مقدّمة العسّاس | تهجير اليهود لفلسطين | بدأت هجرة اليهود من الدول العربية إلى “إسرائيل” خلال السنوات الأربع التالية لقيامها عام 1948، والغالبية العظمى لهؤلاء أتت من اليمن والعراق وشمال أفريقيا، إلا أن هذه الهجرة لم تكن فقط من منطلق ديني كما يُروّج الاحتلال، إلا أنها كانت قسرية وإجبارية في كثير من الأحيان.

هذه المادة تناقش ملف هجرة وتهجير اليهود من الدول العربية إلى “إسرائيل” بعد نكبة 1948، وتوضح أهم أسبابها ودوافعها.

إعداد العسّاس |

تهجير اليهود لفلسطين

كانت نقطة التحوّل بالنسبة لليهود العرب الذين عاشوا بسلام في الدول العربيّة هي قيام دولة “إسرائيل” (واينت)؛ إذ أنه عقب الإعلان عن قيامها اضطر ما يقارب 900 ألف يهودي للهجرة من المغرب وليبيا ومصر والعراق وكردستان وعدن ولبنان والجزائر وسوريا، وذلك بين العامين 1948 وَ1967.

من بين هؤلاء هاجر أكثر من 600 ألف يهوديّ إلى “إسرائيل”، بينما تفرّق 300 ألف الآخرين في بلدان أخرى. (2)

وشملت أسباب الهجرة هذه عوامل ضغط عدّة وعدم الاستقرار السياسيّ في المنطقة على إثر قيام ما تسمّى بدولة “إسرائيل”.

منذ ذلك الوقت، بذلت “إسرائيل” جهودًا حثيثة من أجل عملية تهجير اليهود لفلسطين واستخدمت طُرقا شتّى منها السلميّة والعنيفة على حدّ سواء من أجل تهجير اليهود إلى “إسرائيل” وزيادة عدد سكّان الدولة الحديثة.

 كما قامت باستغلال الأزمات التي عانى منها اليهود في العالم لتنظيم عمليّات هجرة إليها، إذ قد لعب جهاز المخابرات الإسرائيليّ، “الشاباك” و”الموساد” و”هموساد لعلياه بيت” و”ناتيف” و”شيهم” ومنظّمات أخرى، دورًا كبيرًا في زيادة عدد المهاجرين إلى “إسرائيل”.

مراحل عملية تهجير اليهود لفلسطين

ووقعت عمليّة التهجير في مرحلتين أساسيّتين: الموجة الأولى كانت بعد قيام “إسرائيل” مباشرة في الأعوام 1949 1951 بدأت بهجرة جماعيّة لليهود من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيّا، واستمرّت بوتيرة أبطأ طوال خمسينيّات القرن الماضي.

 أمّا الموجة الثانية فقد بدأت مع ستينيّات القرن الماضي بعد نشوب المعارك والحروب بين الدول العربيّة و”إسرائيل”؛ ومع الوقت هاجر اليهود القلائل في البلدان العربيّة تدريجيًّا إلى أن لم يتبقَ سوى بضعة آلاف منهم. (1)

وتتنافس في الساحة السياسيّة والأكاديميّة الإسرائيليّة روايتان حول هجرة اليهود العرب: الأولى، هو التفسير الصهيونيّ الذي يرى أنّ الهجرة كانت لدوافع أيديولوجيّة دينيّة.

والثاني، التفسير الذي يخالف ذاك الأوّل ويتّهم الصهيونيّة بتدمير التعايش بين الأديان في الدول العربيّة.

إلا أنه منذ سبعينيّات القرن الماضي، ظهرت أصوات جديدة من الجانب اليهوديّ، خاصّة ليهود الدول العربيّة؛ تقوّض هاتين الروايتين بادّعاء غياب التعايش بين اليهود والأديان الأخرى في البلاد العربيّة وربط نزوح اليهود من البلاد العربيّة بالترحيل والتهجير القسريّ.

وقالت إن ذلك جاء بعد العداء الذي عانى اليهود منه عندما قطنوا في البلاد الإسلاميّة، وقد حازت رواية المعاناة والترحيل هذه بدعم الحكومة الإسرائيليّة في السنوات الأخيرة؛ إلّا أنّ هذه الرواية أثارت انتقادات حادّة من قبل الأكاديميّين والمفكّرين الإسرائيليّين والغربيّين من الجيل الثاني للمهاجرين اليهود من الدول الإسلاميّة. (1)

كما تهمّش الرواية الأولى والثالثة وقائع وأحداث مهمّة في تاريخ العداء العربيّ الإسرائيليّ، التي شكّلت أحد الدوافع الأساسيّة لهجرة اليهود من البلاد العربيّة.

الهجرة خوفًا

ومن جهة أخرى، أُجبرَ قسم كبير من اليهود على هجر أوطانهم الأصليّة خوفًا بعد أن أشتدّ الاحتدام والاصطدام بين الدول العربيّة وإسرائيل (3)، ذلك بعد أن قامت “إسرائيل” في سنواتها الأولى بشنّ العديد من الهجمات وتنفيذ العمليّات الإرهابيّة السرّيّة في الدول العربيّة، ممّا عزز من مشاعر الخوف لدى يهود البلاد العربيّة ودفعهم إلى اختيار الهجرة والبحث عن مناطق سكن جديدة أكثر أمانًا.

وهناك سبب أضافيّ لنمو مشاعر الخوف هذه، وهو ردّ الفعل المُتخيّل للأنظمة العربيّة على هذه العمليّات ممّا اضطرهم لترك بلادهم والهجرة.

كذلك، وفي رد فعل على العمليّات الإسرائيليّة، قامت بعض الأنظمة العربيّة بالتضييق على اليهود في بلادها مما أدّى إلى اختيارهم الهجرة في النهاية.

وكثير من الأحداث أثبتت رواية تخطيط وتنفيذ اعتداءات ضد اليهود في الدول العربية أو ضد الأنظمة وتعمد نسبها لليهود ليزيد الهلع عندهم والعداء ضدهم لترك البلاد العربية والهجرة لـ “إسرائيل”، وعلى رأسها تفجيرات بغداد عامي 1950-1951، إذ تم إلقاء قنبلة على كنيس يهودي في بغداد وأخرى على مقهى الدار البيضاء وقنبلة في المركز الثقافي والمكتبة الأميركية وانفجار عند شركة ستانلي شعشوع وهجوم على منزل يهودي وآخر على مكتب المعلومات التابع للمفوضية الأميركية.

وكان القاسم المشترك بين كل هذه العمليات أنها استهدفت اليهود، لا سيما عملية المنيس لأن في ساحته كان يتجمع عشرات اليهود سرًا للهجرة، واعتقلت السلطات العراقية ناشطين صهاينة بتهمة ارتكاب العملية وتم إعدامهما على الملأ، ونقلت السفارة البريطانية إلى لندن استنتاجاتها عن دوافع العملية قائلة إن “نشطاء صهاينة نفذوا هذه العمليات لزيادة وتيرة الهجرة بعد شعور اليهود بالخطر والخوف من البقاء في العراق”. (4)

وكانت إحدى أبرز القضايا وأكثرها جدلًا في التاريخ الإسرائيليّ هي “برشاة لفون” أو “البرشاه” بالعبرية، التي شملت ثلاث قضايا منفصلة لكن متشابكة.

برشاة لفون

بدأت “برشاة لفون” بـ “هعيسك هبيش”، واستمرّت بقضيّة “لافون” وانتهت باستقالة بن غوريون القسريّة قبل الأوان.

و”هعيسك هبيش” هو الاسم الذي أطلقه الشباب اليهود الذين كانوا أعضاءً في شبكة استخبارات إسرائيليّة ونفذوا عمليّات حرق متعمد في القاهرة والإسكندريّة عام 1954، حيث زرعوا عبوات تحتوي على مواد كيميائيّة في عدّة مناطق.

ونفّذ الشبّان العمليّة الأولى في مكتب البريد في ميدان إسماعيل، والعمليّة الثانية في دوّار محمّد علي14، شارع البريد 6، ومكتب طبيب العيون مروان عياق في الإسكندريّة، والمكتبات الأمريكيّة في الإسكندريّة والقاهرة.

أمّا العمليّة الثالثة فقد نفذوها في داري سينما في القاهرة واثنتين كذلك في الإسكندرية، ومخزن محطّة القطار.

وقد دار في “إسرائيل” جدال طويل حول من منح الأمر لتنفيذ هذه العمليّات، ودارت الشكوك في معظمها حول وزير الأمن آنذاك، بنحاس لافون، وذلك على الرغم من رفضه المستمرّ الاعتراف بأنّ له يد فيها.

وأضيف على ذلك، اتّهامات ضدّ موشيه ديان وشمعون بيريز وبن غوريون، كما واشتركت في عمليّات أخرى وحد “موديعين 131″، خاصّة في مجال الحرب النفسيّة. (7)

ومن الأسماء التي برزت في أعقاب “برشاة لفون” كان أبراهام دار، أحد مُؤسسي المخابرات الإسرائيليّة، إذ كان ممن خططوا وشاركوا في العديد من العمليّات الاستخباراتيّة، وهو من أنشأ شبكة التجسس اليهوديّة في مصر في سنوات الخمسينات، التي كُشِفَ عن أنشطتها في النهاية تحت اسم “عيسك هبيش” أو “هبرشاه”.

وفي عام 1949 أُرسل دار إلى إيران والعراق للمساعدة في تهريب اليهود إلى “إسرائيل”، وكان أحد مؤسسي “موديعين 13″، وهو فرع من العمليّات التخريبيّة الخاصّة في أرض العدو، وأُنشِأَ في الجيش الإسرائيليّ.

وكانت مهمّة هذا الفرع الرئيسيّة إعداد بنية تحتية للتجسس في مصر، بالإضافة إلى ذلك، عمل دار على إقامة وحدة من المستعربين، فيها جَنّدَ جنودًا إسرائيليّين من أصل مصريّ، عراقيّ وسوريّ ودرّبهم للعمل داخل مدن العدو.

نتيجة لنشاطاته الاستخباراتيّة والعسكريّة هذه، حُكِمَ على دار بالإعدام في العديد من الدول العربيّة.(5)

وكان لهذه العمليّات وعمليّات أخرى نفّذتها “إسرائيل” الأثر الكبير على يهود البلاد العربيّة مما دفعهم للهجرة القسريّة إلى بلاد أخرى.

وفيما هاجر معظم يهود الدول العربيّة إلى “إسرائيل”؛ رفضت الجماعة اليهوديّة في ليبيا الهجرة إلى “إسرائيل”، واختار أفرادها الهجرة إلى إيطاليا بدلًا منها.

هجرة يهود إيران

 كذلك الأمر، فضّل يهود إيران الانتقال إلى الولايات المتّحدة عوضًا عن “إسرائيل” عقب الثورة الإسلاميّة عام 1979، أيّ أنّ معظم مهاجري الموجة الثانية فضّلوا السفر إلى الولايات المتّحدة أو الدول الأوروبيّة، وعملوا على تهريب أموالهم خلال عمليّة الهجرة.

وقد امتازت هذه الجماعات من اليهود بالثراء، اكتساب التعليم الغربيّ، وقوّة العلاقات الشخصيّة. (1)

لم تقتصر محاولات “إسرائيل” لدفع اليهود للهجرة إلى “إسرائيل” على الدول العربيّة وحسب، بل زرعت منظّمات مختلفة في جميع أنحاء العالم.

على سبيل المثال، أسست “إسرائيل” منظّمة “ناتيف” من أجل التأثير على يهود أوروبا الشرقيّة والاتّحاد السوفييتيّ ودفعهم للهجرة إلى “إسرائيل”، وقد نظّمت العديد من عمليّات الهجرة غير الشرعيّة إليها.

كذلك الأمر، ساعد “هموساد لعليياه بيت”، الذي أقيمَ للمرّة الأولى عام 1939، على الهجرة المنظّمة غير الشرعيّة عن طريق البحر الأبيض المتوسّط. (6)

 كما هو الحال مع اليهود المهاجرين من الدول العربيّة، صحيح أنّ بعض اليهود اختاروا في النهاية الهجرة إلى “إسرائيل”، إلّا أنّ أعداد كبيرة منهم فضّلوا الهجرة إلى دول أوروبيّة عوضًا عن “إسرائيل”.

وقد حاولت منظّمة ناتيف دفع حكومة “إسرائيل” للضغط على ألمانيا لتمنع اليهود من الهجرة إليها. (4)

المصادر:

(1) “هزمان هزي”: https://bit.ly/3tuytsz
(2) “معاريف”: https://bit.ly/2OzAIwb
(3) “واينت”: https://bit.ly/2NuvT6I
(4) “هأرتس”: https://bit.ly/3tt8BgO
(5) “هآرتس”: https://bit.ly/3ltH1gO
(6) “زيئف تسحور”: https://bit.ly/3rVTz2U
(7) “حاجي أشاد”: https://bit.ly/3tIy1r5
(8) “هآرتس”: https://bit.ly/3ly1eC8