببِ إمكانيّة عودة إلى أحداث عام 2007 وفقدان للسلطة. (2)

من جهةٍ أخرى، في حديثهِ إزاء تبعات الانتخابات على الأمن القوميّ الإسرائيليّ، لافتًا إلى مركزيّتها، وخصوصًا في حالِ تكرار نتائج انتخابات 2006، قال ميلشتاين: إن “أي انتصار أو إنجاز مهمّ لحركة حماس في الانتخابات، قد يكون كارثيًا على “إسرائيل”، وكذلك للقيادة في رام الله، بالتالي، أمام “إسرائيل” خيارات صعبة في التعاطي مع تبعات الانتخابات وتطوراتها”.

ونشر “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” (INSS)ورقةً بعنوان “الانتخابات الفلسطينية: مقامرة أم فرصة أم مناورة سياسية؟”، إذ أن المقولة الأساسيّة هي أن إعلان الانتخابات بادرة لجعلِ الأمور تتحرّك من جديد، نحو القضيّة الفلسطينيّة عالميًا، مع الانتباه إلى أن الانقسام ما زال حاضرًا وقويًا في الخلفيّة من زاويتين.

الزاوية الأولى هي أن الاستقطاب الداخليّ ينخرُ في حركة فتح، بينَ عدّة تيّارات وتوجّهات، مما قد يمنحُ حركة حماس انتصارًا سهلًا، في حال انعكست الاستقطابات والخلافات في حركة فتح على الانتخابات.

والزاوية الثانية، وهي مسألة المقاومة العسكريّة بالنسبةِ لحركة حماس، إذ أنها ما زالت تشكّل عائقًا أمام قبولها إسرائيليًا وعالميًا، من وجهةِ نظر المقالة.

بالتالي، فهي تريد الاندماج داخل المؤسسات والسلطة الفلسطينيّة مع تمسكها بحقّ المقاومة في جميع الوسائل التي تراها مناسبةً.

على هذا الأساس، تعدّد الورقة خمسة عوائق وعقبات أمام الانتخابات ونجاحها، بعد إشارتها إلى حضور الانقسام في الخلفيّة مع العلم على أن إعلان الانتخابات بمثابةِ إنجاز، للمفاوضات التي جرت بينَ جبريل رجوب من طرف حركة فتح، وصالح العاروري من طرف حركة حماس.

وفقًا للمرسوم الرئاسي، فإن مشاركة “القدس الشرقيّة” مشروطةً بموافقة إسرائيليّة، وعدم وجود مشاركة فلسطينيّة من القدس ستكون إشكاليّة بالنسبةِ للانتخابات ومعناها السياسيّ، وإن قبلت “إسرائيل” انتخابًا إلكترونيًا سيكون ذل بعدد ضئيل.

فصائل المعارضة، وعلاقتها في حركة فتح وحماس، ستكون عائقًا إضافيًا في حالِ تشكيلها قائمة واحدة.

واغتراب القيادة الراهنة عن الفلسطينيين، وخاصة بين الشباب، حيثُ أنهم يرون الانتخابات على أنها آلية لتأمين مكانة القيادتين الفاشلتين اللتين فقدتا الحيوية والشرعية، وهُنا علت أصوات تدعو لإنشاء أطر سياسيّة جديدة.

كما أن الغضب العامّ بسبب الضائقة الاقتصادية واسعة النطاق، جرّاء قرار عباس عدم استلام أموال الضرائب من “إسرائيل”، مما يجعلها مسألة مهمّة عند العديد من النخب والقيادات في حركة فتح، وتشكيكهم في الانتخابات.

في حين إن تزداد مخاوف محمود عبّاس ومن يحيط بهِ، من نيّة محمد دحلان للترشّح، وعلى وجه الخصوص احتمال انضمامه إلى مروان صاحب الصيت الشعبيّ، وإمكانيّة انضمام ناصر القدوة، لدحلان.

كل هذهِ العوائق التي حددتها الورقة تجاه الانتخابات الفلسطينيّة وإنفاذها، وأمام القيادتين وخصوصًا القيادة الحالية في الضفّة الغربية.

 على هذا الأساس، قامَ محمود عبّاس بخطوتين، تعتبرها الورقة بعيدة المدى، تمثلت الأولى بإجراء إصلاح في النظام القانوني، معلنًا عن إنشاء محكمة إدارية مستقلة خاضعة له مباشرة، بذلك يتيح لنفسهِ اتخاذ مجموعة واسعة من الإجراءات بما في ذلك حلّ البرلمان وتأجيل الانتخابات وحتى إلغائها، فضلاً عن فرض قيود على الموظفين المدنيين الراغبين في الترشح للانتخابات.

والخطوة الثانية هي تغيير في القانون الذي ينص على أن هذه لم تعد انتخابات للسلطة الفلسطينية بل لدولة فلسطين، والأسئلة التي تطرحها الورقة، حول ما الذي دفع محمود عبّاس إلى إجراء مثل هذا الإصلاح الهام للنظام القضائي عشية الانتخابات وتغيير قانون الانتخابات، بطريقةٍ قد تعقده مع إدارة بايدن؟

كما ذكرت الورقة إجابةً للتساؤلات أعلاه، على أن المرسوم المتعلّق في الانتخابات لا يعني بالضرورة وجودها، إلا أن ما حصل هو بعدما قدّمت حركة حماس تنازلًا إزاء مطلب إجراء انتخابات لجميع المؤسسات في وقت واحد، ولم يكن أمام عباس خيار سوى إصدار المرسوم الرئاسي بعد تسليمه معظم الصلاحيات التي تمنحه السيطرة على الساحة الفلسطينية قبل الحملات الانتخابية وبعدها.

 وتضمنت الورقة التنويه إلى أن هذهِ التحركّات الأخيرة، هي من أجل دفع العجلة بالنسبةِ لحركةِ فتح وضمان هيمنتها على الساحة الفلسطينيّة لإنشاء علاقات مع الإدارة الأميركيّة الجديدة، وخصوصًا بعد الانحدار في العلاقات الفلسطينيّة- الأميركيّة الذي لازم فترة الرئيس السابق، دونالد ترامب.

وترى الورقة أن من مصلحةِ بقاء عباس في السلطة، وبالتالي لا يمكن فهم هذهِ الخطوات المتناقضة بينَ “مرسوم رئاسيّ بشأن الانتخابات” وإصلاحات قانونيّة وقضائيّة تمكنه من تقويض النتائج وغير ذلك.

وقد تصل الأمور إلى فشل عباس نفسه وفشل حركة فتح، ورغم الصعوبات التي تواجهها حركة حماس إلا أنها تبقى في موقع أفضل، وفقًا للورقة.

وعلى هذا الأساس، أضافت أن “المس باستقرار السلطة الفلسطينية وتهديد بقاءها وخروج عباس من المسرح لا يخدم المصلحة الأمنية الإسرائيلية”.

رغم ذلك، توصي الورقة “إسرائيل” بالامتناع عن قيامِ بخطوات يُنظر إليها من المؤسسات الدوليّة، على أنها تقوض الإجراءات الديمقراطية في الساحة الفلسطينية.

كما توصي بالتنسيق مع الجهات الأمنيّة في الإدارة الأمريكية وكذلك مع فرنسا وألمانيا، وخصوصًا مع تأثيرها المحتمل على عباس، وكذلك مع الدول العربية ذات الصلة، بالتحديد مصر والأردن.

 

المصادر:

(1) “قناة I24”: https://bit.ly/3bjCav1
(2) “واينت”: https://bit.ly/3uY0V7S
(3) ” معهد الأمن القومي”: https://bit.ly/3echze7