مقدّمة العسّاس | يبدو أن الاحتلال يستغل جائحة كورونا في قطاع غزة لفرض تسوية جديدة لموضوع جثث الجنود بغزة إذ يأتي ذلك وسط ضغط كبير من عوائل الجنود، وسياسية مترددة من قبل الحكومة الإسرائيلية.

هذه المادة تكشف تفاصيل مقترح إدخال لقاحات كورونا وتخفيف بعض إجراءات حصار غزة مقابل إعادة جثث الجنود الإسرائيليين.

إعداد العسّاس | 

جثث الجنود بغزة

مُنذ الحرب التي شنّتها “إسرائيل” على قطاع غزّة المُحاصَر، عام 2014 حتّى يومنا هذا، تحتجز حركة حماس أربع رهائن من بينهم جُنديين هما أرون شاؤول، وهدار جولدين، الذين سقطا بيد الحركة خلال الحرب التي تُسمّيها “إسرائيل” بـ “الجرف الصامد”. (1) (2)

وتُعزي مُعظم التحليلات الإسرائيليّة أنّ الذي بين يديْ حماس هي جثّتيهما، هذا وقد جرت مُحاولات عدّة من قِبَل الطرفين للتفاوض على ذلك مُقابل إطلاق سراح أسرًى فلسطينيين من سجون الاحتلال.

المُدة الطويلة نسبيًا، التي مرّت دون تقدّم جِدّي في هذا الملف، جعلته عرضةً للمُزاودات الداخليّة في “إسرائيل “بين الأطراف السياسيّة، والسياسيّة العسكريّة، والعسكريّة عدا عن تبادل الاتهامات بين عوائل الجنود والمسؤولين من مختلف المستويّات.

اقرأ أيضًا.. اللقاح والبضائع لغزة مقابل جثث الجنود..

وكان أشد هذه الاتهامات مؤخرًا، التراشق الذي جرى بين عائلة الجندي هدار جولدين ورئيس لجنة الأمن والخارجيّة في الكنيست، تسفيكا هاوزر، المعروف بمواقفه المُتطرّفة والشعبويّة.

وكتب هاوزر على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر ضد الاتفاق الذي تُعدّه “إسرائيل” لتحرير أسرى مقابل جنودها المحتجزين، رافضًا تحرير أسرى من سجون الاحتلال، وكانت عائلة جولدين قد ردّت عليه واصفةً إيّاه بالشعبويّ والباحث عن الأضواء والنجوميّة، ووجهت له إصبع الاتهام هو وآخرين بالتقصير في هذه القضيّة وعدم التعاطي الجدّي معها، لتسجيل نقاط سياسيّة. (3)

وعلى إثر تفشي جائحة كورونا في العالم، وخطرها المُحدّق بقطاع غزة، خاصّةً بفعل الواقع الاستثنائي الذي يعيشه السُكان من نظام صحي مُنهار وحصار خانق، بدأت ملامح مكر إسرائيليّ، مُتمثلًا باستخدام هذا الملف كورقة ضغط، إذ تلقّفت “إسرائيل” الفُرصة لتُحاول إنهاء الملف بأقل خسائر مُمكنة، وشهدت الصحافة الإسرائيليّة أنباءً كثيفة عن تقدّمٍ ملحوظ في المفاوضات بين الطرفيْن وإصرارٍ من قبل حركة حماس على عدم القبول بربط الملفيْن أحدهما بالآخر.

ربط إدخل المعدات الصحية بـ جثث الجنود بغزة

في حين أصرّت “إسرائيل” على ربط إدخال المُعدّات الصحيّة واللقاحات بملف الجنود، وكان آخرها تصريح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، جادي آيزنكوت، الذي قال إن “إسرائيل” لن تُقدّم أي مُساعدة إنسانيّة دون استعادة الجنود، وهو ما يصفه مُحللون إسرائيليّون بأنّه تصريحٌ مُتسرع وضع “إسرائيل” في موقفٍ مُحرجٍ دُوليًا. (4)

بسياقٍ مُتصل، قامت أسرة الجندي، هدار جولدين، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بتقديم التماسٍ للمحكمة العليا في “إسرائيل”، ضد نقل بضائع من ضمنها اللقاحات ضد فيروس كورونا للقطاع المُحاصَر قبل استرداد رفات ابنها.

وتطالب الأسرة أيضًا بمنع عبور الأشخاص والبضائع ولقاحات كورونا من وإلى قطاع غزة لحين عودة جثمان ابنهم إلى “إسرائيل”.

وفي الالتماس المُقدَّم من خلال المحامي، أفيعاد هكوهين، تدعي عائلة الجُندي، أن الحكومة الإسرائيلية وقوات الأمن تسمح بعبور الأشخاص والبضائع من وإلى قطاع غزة، بشكلٍ يتجاوز بكثير ما يتطلبه القانون الدولي.

كما يُزعَم في الالتماس أنّ المتورطين في هذا النشاط المكثّف يُخفون المعلومات عن الجمهور، وعلى الرغم من أنّه تم التوجّه لهم ما يزيد عن سبع مرّات خلال العام الماضي للمطالبة بالكشف عن البيانات المتعلقة بهذا الأمر، إلّا أنّه لم يتم الرد على التوجُّهات.

وتُضيف العائلة أنّ حكومة “إسرائيل” تقوم بالتلاعب بملف إعادة الجنود وأنّها غير جدّيّة في هذا، إذْ أنّ ما يُحرّكها هو الاعتبارات السياسيّة فقط، مُضيفةً في الالتماس أنّ “الرحمة يجب أن تتم في الاتجاهين، وللحصول على اللقاحات يجب إعادة الأبناء وإلّا فإنّها لن تجلب سوى الكراهية”. (5)

رد الحكومة على عائلة جولدن

وفي مُعرض ردّ الحكومة على الالتماس، تم توضيح سياساتها في هذا الصدّد، إذ بيّنت أنّ لا نيّة لديها حاليًا للسماح بعبور اللقاحات للقطاع، وهو ما جاء حرفيًا بالقول: “فيما يتعلق بنقل لقاحات كورونا، فإنَ سياسة “إسرائيل” تجاه قطاع غزة تقوم على اعتبارات خارجيّة وأمنيّة، بما في ذلك اعتبارات الأسرى والمفقودين، وكذلك الاعتبارات الصحيّة المتعلّقة بمكافحة انتشار كورونا”.

وأضافت “في الواقع الحالي ليس لدى المستَطلَعين نيّة بذلك”، وهذا وقد قامت الحكومة الإسرائيليّة لاحقًا بتعديل ردّها مُضيفةً أنّها سمحت بعبور بعض مئات من اللقاحات للسلطة الفلسطينيّة، (تدفع ثمنها السُلطة) لكن السُلطة لا تملك صلاحيّة أو قُدرة على نقلها لقطاع غزة المُحاصَر. (6) (7) (8)

في ضوء هذه المُداولات، جرت نقاشات داخل المُجتمع الإسرائيلي تباينت في حدّتها واختلفت ادّعاءاتها بين من يُحاجج بمسألة ضرورة استعادة الجنود والوضع الإنساني في غزة وصورة “إسرائيل” في العالم، إلّا أنّ إجماعًا لم ينقطع يومًا حول إدانة المقاومة في غزّة وضرورة ضربها بحزم وعنف وعدم تخفيف الخناق عن القطاع، وهو ما يُعتبَر أداةَ شرعنة لكل المُناقِشين في الموضوع، ودون القُبول بهذا الإجماع تسقط شرعيّة أي ادّعاء.

وكان أبرز المُعارضين لالتماس العائلة هو الناشط اليساري الراديكيالي والمحامي المُختص بالقانون الدُولي، مياخئيل سفارد، الذي انتقد الالتماس قائلًا: “من غير المعقول استغلال الحالة التي تعيشها غزّة، أي الحصار الإسرائيلي الذي بدأ منذ ما يقارب الـ 13 عامًا، وعجزها عن تطوير جهاز صحيّ مستقلّ، واعتمادها بشكل كامل على الهِبات والصدقات الإسرائيلية، واشتراط إرسال لقاح كورونا بإعادة جثث الجنود بغزة والمحتجزين من قبل حماس”.

وأشار سفارد إلى أنّ هذا القانون “سيف ذو حدّين، إذا أنّه يتناقض مع القانون الدُولي من جهة، ويُصيب العامود الفقري الأخلاقي بمقتل من جهةٍ أخرى”. (9)

الرد على السماح بإدخال المعدات واللقاحات

لم يتأخر الردّ كثيرًا، ففي اليوم التالي انهالت المقالات المُتنوعة التي ردّت على سفارد، أهمها كان ما كتبه مُحامي الأسرة المُتقدِّمة بالالتماس، أفيعاد هكوهين، الذي يشغل منصب رئيس كلية “شاعريه مشباط وميداع”، كما كان شريكًا في عددٍ من قضايا حقوق الإنسان من بينها قضايا إقصاء النساء وكان مُرشحًا لمنصب قاضٍ في المحكمة الُعليا في “إسرائيل”

وأبرز ما جاء في ردّه أنّ “عدم إعطاء اللقاحات لسكان غزة ليس عقابًا على الإطلاق، وبالتأكيد ليس عقابًا جماعيًا، ويُضيف أنّ “كل عاقل يدرك أن هناك فرقًا هائلاً بين العمل النشط مثل هدم المنازل، وتجنب العمل خارج المنطقة الخاضعة لسيطرة الدولة، وهو ما لا تدين به الدولة على الإطلاق”.

واستدل هكوهين بقرار المحكمة العليا الإسرائيليّة عام 2008، التي أقرّت بأنّ غزة لا تقع تحت طائلة الاحتلال الإسرائيلي دون أي ذكر لواقع الحصار برًّا وبحرًا وجوًّا والتحكم بصادرته ووارداته.

واعتبر أنّ مفتاح الحصول على اللقاحات بـ “يد قيادات غزّة، الذين يقع عليهم واجب إعادة الجنود وهذا واجب وليس حق، لكي يقف هو معهم في موضوع الحصول على اللقاحات”. (10)

بعيدًا عن النقاشات الدائرة داخل المُجتمع الإسرائيلي ودوافعها، إلّا أنّ ثمّة من واقع قائم يحصل يوميًا، هو تفشي الإصابات بالوباء داخل غزّة، وانهيار الجهاز الصحيّ، وتحكم إسرائيلي مُطلق بالصادرات والواردات، والأهمّ في هذا السياق أنّ اللقاح لم يصل وليس مُتوقعًا أن يصل قريبًا، مما قد يؤدي لكارثة إنسانيّة في منطقة ذات كثافة سُكانيّة عالية، إذ تُشير كافة التقارير الدُوليّة أنّها أقرب أن تكون “غير صالحة للحياة”.

المصادر:

(1) “وزارة الأمن الإسرائيلية “: https://bit.ly/3ion6Os
(2) “وزارة الأمن الإسرائيلية “:https://bit.ly/3nUqH86
(3) “معاريف”: https://bit.ly/39yJUXO
(4) “ماكور ريشون”: https://bit.ly/3nQ3gwN
(5) “يسرائيل هيوم”: https://bit.ly/3nW2lLg
(6) ” في إشارة إلى شعور إسرائيل بخطر مُحدِق قد يصلها من القطاع إذا لم يُعالَج الأمر، وهو ما قاله حرفيًا رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو: “إنّ الأوبئة لا تعرف الحدود””.
(7) “غلوبس”: https://bit.ly/2KmtOIj
(8) “هآرتس”: https://bit.ly/3oO2DoR
(9) “هآرتس”: https://bit.ly/3bO1RV6
(10) “هآرتس”: https://bit.ly/3nS4Xd6