مقدّمة العسّاس | تأسس الصندوق القومي اليهودي “كيرن كييمت” مع صلاحيات واسعة ومكانة قانونية في مجالات تملّك الأرض والاستيطان واستيعاب الهجرة، وكان له دور تاريخي في قيام “إسرائيل”، إلا أن الإعلان عن وضع ملف مناطق الضفّة الغربيّة على طاولة النقاش لدى إدارة المُنظّمة جعله يشير جدلًا واسعًا حول سلطته ونفوذه.

ماذا يعني هذا الإعلان؟ وما الهدف منه.

هذه المادة تعرّف الصندوق القومي اليهودي “كيرن كييمت”، وتُسلّط الضوء على نفوذه المتزايد في “إسرائيل”.

إعداد العسّاس |

كيرن كييمت

“منذ بداية استحواذ الحركة الصهيونيّة على الأراضي في “أرض إسرائيل” في بدايات القرن العشرين وحتّى اليوم، تعمل كيرن كييمت باسم الشعب اليهودي ومن أجله، وصيّةً على أراضيه ووطنه، وهذا وكان نشاطها في العقود الأولى لقيام الدولة هو ما حدّد حدود هذه الدّولة”، هكذا تُعرِّف الكيرن كييمت نفسها في موقعها الرسمي. (1)

وكيرن كييمت بالعربيّة هي الصندوق القوميّ اليهوديّ، تم تأسيسه عام 1901 ليكون ذراعًا للحركة الصهيونيّة، ومهمّته جمع الأموال من اليهود للاستحواذ على الأراضي في فلسطين الواقعة تحت الحكم العثماني.

حتى يومنا هذا، يقع تحت سُلطة كيرن كييمت ما يُقارب 1.5 مليون دونم من الغابات والأحراش، وقامت بزرع ما يُعادل 920 ألف شجرة، ضمن سياسة التشجير الطامحة لطمس معالم البلاد الأصليّة. (2)

(أنظر مقال: “إسرائيل” ورمزيّة الأشجار: استيطان أخضر).

هذا النُّفوذ الواسع، والمساحات الضخمة الواقعة تحت تصرّفها، وكمّيات الأموال الضخمة التي بحوزتها، فتحت بابًا واسعًا من المُساءلة الداخليّة في “إسرائيل” حول أجنداتها ومُمارساتها، خاصّةً بعد أزمة كورونا والوضع الاقتصادي المُتردّي الذي تُعاني منه المؤسسات الصحيّة في “إسرائيل”.

أموال الصندوق القومي

كل هذا دفع كاتب المقالة والباحث المُختصّ بالشأن اليهودي في “إسرائيل” والعالَم، تسفيكا كلاين، لعنونة مقاله الأخير: “أموال الصندوق القومي تخصّ مواطني “إسرائيل” معللًا: إذا كان لدى التنظيم الأقدم والأكثر استقلاليّةً كل هذه الأموال، لماذا تقع المنظومة الصحيّة الإسرائيليّة تحت تهديد الانهيار؟ لماذا لا يتجندون ويعلنون: نحن هنا من أجل الدولة؟”.

 واستدل كلاين بتقارير مدخولات المنظّمة، التي تتجاوز 2.4 مليار شيكل لعام 2014 لوحده، وقسم منها يُستخدم لتمويل نشاطات أو برامج ليست في صلب مهامها، مُلمحًا للتعيينات السياسيّة لرئيس كيرن كييمت ومجلس الإدارة. (3)

ما أعاد كيرن كييمت للواجهة في الآونة الأخيرة وبقوّة، هو الإعلان عن وضع ملف مناطق الضفّة الغربيّة على طاولة النقاش لدى إدارة المُنظّمة، ويُقصد بهذا توسيع نشاطات كيرن كييمت والانتقال للعمل المُباشر بالاستيطان.

والهدف من تسليم الملف لكيرن كييمت هو منحها السّلطة لضخ الأموال بشكل مُباشر في هذا الملف وإدارة المشاريع في المنطقة.

ويُذكر في القرار خمس مناطق ذات “أولويّة وطنيّة” هي: أخدود وادي الأردن وغوش عتصيون وغلاف القدس وجنوب الخليل والمناطق المُحيطة بشارع رقم 5.

بعد هذا الإعلان، جاء تصريح لافت لرئيس حزب الصهيونيّة الدينيّة والوزير السابق، بتسلئيل سموتريتش، الذي قال: “أخيرًا، كيرن كييمت تعود لنفسها ولدورها التاريخي، استرداد الأراضي من أجل توسيع الاستيطان اليهودي، هذه هي صهيونيّة 2021″.

الاستيلاء على كيرن كييمت

وعقب هذا التصريح، جاء رئيس حزب ميرتس الصهيوني، نيتسان هوروفيتس، الذي قال: “تمّ الاستيلاء على الصندوق القومي اليهودي من قبل مجموعة من المستوطنين الذين يريدون جعله مقاول تشغيل للاحتلال والمستوطنات”.

وأضاف “بهذا يتحول الصندوق القومي اليهودي إلى صندوق قومي يهودي للمستوطنات، سيكون لهذه الخطوة عواقب وخيمة على مكانة الصندوق القومي اليهودي بين الجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم”. (4)

اجتمعت إدارة الصندوق القومي بعد الإعلان بأقل من أسبوع، وأقرّت توسيع عمله في مناطق الضفّة الغربيّة، إلّا أنّها تحتاج لموافقة مجلس الإدارة قبيل المُباشرة بالعمل، الذي بدوره آثر تأجيل التصويت ريث انتهاء الانتخابات الإسرائيليّة المُرتقبة بعد طلب وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس ذلك.

اقرأ أيضًا.. كيف امتلك الصندوق القوميّ أراضي الدولة؟

وجاء هذا التأجيل من قبل غانتس لدراسة الحالة الأمنيّة، وأيضًا بفعل عدم تبيّن الموقف الأميركي تحت إدارة الرئيس الجديد جو بايدن.

بالتوازي مع قرار تأجيل تصويت مجلس الإدارة، تم إقرار تخصيص 38 مليون شيكل للاستحواذ على أراضٍ في الضفّة، هذا ويُذكر أنّ الصندوق القومي نشط بشكل غير رسميّ في الاستحواذ على الأراضي في هذه المناطق بواسطة شركة “همنوتا القدس” التابعة لها. (5)

التوسع الاستيطاني اليهودي

في معرض الردود القليلة على هذا الشعور بالقوّة والتسلّط الذي دفع الصندوق القومي الإسرائيلي لاتخاذ مثل هذا القرار بُغية توسيع الاستيطان اليهودي، كان الردّ الأكثر جُرأةً هو ما كتبه الصحفي جدعون ليفي في صحيفة “هآرتس”.

وجاء الرد تحت عنوان: “كيرن كييمت: الصندوق القومي للأبارتهايد” إذ وصفه بصاحب الرّائحة النتنة، وبأنّ وجود حزب العمل وحزب ميرتس في مصانع الروائح النتنة يوضّح ماهيّة هذا اليسار”.

وأضاف الصحفي جدعون ليفي أنّ “شركة ذات أهداف غير ربحيّة، مُعظم أراضيها سُرقت من العرب خلال النكبة ولم تُرجَع لهم، وأقامت مشاريعها على خراب مئات القرى العربيّة فقط لكي تمحو آثارها ولمنع عودة اللاجئين لبيوتهم”.

وأوضح أن “هذه الشركة لم تبِع طوال هذه السنوات الأراضي إلّا لليهود، مُقنّنةً ذلك عام 2009 بأنّ لا وجود للاحتلال ولا للخطّ الأخضر، إنما دولة واحدة من الأردن حتّى البحر وفيها يتمّ شراء الأراضي فقط لشعب واحد، ومؤخرًا تنضمّ لجرائم الاستيطان، هي منظمة أبارتهايد”.

كما وصفها الصحفي ليفي بالشركة العرقيّة ودعا لمقاطعتها. (6)

الأهمّ في هذا كان ما خلّفه القرار من انقسام حادّ بين التيار اليميني الحاكم في “إسرائيل” ويهود الولايات المُتّحدة الذين تحفظوا على القرار المؤدّي وفق تعبيرهم لإنهاء مشروع حلّ الدولتين.

وبهذا يقول الكاتب نداف تامير: إنّ “هذا القرار القاضي بالاستحواذ على الأراضي لمصلحة مصنع الاستيطان هو مفارقة تاريخيّة تُعيد المشروع الصهيوني إلى مرحلة ما قبل قيام الدّولة وسيؤدّي بالضرورة لنظام فصل عُنصري (نظام أبارتهايد وفق التعبير الأصليّ) وإلى إراقة دماء مُستمِرّة”. (7)

الصندوق القومي لم يتوقف عن دعم الاستيطان

أمّا ما كان مُثيرًا فعلًا، هو ما صرّح بهِ الرئيس الجديد للصندوق القومي، أبراهام دوفدوفاني، المُنتمي للتيار اليميني الديني، الذي أبدى استغرابه الشّديد من الأصوات المُعارضة.

 وأوضح أنّ الصندوق القومي “لم يتوقف للحظة عن العمل في مناطق الضفّة الغربيّة لتعزيز الاستيطان، وقد دعم حزب العمل ذلك خلال فترة رئاسته للصندوق”.

وما قام بهِ دوفدوفاني هو فقط تحويل العمل من الصيغة غير الرسميّة للصيغة الرسميّة المكشوفة للعيان، هذا وقد تطرق للتقرير الأخير حول مبلغ 100 مليون شيكل الذي استُثمِرَ بهِ في الاستحواذ على أراضٍ في الخليل من قبل شركة “همنوتا” التابعة للصندوق القوميّ وبعلم اليسار الصهيوني الذي تغاضى عن الموضوع. (8)

يبدو للمُطّلع أنّ “إسرائيل” بقيادة التيار اليميني المُتطرّف تسير مُسرعةً ودون توقّف نحو تحقيق كلّ ما يمكن تحقيقه من الاستحواذ والسيطرة والهيمنة نحو مشروع دولة العرق اليهودي من النهر حتّى البحر علنًا.

وبهذا تضرب بعرض الحائط كل القرارات الدُوليّة، بحفلة دهس لكُلّ ما يقف في طريقها، كما أنّ الأشدّ خطرًا من مشاريع الاستحواذ الصهيونيّة هو الشعور الإسرائيلي بالتفوّق والقوّة والتسلّط والقدرة على عمل أي شيء وبمُباركة عربيّة أو صمت مُخجل في أفضل الحالات، الخطير فعلًا ليس فقط ما يحدث الآن، بل إلى أين سيؤدّي هذا الشعور.

المصادر:

(1) “كاكال”: https://bit.ly/3kAGol0
(2) العسَّاس: https://bit.ly/2OcWWn6
(3) “ماكور ريشون”: https://bit.ly/2ObTk4C
(4) “القناة7”: https://bit.ly/3b5eVVl
(5) “هآرتس”: https://bit.ly/2MC2Nlt
(6) “هآرتس”: https://bit.ly/3sCkWPl
(7) “غلوبس”: https://bit.ly/3bP6Mn5
(8) “ماكور ريشون”: https://bit.ly/2NOXCiB