مقدّمة العسّاس |

مع تعطيل ناقلة الحاويات العملاقة “إيفر غيفن” حركة الملاحة في قناة السويس لنحو أسبوع بدأت جهات مختلفة تتحدث عن مشاريع بديلة، ومن هذه المشاريع خط إيلات عسقلان لنقل النفط بعد الاتفاق المبدئي الذي وقع بين شركة إماراتية إسرائيلية وشركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية المملوكة لـ “إسرائيل”.

إلى أي حد ترتبط “إسرائيل” بقناة السويس؟ وهل تستطيع تجاوزها وتقديم مشاريع بديلة عنها؟

هذه المادة تتحدث عن الاهتمام التاريخي لـ “إسرائيل” بقناة السويس، وذلك منذ العدوان الثلاثي، وصولًا إلى أزمة الناقلة الجانحة “إيفر غيفن”.

إعداد العسّاس | 

قبل أكثر من 150 عامًا، تمّ افتتاح قناة السويس في مراسيم مهيبة، بعد بناء دام عشر سنوات، شارك فيه ما يقارب المليون ونصف عامل مصريّ.

استطاعت القناة تغيير جغرافية وتاريخ العالم، فمنذ بداية القرن التاسع عشر كان للقناة تأثير بارز على الدول الاستعماريّة الكبرى وعلى رؤية العالم كقرية صغيرة.

وتشكّل القناة طريقا مختصرًا وأقل تكلفة للسفن المتنقلة بين آسيا وأوروبا، دون الحاجة لقطع شق الرجاء الصالح والمحيط الأطلسي الهائج، كما أنها تشكّل الحدود بين قارتي آسيا وأفريقيا، وحتى هذا اليوم ولها تأثير كبير على الحياة البيئيّة في البحر الأبيض المتوسط. (1)

إضافة إلى ذلك، هناك أهمّية استراتيجية لقناة السويس المصريّة كبرى لدى “إسرائيل” منذ قيامها، إذ كانت عاملًا مركزيًا في العدوان الثلاثيّ الّذي شنّته كلّ من “إسرائيل” وبريطانيا وفرنسا على مصر عام 1952، الّذي أتاح لـ “إسرائيل” فرصة إثبات نفسها كقوّة عسكريّة رئيسيّة في الشرق الأوسط وحليفة لدولتين كبيرتين.

وبحسب محلّلين سياسيّين إسرائيليّين، لم تكن “إسرائيل” طرفًا في أزمة قناة السويس، والسبب الحقيقيّ في انضمامها هو حاجتها في التحالف مع دولة عظمى لتدعمها وتزيد قوتها عسكريًا ودوليًا واقتصاديًا، ولم تكن القناة سوى عذرًا وفرصة لـ “إسرائيل” لخدمة مصالحها أمام فرنسا. (1)(2)

 كما أنّ القناة شكّلت الحدّ بين مصر و”إسرائيل” بين حربيّ الستة أيام وأكتوبر، حيث أنها أغلقت بعد حرب 1967، عندما طلب الرئيس المصريّ جمال عبد الناصر إخلاء سيناء من قوى الأمم المتحدة، وحينها كتب الفصل الثاني للقناة في تاريخ “إسرائيل” الجغرافي والدوليّ، فقد كانت خطّ وقف إطلاق النار بين الطرفين.

 تركت “إسرائيل” المكان بعد اتفاقية فكّ الاشتباك الأولى بينها وبين مصر عام 1974، التي بموجبها انسحبت “إسرائيل” من ضفّتي القناة، ووضعت قوات الأمم المتحدة في شبه جزيرة سيناء.

بعد ذلك فتحت مجددًا بعد توسيعها وتنظيفها أمام السفن بما يشمل الإسرائيلية منها، إذ أنه وبعد مرور خمس سنوات، وقّعتا مصر و”إسرائيل” معاهدة “سلام”.

 وفي شهر أيّار/مايو 1979، عبرت السفينة الإسرائيلية الأولى “أشدود” عبر القناة. (2)

رغم تنازل رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها، دافيد بن غرويون عن حلمه في “مملكة بني إسرائيل الثالثة”، الذي تكلّم عنه في خطاب فوزه، فقد كان سحبه لقوّات الجيش الإسرائيليّ من سيناء، مقابل إنجازات أخرى في المنطقة، مثل جعل سيناء منطقة منزوعة السلاح، وتأمين حرية الملاحة البحرية عبر مضيق “تيران” وقناة السويس، وكسب عقد آخر من “السلام” مع الدولة المجاورة. (2)

وتعدّ موانئ مصر الموانئ الأساسية لتبديل وتحميل البضائع في المنطقة، الّتي لا تكون المحطة النهائية للبضائع، بل تكون محطة لتوزيع الشحنات لدول أخرى.

وتصل لهذه الموانئ سفن من الشرق الأقصى، وأوروبا والولايات المتحدة، وتتوزع في سفن أصغر لتصل موانئ البحر الأبيض المتوسط ومنها “إسرائيل”.

من الناحية الجغرافيّة السياسيّة، تعدّ “إسرائيل” جزيرة، وذلك بسبب الدول المجاورة لها على اليابسة، الأمر الذي يجعلها متعلقة بشكل كامل بالبضائع البحريّة ومعتمدة عليها، فما يقارب 99% من التجارة الإسرائيليّة تسيّر عن طريق البحر.

 كما أن الموانئ الإسرائيليّة تبعد يوم كامل من الإبحار عن قناة السويس، الأمر الذي يؤهّلها لتكون هي أيضًا موانئ تبديل وتوزيع مثل الموانئ المصريّة. (3)

وتتعامل “إسرائيل” مع أمنها البحري أمام تهديدات على البنى التحتية في البحر والقطاعات الاقتصادية المختلفة فيه، كإحدى أولوياتها بالغة الأهمية كونها هي طريقها للنمو الاقتصادي.

في ظل ذلك، تشكّل السفن البوابة الوحيدة لتصدير واستيراد البضائع والوقود، وتعلق “إسرائيل” بالغاز الطبيعي كمصدر طاقة أساسي. (4)

لذلك، يعتبر خبراء إسرائيليون عديدون، أنّ التوجّه الذي يقوده الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في تطوير القناة ومصر عامّة لمصالح مصرية، هو أيضا ذو أهمّيّة عليا وضروريّة لاستقرار سلسلة الإمداد البحري الإسرائيلية.

ويفيد المشروع بإنشاء بنى تحتية في الموانئ وتحضير القناة لاستيعاب سفن لا تصل ‘لى المنطقة (لو تم بشكل جيد)، وبطريقة تصبّ في مصلحة السوق الإسرائيلي واقتصاده.

وذلك من شأنه زيادة المصالح الأمنية المشتركة بين “إسرائيل” وجارتها مصر، التي تفيدها التزويد القادم من البحر بأمان. (4)

مقابل الفوائد الجمة لقناة السويس التي تعود على “إسرائيل” كونها معبر السفن القادمة لـ “إسرائيل” والخارجة منها للعالم وكونها مفتاح نموها الاقتصادي، بحيث تصل لـ “إسرائيل” عبرها أسبوعيًا بضائع تقدر بـ 200 مليون دولار، هناك أضرار لحقت بالبحر الأبيض المتوسط بعد توسيع القناة، فالمسلك الإضافيّ بعد توسيع القناة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، أثر على الحياة البحرية في البحر المتوسط.

 على سبيل المثال، لم تتواجد من قبل قناديل البحر، ووصلت عن طريق القناة من المحيط الهندي، وأضرت تكاثر كائنات بحرية محلية أخرى ، كما أصبحت مضايقة للمستجمّين.

كما أن تسرب أكثر من 400 نوع من الحيوانات البحيرة عن طريق القناة، نفت أنواع محلية وفئات عديدة من الأسماك وإمكانية صيدها. (5)(2)

مؤخرًا، في ظل جنوح سفينة “إيفر غيفن” في القناة، تعطّلت سيرورة التمويل والعمل الدوليّ على مشاريع إسرائيلية عديدة لا تزال تحت حيّز التخطيط، التي تطلق عليها “إسرائيل” اسم “متجاوزات/عابرات قناة السويس”، التي تهدّد بها أيضا “إسرائيل” مصر في إيجاد طرق بديلة تربحها دون الحاجة للمرور بقناة السويس.

 وتصل ميزانية هذه المشاريع إلى عشرات مليارات الدولارات؛ وأوّلها إنشاء خط نفط إيلات-أشكلون (عسقلان)، الذي يصل الخليج جنوبًا بالبحر الأبيض المتوسط غربًا.

ويسعى المشروع إلى استعمال ميناء إيلات (أم الرشراش) لإفراغ النفط الذي تحمله السفن الخليجية في أنابيب النفط الواصل بين إيلات وعسقلان، ومن شأن هذا المشروع تقليل عدد السفن الأوروبية الواصلة إلى قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%. (7)(6)

 ومن هذه المشاريع أيضًا، مشروع خط سكة الحديد من ميناء حيفا إلى دبي، الذي يبدأ من ميناء حيفا، مرورًا في طريق جسر الشيخ حسين في بيسان وعلى طول الأردن وصولًا إلى شبكة السكك الحديدية السعودية والإماراتية وبالعكس.

 وآخر هذه المشاريع، خط سكة القطار السريع أشدود-إيلات، المعدّ لنقل المسافرين والبضائع بين المنطقتين، الذي يجري التخطيط له منذ العقد الماضي وتُقدّر ميزانيته بما يقارب الـ 50 إلى 70 مليار شيكل. (7)

مقابل المساعي الإسرائيلية في تجاوز قناة السويس، التي تعدّ البوابة الرئيسية لنقل البضائع بين أوروبا وآسيا، هناك أيضا مساعٍ إيرانية تنافسها على إقامة مقرّ لتبادل البضائع بين أوروبا وآسيا بربط سككها الحديديّة بالميناء الباكستانيّ أو الصينيّ عن طريق سوريا أو تركيا وصولًا إلى أوروبا.

وينبع هذا التخطيط من حاجة إيران لفكّ خناقها الاقتصاديّ الذي باشرت بعرضه في الأيام الأخيرة كبديل لقناة السويس المزدحمة. (7)

المصادر:

(1) “Israel defence”: https://bit.ly/3m9TyWV
(2) “يسرائيل هيوم”: https://bit.ly/3mibui7
(3) “ملف السياسة الاسرائيلية في الحيز البحري”: https://bit.ly/2PtFifD
(4) “عدكن استرتيجي”: https://bit.ly/3rNaBPW
(5) “كلكاليست”: https://bit.ly/3cGJ52c
(6) “جلوبس”: https://bit.ly/3dop4fJ
(7) “جلوبس”: https://bit.ly/2PzDIsF