مقدّمة العسّاس | إيران الصين.. تقاطع تهديدات

نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” (INSS)” مؤخرًا دراسة بعنوان: “العلاقات الصينية-الإيرانية المحدودة: الاستنتاجات والتوصيات الرئيسية لـ “إسرائيل”، يبحث فيها علاقات الصين وإيران، كما عرض فيها مدى هذه العلاقات، والمشترك والمختلف بين الصين وإيران وتوجهاتهما وأهدافهما السياسية والاقتصادية.

وتضمنت الدراسة عرض نقاط الضعف والقوة في العلاقات بين البلدين، وتحليلات إضافية بهدف تفكيك الاتفاقية التي وقعت بين الصين وإيران في الصيف الماضي (2020)، بهدف رسم خطة عمل أو توصيات لـ “إسرائيل” في التعامل مع تنامي هذه العلاقات التي قد تضرّ بـ”إسرائيل”.

وهذه المادة بالأساس هي ترجمة لأهم ما جاء في الدراسة. (1)

هذه المادة تتحدث عن العلاقات الصينية الإيرانية ومدى تأثيرها وتهديديها لـ “إسرائيل”، التي تقيم علاقات واسعة مع بكين.

إعداد العسّاس | 

في السابع والعشرين من آذار/ مارس 2021، وقّعت الصين وإيران على اتفاقية استراتيجية تعتمد على مساهمات اقتصادية للصين في إيران مقابل تزويدها بالنفط لـ 25 سنة مقبلة.

ولم تنشر تفاصيل الاتفاقية بعد، لكن حقيقة توقيعها ستساعد إيران في تسهيل الحظر الاقتصادي الذي فرضته عليها الولايات المتحدة، إذ تشمل الاتفاقية تعاونًا عسكريًا وتكنولوجيا واستخباراتيًا، مما يشير إلى خطر محتمل على “إسرائيل”.

ومنذ نشر مسودة الاتفاقية في يوليو/تموز 2020، طالبت الإدارة الأمريكية “إسرائيل” أن تقلل من علاقاتها مع الصين وأن تقلل دخولها إلى السوق الاقتصادي الإسرائيلي.

حينها، صرّح مندوب الإدارة الأمريكية: “لا يمكن للصين أن تدعم النظام الإيراني الذي ينادي داعموه “الموت لـ “إسرائيل”، وفي نفس الوقت تقيم فيه “إسرائيل” علاقاتها معها كالمعتاد”.

في نفس الفترة، وعلى خلفية ارتفاع منافسة الشركات الصينية في مجال البنى التحتية في “إسرائيل” على حساب الشركات الإسرائيلية، طالب اتحاد المقاولين الإسرائيلي بإلغاء فوز شركة صينية بمناقصة لبناء جسر في تل أبيب.

وكانت حجة الاتحاد أن هذه الشركة، PCCC، هي من الشركات التي تتعامل مع إيران مما قد يشكّل خطرًا أمنيًا على “إسرائيل”، إضافة إلى أنّ القانون الإسرائيلي يحظر تعامل الجهات الحكومية مع جهات تقيم علاقات اقتصادية مع إيران.

كما ينبع قلق “إسرائيل” من العلاقات الإيرانية الصينية بالأساس في المجال العسكري – الأمني، حيث تزايد التعاون العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي والأمني بين الصين وإيران. كما أن إمداد الصين لإيران بتقنيات عسكرية صينية، التي تساعد إيران على تطوير وإنتاج أنظمة سلاح، منها ما قد أضرّ بـ “إسرائيل” مسبقًا، ليس تهديدًا جديدًا على “إسرائيل”.

وكان ذلك عندما أطلق حزب الله صواريخًا من صنع صيني على “إسرائيل” في حرب لبنان الثانية، كذلك أصاب صاروخ من صناعة صينية غواصة تابعة للجيش الإسرائيلي في نفس الحرب.

إقرأ أيضًا.. العلاقات الصينية الإيرانية: معادلة صعبة لـ “إسرائيل”

لكن في عهد شي جين بينغ (الرئيس الصيني) تتجه العلاقات الصينية الإيرانية إلى أبعد من ذلك، وقد كثرت الدلالات العلنية على تنامي وتكثيف التعاون العسكري بين الصين وإيران، وذلك يتمثل في التدريبات عسكرية وزيارات الموانئ وزيارات لكبار المسؤولين في البحرية ولقادة عسكريين وأمنيين.

ويعد مجال الحرب البحرية من المجالات البارزة في تطوير العلاقات العسكرية، ويتم التركيز بشكل خاص على الصواريخ المضادة للسفن، مما يهدد “إسرائيل” في البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر، وهو تهدد كذلك لدول الخليج وأساطيل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي غرب المحيط الهادئ.

وتحدد مسودة الاتفاقية الاستراتيجية بين الصين وإيران، من حيث أنها تعكس الصياغة التي تم توقيعها أخيرًا، مساحة لاتفاقيات التعاون في مجالات الاستخبارات والإنترنت وأنظمة الملاحة الدقيقة وبحوث الأسلحة وتطويرها والتدريب والإرشاد العسكريين. كما هو الحال في المجالات الأخرى، ستعتمد تداعيات الاتفاقية على تفاصيلها وعلى كيفية تنفيذها.

في ظل ذلك، لا يكمن التحدي الرئيسي الذي تواجهه “إسرائيل” في علاقات الصين الأمنية مع إيران في عدم اكتراث الصين بهجمات إيران على “إسرائيل” وشركاء الصين الآخرين، وخاصة المملكة العربية السعودية، إلا أنه يكمن في مساهمة الصين الفعالة في تعزيز القدرات الهجومية لإيران.

وساعدت التكنولوجيا الصينية في المجال العسكري إيران حتى الآن على تطوير وتصنيع الأسلحة التي كانت موجهة بالفعل ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة ودول الخليج، مع التركيز على الصواريخ والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والصواريخ المضادة للسفن والصواريخ المضادة للطائرات.

ليس ذلك فحسب، إذ تهدد أنظمة الأسلحة المماثلة المصنوعة في الصين وكوريا الشمالية كل من الولايات المتحدة وحلفاءها في شرق آسيا، ويعد التعاون المتنامي والظاهر بين الصين وإيران في المجال العسكري الأمني والاستخباراتي والإلكتروني وتطوير الأسلحة والحرب البحرية حالة خطيرة ومقلقة لـ”إسرائيل” وأمنها.

يرجع سبب ذلك بشكل رئيسي إلى أن المساعدات من الصين تزيد من تهديد إيران المباشر على “إسرائيل”، وتطوّر من قدراتها وتوسع إمكانياتها في ضرب “إسرائيل” بشكل مباشر أو غير مباشر؛ من خلال حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن والميليشيات في سوريا والعراق.

وينبع التوتر الرئيسي والبارز والمعروف في علاقات “إسرائيل” والصين من مثلث رأسه الثالث هو الولايات المتحدة، أي بين الصين كشريك اقتصادي مهم لـ “إسرائيل” من جهة، والولايات المتحدة كحليف استراتيجي لا بديل له من جهة أخرى.

كما ينبع هذا التوتر من حقيقة أن الصين، من وجهة نظر الولايات المتحدة، هي خصمها الرئيسي في منافسة الدول العظمى وأنّها تعتبر تهديدًا خطيرًا لأمنها القومي ومكانتها العالمية، وبناء على ذلك، تُطالب “إسرائيل” وشركاء آخرون للولايات المتحدة بالحد من علاقاتهم مع الصين والعمل على “إدارة المخاطر” المرتبطة بهذه العلاقات، وذلك العلاقات في المجال الاقتصادي والتكنولوجي بالتحديد.

وتمثّل العلاقات الصينية الإيرانية تحديًا معقدًا لـ “إسرائيل”، من حيث كونها التقاء بين قوة عظمى عالميًا، التي تعتبر حليفًا اقتصاديًا، وبين قوة إقليمية هي التهديد الخارجي الأساسي والأعظم لدولة “إسرائيل”.

بالتالي فإنّ علاقات الصين وإيران هي تقاطع بين التهديد الأكبر على الولايات المتحدة وبين التهديد الأكبر على “إسرائيل”، وبذلك، وترسم هذه العلاقات مساحة محددة لتعاون موسع بين “إسرائيل” والولايات المتحدة.

المصادر:

(1) “معهد دراسات الأمن القومي”: https://bit.ly/3gYi1xA