مقدمة العسّاس | بيغاسوس

ازدحمت نشرات الأخبار العالمية، خلال الفترة الماضية، بالحديث عن برنامج “بيغاسوس” الذي طوّرته مجموعة “إن إس أو” (NSO) الإسرائيلية، واستخدامه في التجسّس على نشطاء وصحافيين وسياسيين حول العالم. ما زاد المخاوف من انتهاكات واسعة النطاق للخصوصية والحقوق.

هذه المادة تتحدث عن تداعيات فضيحة برنامج بيغاسوس التي أثرت على علاقات “إسرائيل” مع كبرى الدول العالمية.

إعداد العسّاس | بيغاسوس وتداعيات الفضيحة!

أثارت التقارير الّتي نشرت في الأسابيع الأخيرة حول تجسّس المغرب على جهات سياسيّة عديدة وأبرزها، الهاتف الشخصيّ لرئيس الوزراء الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، بواسطة برنامج تجسس اقتنته من شركة التكنولوجيا الإسرائيليّة، “إن إس أو” ردود فعل غاضبة عالميّا وإسرائيليّا، واعتبرت بمثابة الفضيحة لـ “إسرائيل”. (1)

هذه الفضيحة تشكّل خوفا إسرائيليّا من احتماليّة وقوع أزمة دبلوماسيّة بين “إسرائيل” وفرنسا، وبعد النشر في موقع “واينت” “الإسرائيليّ” حول طلب فرنسا للتوضيحات من “إسرائيل”، أجرى الرئيس الفرنسيّ ماكرون مكالمة هاتفية مع رئيس الحكومة الإسرائيليّ، نفتالي بينيت، وطلب منه التوضيح بشأن الفضيحة الإسرائيليّة، وكان ردّ بينيت أنّ ما حدث، حدث قبل تسلّمه لمنصبه، ومع ذلك يجري فحص الموضوع، وسوف تعرف النتائج عند الحاجة. (1)

بهذا الشأن، شدّد خبراء إسرائيليّون أنّ “إسرائيل” تتعامل مع الأزمة بجدّية تامّة، وسؤالهم الأكبر هو عن كيفيّة تأثير الأزمة على الشركات التكنولوجيّة الإسرائيليّة الأخرى، وعلى مشاريعها المستقبليّة.

 واعتبر بعضهم، أنّ هذا الحدث هو الأكبر عالميًا بالنسبة لـ “إسرائيل” مؤخّرا، وعلى الإسرائيلييّن، ويجب فهم كل جوانبه من أجل أخذ الخطوات الملائمة لتغيير السياسات المتعلّقة بتصدير البرامج التكنولوجيّة لدول أخرى. (2)

أمّا وزير الأمن بيني غانتس، فلم يتطرّق للفضيحة بشكل مباشر في بادئ الأمر، واكتفى بالإعلان عن إصدار مكتبه موافقات للتصدير الأمنيّ للشركات الإسرائيليّة الخاصّة، فقط للأهداف الأمنيّة، لمناهضة الجريمة والإرهاب.

ووضّح بعد ذلك أن “إسرائيل” تلقّت درسًا، وأنّه تمّ تعيين فريق لفحص الأمر وبحثه في مدينة القدس. (1)

عقب ذلك، أعلن مكتب وزارة الأمن عن زيارة سوف يقوم بها وزير الأمن الإسرائيليّ، غانتس لوزيرة الدفاع الفرنسيّة، فلورانس بارلي، ليناقشا ما نشر في الأسابيع الأخيرة عن التجسّس المغربيّ.

 ويذكر أنّ الزيارة كانت مقرّرة منذ أكثر من شهر وتهدف بالأساس لتباحث الملف النوويّ الإيرانيّ والوضع اللّبنانيّ الراهن. (3)

بهذا الشأن يقول الصحافي الإسرائيليّ والنائب السابق للمدير العام لهيئة الإذاعة الإسرائيليّة، يوني بين ميناحيم: إنّه يتوجّب على “إسرائيل” أخذ فضيحة بيع برنامج “بيجاسوس” كإشارة تحذير كبيرة، وعليها أن تستغلّها لأخذ إجراءات فحص تضمّ كلّ سياسيات التصدير الأمني للخارج ولجميع البرامج الحسّاسة.

إقرأ أيضًا.. NSO: جلاد مأجور للأنظمة القمعية

ومن الواضح أنّه لا يمكن بيع كلّ برنامج تخابر لأي دولة، هناك دول لا يمكن الاعتماد عليها، ومن الممكن أن تنقل المعرفة الإسرائيليّة إلى إيران أو دول أخرى معادية لـ “إسرائيل”. (4)

كما يشير إلى الإشكاليّة المترتّبة على بيع شركة إسرائيليّة لأدوات تجسّس حسّاسة لدول عربيّة مثل المغرب والسعوديّة والإمارات، بالرغم من أنّ لاثنتين من هذه الدول علاقات تطبيع مع “إسرائيل”.

ويرفض بين ميناحيم فكرة انتقال المعرفة الإسرائيليّة الحسّاسة – حتى لو أنّها تعود لشركات خاصّة – إلى أيدي عربيّة ولأنظمة دكتاتوريّة كتلك الّتي في السعوديّة، الّتي من الواضح مسبقًا أنّها سوف تستعملها في طريقة تمسّ بحقوق الإنسان.

وتسائل “هل النقود الاعتبار الأساسيّ؟ هل هذه مبادئ الأخلاق والعدل في دولة “إسرائيل”؟ لا يمكن قبول التبريرات أنّ التصدير الأمنيّ للأجهزة الحسّاسة يساهم في إدخال مليارات الدولارات لـ “إسرائيل”. (4)

ويشدّد على كون الفضيحة هي “خلل” كان من الممكن تفاديه، لو أخذ جهاز الأمن الخطوات اللازمة لمراقبة عمل الشركات التكنولوجية في تصدير البرامج الأمنيّة للخارج.

ففضيحة “بيجاسوس” تحوّلت لسلاح في أيدي كارهي “إسرائيل” مثل حركة المقاطعة “بي دي إس” للإساءة لها، ولوصمها بالمسّ بحقوق الإنسان والأنظمة الديموقراطيّة. (4)

بينما كتب عيدان رينج، وهو محاضر للإعلام في جامعة بن غربيون مقال رأي يعرض فيه الادّعاء الأساسيّ لشركة “إن إس أو” وشركات أخرى مثلها، أمام اللّوم الموجّه ضدها، أنّها غير مسؤولة عن استعمال الزبائن لـ “المنتج” منذ لحظة بيعه الأولى.

ويدور الحديث حول منتج يهدف لمحاربة “الإجرام والإرهاب” ومساعدة ضحايا الكوارث والأزمات، واستعمالها لأهداف “سيّئة” هو مسؤوليّة الزبائن فقط.

وهنا يتساءل رينج ما الذي تتوقعه هذه الشركات عندما تبيع برنامج تخابر لدول تعتدي على حقوق الإنسان بشكل ممنهج؟ (5)

يرى عيدان رينج تفاصيل التقرير فظيعة ومخيفة، وبنظره هو لا يختلف بجوهره عن التحقيق الذي نشرته صحيفة “نيو يورك تايمز” عام 2017، الذي كشف كيفيّة اختراق أجهزة صحافيّين وناشطي حقوق الإنسان الذين عملوا ضدّ فساد الحكومة في الدولة، بواسطة برنامج لنفس الشركة، “إن إس أو” (5)

وبالنسبة له العبرة المأخوذة من الحدث منع إعطاء الشركات التكنولوجيّة الرقابة الذاتيّة، وعلى التقارير والتحقيقات البحثيّة والإعلاميّة، التي تتداول الاستخدام الضار لبرامج التكنولوجيا الإسرائيليّة، من أجل المسّ في حقوق الإنسان، أن تضيء الكثير من الإشارات الحمراء لوزارة الأمن، ووزارة العدل والخارجية ومكتب رئيس الحكومة.

ومن واجب الإعلام والمجتمع المدنيّ وجهاز القضاء الإسرائيلي العمل والتأكد أنّ ليس لهذه الشركات حكم ذاتيّ وعليها أن تخضع لمراقبة الدولة الكاملة، ومن غير المجدي إبقاء الوضع الراهن على حاله. (5)

المصادر:

(1) “واينت”: https://bit.ly/3kYYS0M
(2) “معاريف”: https://bit.ly/3l2iAsD
(3) “هآرتس”: https://bit.ly/2WwyCRn
(4) “زمان”: https://bit.ly/3rFdzqV
(5) “هعاين هشفيعيت”: https://bit.ly/3iTcqbB