مقدّمة العسّاس | السلاح الإسرائيلي | تعد “إسرائيل” من كبرى دول العالم في تصدير السلاح، ولم تخرج من تصنيف أهم دول مصدرة منذ فترة طويلة، إلا أنها اكتسبت هذه المكانة من خلال التصدير لدول وأنظمة قمعية، ما جعلها مسؤولة أيضًا على جرائم عالمية، فضلًا عن جرائمها بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

هذه المادة تتحدث عن السياسية الإسرائيلية في تصدير السلاح لأنظمة ودول دكتاتورية قمعية حول العالم، وتسلط الضوء على دورها المباشر في الانتهاكات العالمية لحقوق الإنسان.

إعداد العسّاس | 

تروج “إسرائيل” لنفسها، وخاصّة مؤخرًا، على أنّها دولة تسعى للسلام، ويبدو ذلك جليًّا وواضحًا من خلال مبادراتها لاتفاقيات سلام مع الدّول العربية، إضافة إلى الدعاية الإسرائيلية حول العالم التي تروج لـ “إسرائيل” على أنّها دولة “تدافع عن نفسها” فقط وتمدّ يدها للسلام دائمًا.

الحقيقة أنّ النظر إلى واقع التجارة الإسرائيلية وصفقاتها الخلفيّة يجعل تصديق هذه الدعاية شبه مستحيل.

تعتمد “إسرائيل” اقتصاديًا على تجارة السلاح بشكل كبير، وقد حافظت على مركزها بين أكبر عشر دول تصدّر
السلاح بحسب مراكز إحصائيات مختلفة متخصصة في بحث تجارة السلاح حول العالم في العقد الأخير.

في عام 2013، كانت “إسرائيل” سادسة أكبر دولة تصدير أسلحة حول العالم، بحسب شركة المعلوماتIHS
Janes المتخصصة في المجال الأمني-العسكري، وذلك بصادرات بلغت 2.4 مليار دولار. (1)

بينما في عام 2015، كانت في المكان السابع في تصدير السلاح حول العالم،(2) ورغم تراجعها إلى المكانين الثامن
والتاسع نسبة لبقية الدول في العامين الأخيرين، إلّا أنه وبحسب مركز الأبحاث السويدي المتخصص في المجال
الأمني SIPRI ارتفعت تجارة السلاح الإسرائيلي بنسبة 50% في النصف الثاني من العقد الأخير (2015-2020)
نسبة للنصف الأوّل من العقد. (3)

ويأتي هذا بعد ارتفاع كبير بنسبة 74% من منتصف العقد الأول، عام 2008 تحديدًا، وحتى عام 2013. (4)

أمّا في عام 2018 صدّرت الشركات الإسرائيلية الحكومية والخاصة ما نسبته 3.1% من نسبة التجارة العالمية
بالسلاح، وهي ثامن أعلى نسبة بعد إسبانيا (3.2%) والدول الكبرى الأخرى كأمريكا وروسيا. (5)

أرباح “إسرائيل”

وعن أرباح “إسرائيل” من هذه الصفقات في السنوات الأخيرة، تشير الإحصائيات إلى أنّ مدخولات تجارة السلاح
الإسرائيلي بلغت 5.7 مليار دولار في عام 2015، و6.5 مليار في عام 2016، كما بلغت 9.2 مليار عام 2017،
و7.5 مليار في عام 2018، وأخيرًا 7.2 مليار في عام 2019. (6)

بعكس دول أخرى كثيرة، لا ترتدع “إسرائيل” بشركاتها الخاصة والحكومية عن المتاجرة بالسلاح مع دول قد سجلّت
فيها انتهاكات لحقوق الإنسان بسبب نزاعات داخلية أو حدودية.

بين الأعوام 2014-2018 كانت الهند وأذربيجان وفييتنام هي أكبر ثلاث زبائن للسلاح “الإسرائيلي”، وتحكم هذه
الدول الثلاث حكومات تعدّ متطرفة وتتميز بردع مخالفيها والمتظاهرين ضد سياساتها بالكبت وقوة السلاح. (7)

في تقرير آخر صدر عام 2013، تكشف المعطيات أنّ 10% من صادرات “إسرائيل” في تجارة السلاح تتجه إلى
دول وحكومات ترفض الدول الغربية التجارة معها لأنّها دول دكتاتورية أو استبدادية، وقد سجلت فيها انتهاكات
لحقوق الإنسان على يد الحكومات والجيش. (8)

في الحقيقة، إن لـ “إسرائيل” تاريخ قديم مع تجارة السلاح إلى مناطق النزاع الدموي حول العالم، فقد صدّرت
“إسرائيل” السلاح إلى دولة رواندا في بداية سنوات التسعين بالتزامن مع الإبادة الجماعية للشعب في عام 1994،
وكذلك صدّرت السلاح لنظام الفصل العنصري “الأبارتايد” في جنوب أفريقيا، ولصربيا خلال إبادتها الدموية للبوسنة
والهرسك في سنوات التسعين. (9)

اقرأ أيضًا.. السلاح الإسرائيلي: تجريب على العرب وتصدير للغرب

في السنوات الأخيرة، سجّلت صفقات سلاح إسرائيلية مع  دول مثل سريلانكا والبيرو والبرازيل ونيجيريا وأنغولا
وأوغندا ورواندا وأثيوبيا ووجورجيا وغيرها من الدول النامية ودول “العالم الثالث”. (10)

ومما يجدر ذكره في هذا السيّاق أنّ الصفقات الإسرائيلية جارية منذ عقد أو أكثر مع كثير من الدول العربية والمسلمة،
إذ أظهر تقرير حكومي بريطاني أنّ دولًا كمصر والجزائر والمغرب والإمارات وباكستان وتركمانستان وأذربيجان قد
عقدت صفقات سلاح مع شركات إسرائيلية بين الأعوام 2008 و2012.

ويأتي هذا رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية حينها بين “إسرائيل” وكثير من هذه الدول. (11)

ومن المتّبع بين دول العالم أن ترسل الحكومات تقاريرًا سنويّة حول حركة تجارة السلاح من وإلى هذه الدول.، إلا أن
“إسرائيل” وحتى عام 2016، أرسلت تقارير تبيّن فيها تجارتها بالسلاح مع 5 دول فقط، بينما أظهرت تقارير دول
وجمعيات أخرى أنّ السلاح الإسرائيلي بيع إلى قريب من 130 دولة مختلفة.

السلاح الإسرائيلي وجنوب السودان

من بين هذه الدول، إضافة إلى ما ذكر في السابق، تتاجر الشركات الإسرائيلية منذ أواخر عام 2013 مع دولة جنوب
السودان، التي اندلعت فيها حرب أهلية في نفس الفترة، وسجّلت فيها انتهاكات شديدة لحقوق الإنسان بحيث أنّ 2.5
مليون مواطن سوداني شُرّدوا من منازلهم، إضافة إلى أنّ أكثر من نصف سكّان الدولة بحاجة إلى مساعدات إنسانية
بحسب تحقيقات جمعيات حقوق الإنسان، وإلى عشرات الآلاف الذين قتلوا ومئات القرى التي حُرقت.

وكل هذا يأتي بالإضافة إلى تجنيد الأطفال واغتصاب النساء الذي يحدث بشكل دوري في هذا النزاع.

وتشير بعض التحقيقات إلى أنّ “إسرائيل” ليست ضالعة في تسليح الجيوش المنفذة لهذه الانتهاكات فقط، بل إنّها
شاركت أيضًا بشكل فعّال في تدريب وإعداد هذه الجيوش التي تجنّد الأطفال أيضًا. (12)

إضافة إلى تجارة الشركات “الإسرائيلية” بالسلاح مع حكومة جنوب السودان، فإنها تتاجر أيضًا وفي نفس الوقت مع
مجموعات الثائرين على هذه الحكومة.

في عام 2019، كشف تقرير من وزارة المالية الأمريكية عن تورّط شركة إسرائيلية في تجارة غير مرخّصة تقدّر بـ
150 مليون دولار شملت كِلا طرفي النزاع في جنوب السودان. (13)

كما أنه في عام 2015، طالبت عضو الكنيست الإسرائيلي، تمار زاندبيرغ، عن حزب ميريتس وزير الأمن بالتحقيق
في المسألة، غير أنّها لم تُجَب إلى ذلك، فقدّمت التماسًا للمحكمة العليا الإسرائيلية لمتابعة قضية تجارة السلاح في جنوب السودان.

كردّ على هذه الحركة، توجّهت الحكومة الإسرائيلية إلى المحكمة العليا بطلب فرض الكتمان على التحقيق، مما يعني أنّ القضية لن تكون متاحة إلى العلن أو الإعلام. (14)

لم يتوقف السّلاح الإسرائيلي في السودان رغم معارضة الكثيرين لذلك، ورغم توجّه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى عدم عقد صفقات سلاح تُصدّر إلى مناطق النزاع، استمرت إسرائيل بذلك، بل إنّ حضور السلاح الإسرائيلي في هذه المناطق المقاطَعة دوليًا قد ازداد.

السلاح الإسرائيلي وبورما

في عامي 2016 و2017 ازداد تصدير السلاح الإسرائيلي إلى بورما، إثر التقييدات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عليها، إذ توجه بعض ممثلو الحكومة البورمية إلى “إسرائيل” وزاروا معارض الأسلحة فيها ليستكشفوا “البضاعة” المتاحة.

 من جهتها رفضت “إسرائيل” الإعلان عن الامتناع عن تجارة السلاح مع بورما رغم تقرير الأمم المتحدة الذي نصّ على أن الجيش البورمي قد أقدم على جرائم تطهير عرقي بحق مسلمي الروهينجا.

إضافة إلى الأسلحة النارية، تصدّر “إسرائيل” وشركاتها الحكومية والخاصة أسلحة وأدوات تجسس دون رقابة لدول العالم، ومن بينها دول وأنظمة دكتاتورية للتجسس على مواطنيها ومعارضي الحكومات.

في أحد التحقيقات الذي اعتمد على مصادر من 15 دولة، يتضح أنّ صناعة التجسس الإسرائيلية لم تتردد في بيع أنظمتها وأدواتها لدول ديكتاتورية أو غير ديمقراطية دون اتخاذ أي إجراءات احتياطية تمنع استخدام هذه الأدوات ضد المواطنين.

كما تشير المصادر إلى أنّ هذه الأسلحة استخدمت لمطاردة وسجن ناشطي حقوق الإنسان، وبعض الناشطين المثليين في بعض الدول، ولإلجام المعارضين السياسيين أو المنتقدين لسياسات الحكومات، ومما يتّضح أنّ هذه الشركات لم تتوقف عن بيع أسلحتها حتى بعد أن كشفت أجهزة الإعلام عن تورّط هذه الدول في استخدام الأسلحة “الإسرائيلية” ضد المواطنين. (15)

وقد ثبت تورّط برامج التجسس الإسرائيلية بالتجسس على بعض الناشطين المعارضين للحكم في المكسيك،(16) وفي قطر على يد الإمارات، حيث استخدم النظام الإماراتي برامج أدوات التجسس الإسرائيلية للتجسس على العائلة الحاكمة في قطر، وعلى معارضين إماراتيين في الإمارات والخارج، بالإضافة إلى دول أخرى سُجّلت فيها استخدامات لهذه الأسلحة كبنما، إذ استعان بها الرئيس للتجسس على خصومه السياسيين.

وتتضمن هذه الدول السعودية وفيتنام وأذربيجان وأوغندا والإكوادور وجنوب السودان وغيرها من الدول. (17)

شركة NSO الإسرائيلية

تقود حركة التجسس هذه شركة NSO الإسرائيلية، وهي أبرز شركة ساهمت في هذا المجال في السنوات الأخيرة، إذ دفعت بصناعة التجسس الإسرائيلية بسبب برامجها إلى طليعة التجارة العالمية في أدوات المراقبة واعتراض الاتصالات.

وتقول صحيفة هآرتس: “اليوم، كل وكالة حكومية تحترم نفسها، ولا تحترم خصوصية مواطنيها، تمتلك قدرات التجسس التي تم إنشاؤها في هرتسليا، التي أصبحت هرتسليا لتطوير الأسلحة”. (18)

 (مقر الشركة في مدينة “هرتسليا” في “إسرائيل”)

ولا تزال “إسرائيل” ترفض تغيير نهجها في تصدير السلاح إلى مناطق النزاع حتى اليوم، فقد رفض الكنيست الإسرائيلي في أكتوبر الماضي (2020) مقترح قانون ينصّ على فرض تقييدات على تصدير السلاح الإسرائيلي ومراقبته.

وكان من بين فروع القانون المرفوضة فرع ينصّ على منع التجارة مع دول تحدث فيها انتهاكات لحقوق الإنسان. (19)

المصادر:

(1) “هآرتس”: https://bit.ly/319C6Ii
(2) “في الاعتبار”: https://bit.ly/2NEur1y
(3) “غلوبس”: https://bit.ly/3vMSf4B
(4) “هآرتس1”: https://bit.ly/3c6r0dr
(5) “غلوبس1”: https://bit.ly/3c8Ggqc
(6) (7)”ذي ماركر”: https://bit.ly/3lGm6qA
(8) “هآرتس2”: https://bit.ly/3vJz1wR
(9) “حموشيم”: https://bit.ly/3cacTUB
(10) “ذي ماركر1”:https://bit.ly/3so1Exe
(11) “هآرتس3”: https://bit.ly/396Zf2x
(12) “حموشيم”: https://bit.ly/3cUNUns
(13) “ذي ماركر2”: https://bit.ly/3r854CZ
(14) “حموشيم1”: https://bit.ly/3fatwl3
(15) (16) (17) “هآرتس5”: https://bit.ly/3saWV23
(18) “هآرتس4”: https://bit.ly/2NEmbP4
(19) “غلوبس2”: https://bit.ly/2NFbZpA