مقدّمة العسّاس | أكدت العديد من التقارير الإسرائيلية أن أضرار جائحة كورونا الاقتصادية وصلت مستويات حرجة، لا سيما مع تفاقم الأزمة ودخول عدد الإصابات في منحنى تصاعدي من جديد، ويزداد ذلك بسبب خسائر قطاع الصحة وانخفاض ثم وقف التحويلات الطبية والسياحة الطبيّة في “إسرائيل”.

ما مدى تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد في “إسرائيل”؟ وما هي أضرار قطاع الصحة؟

إعداد العسّاس | 

في بداية حزيران/يونيو، أخبر مدير عام مستشفى “هداسا” في القدس إحدى الوكالات الإخبارية أنّه قد لا يستطيع دفع
رواتب موظفيه في شهر تموز/يوليو. وقد بلغت ديون مستشفى شيبا – تل هشومير إلى 200 مليون شيكل، وديون
مستشفى رمبام في حيفا 150 مليون شيكل في الشهور الأخيرة.(1) بعض أسباب هذا العجز قد تعود بالأساس إلى
الأضرار الناتجة من ظاهرة كورونا، حيث اختزلت الكثير من العمليات والفحوصات الطبيّة، فضلًا عن توقّف السياحة
الطبية، السّوق الّذي يُربح “إسرائيل” ما يقرب من مليار شيكل سنويًا وأكثر. (2)

ضمن إطار السياحة الطبيّة، يُعالج الكثير من الفلسطينيين من أهل الضفة الغربية وغزة في المستشفيات الإسرائيلية،
وبحسب تقرير الكنيست الإسرائيلي، سجّلت السلطات الإسرائيلية عام 2011 عدد 8,755 تصريحًا طبيًا لفلسطينيي
الضفة فقط لتلقّي العلاج في مستشفيات “إسرائيل”، وهذا لا يشمل مستشفيات شرقي القدس التي أصدر لها 87,041
تصريحًا في هذا العام. وفي عام 2013 سُجّل 18,625 تصريحًا طبيّا لفلسطينيي الضفة وغزة، بينما سُجّل 19,694 تصريحًا طبيًا في هذه المستشفيات (لا يشمل شرقيّ القدس).

وإجمالًا، أصدرت “إسرائيل” 322,391 تصريحًا طبيًا (من بينها 254,972 لمستشفيات شرقيّ القدس) بنسبة 93% تقريبًا لسكّان الضفة و7% تقريبًا منها لسكان قطاع غزة. علمًا أنّ هذه التصاريح هي مجرّد تأشيرات دخول،
ولا تعني بالضرورة أنّ كلّ من حصلوا عليها قد تلقّوا العلاج حقًا في مستشفيات “إسرائيل” أو مستشفيات شرقيّ القدس. (3)

التحويلات الطبية

الإحصائيات بخصوص من تلقّوا العلاج فعلًا في المستشفيات الإسرائيلية أكثر غموضًا، لتعلّقها بمدى تعاون جهات
عدّة مختلفة -كالمستشفيات كلّ على حدة- في توفير المعطيات ومدى دقتها، بالإضافة إلى اختلاف طبيعة الحالة
المُتوجِهة إلى هذه المستشفيات، فتنقسم الحالات إلى علاجات فعلية تقتضي المكوث داخل المستشفى أو إلى مجرّد فحوصات طبيّة دون علاج، أو غير ذلك من الخدمات الطبية المختلفة.

على ضوء كلّ ما ذُكر، سجّلت إحصائية “الكنيست” عدد 42,314 حالة فلسطينية عُولجت في مستشفيات “إسرائيل”
خلال السنوات 2011-2015، من بينها 6875 في عام 2011، و9434 في عام 2015، بزيادة 37% بين العامين. (4)

من جهتها أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في تقريرها السنوي أنّها أصدرت 10,300 تحويلة طبية في عام 2015
(الفارق قد يكون بسبب عدم تعاون الجهات الإسرائيلية في الإحصائية من جهة وعدم توجّه بعض من حصل على تحويلة للعلاج من جهة أخرى)، وهي تمثّل 11.76% من مجمل التحويلات الطبية خارج المستشفيات التابعة لوزارة
الصحة الفلسطينية، بينما كلّفت السلطةَ مبلغًا مقداره 124,810,574 شيكلًا، ما نسبته 22.3% من مجمل تكاليف
التحويلات بمعدّل 12,118 شيكلًا للتحويلة الواحدة.

كما سجّل التقرير المالي لوزارة الصحة “الإسرائيلية” في عامي 2015 و 2017 أنّ 12.6% و 10.1% على
التوالي من مدخولات مستشفى “شيبا” كانت من غير زبائن المستشفى المسجّلين وأكثرهم من “السيّاح الطبيين”، ومن ضمنهم فلسطينيو الضفة وغزة،(5) علمًا أنّ مستشفى “شيبا” يستقبل حالات أقلّ بكثير من مستشفى “هداسا” مثلًا
الذي استقبل على مدار سنوات أكثر من 50% من التحويلات الفلسطينية سنويًا.(6) هذه مبالغ طائلة تجنيها “إسرائيل” ومستشفياتها على حساب السلطة بأسعار تبلغ أضعاف أسعار التحويلات الأخرى التي تصدرها وزارة
الصحة الفلسطينية مستغلة الفقر التكنولوجي في المستشفيات الفلسطينية وعدم توفّر الإمكانات لعلاج الحالات التي تضطر السلطة أن تحوّلها إلى “إسرائيل”.

اقرأ أيضًا.. “مراقب الدولة”.. الصحة ليست بخير!

التحويلات الطبية عام 2016

في عام 2016، بلغ عدد التحويلات إلى المستشفيات الإسرائيلية 13,167 تحويلة بنسبة 14.3% من مجمل
التحويلات، وقد كلّفت السّلطة الفلسطينية مبلغًا مقداره 123,153,634 شيكلًا بنسبة 21.7% من مجمل تكاليف
التحويلات، وبمعدّل 9,353 شيكلًا للتحويلة.

ارتفعت نسبة التحويلات إلى مستشفيات “إسرائيل” إلى 17% في عام 2017 وبلغ عددها 16,269 تحويلة، كلّفت 139,226,884 شيكلًا بنسبة 32.3% من مجمل تكاليف التحويلات، وبمعدّل 8,558 شيكلًا للتحويلة. أما في عام 2018 فقد كان عدد التحويلات الطبيّة إلى “إسرائيل” 18,348 تحويلة بنسبة 16.8% من مجمل التحويلات، ما كلّف 180,917,302 شيكلًا بنسبة 25% من مجمل تكاليف التحويلات بمعدّل 9,864 شيكلًا للتحويلة الواحدة.

إذن، فبحسب معطيات العقد الأخير حتى عام 2018، فإنّ السّلطة الفلسطينية تصرف أكثر من 100 مليون شيكلًا
سنويًا على التحويلات الطبيّة. وفي الواقع فإنّ “إسرائيل” توافق على 60-70% من تحويلات غزة شهريًا وعلى 80-85% من تحويلات الضفة إلى مستشفياتها شهريًا (تزيد أو تنقص في بعض الشهور) بحسب تقارير منظمة
الصحة العالمية، مما يعني أنّ عدد المرضى الفلسطينيين المعالجين في مستشفيات “إسرائيل” حقيقةً هو أقلّ بكثير ممّا تشير إليه معطيات وزارة الصّحة الفلسطينية (وهذا طبيعي، فالسلطة تُحصي عدد التحويلات التي أصدرتها لا عدد المعالَجين).(7) يعني أنّ “إسرائيل” تكسب هذه المبالغ مقابل عدد أقل من الحالات، مما يزيد من تكلفة التحويلة الواحدة بالمعدّل عمّا هو مذكور في تقارير الوزارة الفلسطينية.

وبحسب اقتصاديين إسرائيليين، فالمبالغ التي تجنيها “إسرائيل” من معالجة الفلسطينيين هي أضعاف ما ذُكر في تقارير وزارة الصحة الفلسطينية، حيث قدّرت مدخولات “إسرائيل” في عام 2018 بـ272 مليون شيكلًا من معالجة الفلسطينيين فيها.(8) وفي التقارير الإسرائيلية أنّ مدخولات مستشفى “هداسا” وحده تتعدّى الـ100 مليون شيكلًا سنويًا من معالجة الفلسطينيين.(9) مما يجدر ذكره في هذا السّياق أن السلطة ليست الجهة الوحيدة التي تتكفّل في حالات علاج الفلسطينيين داخل مستشفيات “إسرائيل” ممّا يعني أنّ مدخولات “إسرائيل” بالفعل أكثر مما صرّحت به السلطة، حيث أنّ هناك جهات أخرى (بالأساس جمعيات خيرية ومنظمات حقوقية) تدفع لـ”إسرائيل” مقابل معالجة الفلسطينيين. والخلاصة أنّ معالجة الفلسطينيين من أهل الضفة وغزة داخل “إسرائيل” يدرّ على خزينة المستشفيات والدولة مئات الملايين من الدّخل “السّهل” خاصّة والحديث في إطار “السياحة الطبيّة” كما أسلفنا، مما يعني أنّ المتعالج غير الإسرائيلي يدفع أضعاف ما يدفعه المتعالج مواطن “إسرائيل” مقابل نفس الخدمة.

انخفاض عدد التحويلات الطبية

في الربع الأول من عام 2019، انخفض عدد التحويلات الكلية (أي ليس فقط التحويلات إلى “إسرائيل”) التي أصدرتها وزارة الصحة الفلسطينية بشكل طفيف نسبة لعامي 2017 و2018، غير أنّ التغيير الحادّ في التحويلات إلى “إسرائيل” حدث في شهر أبريل حيث أصدرت الوزارة 75 تحويلة فقط إلى مستشفيات “إسرائيل” بقسمة 4 تحويلات من غزة و71 من الضفة، بينما كان المعدّل الشهري 346 تحويلة من غزة و1010 تحويلة من الضفة في عام 2017، و389 تحويلة من غزة و1185 من الضفة في عام 2018.(10) هذا الهبوط الحادّ في عدد التحويلات نابع من سياسة جديدة أعلنت عنها السلطة الفلسطينية في آذار\مارس من عام 2019 على خلفيّة قضية أموال المقاصّة، حيث قررت عدم إصدار تحويلات طبيّة إلى مستشفيات “إسرائيل” واستغلال الأموال المبذولة في هذه التحويلات في تطوير المستشفيات الفلسطينية.

يمكن تعليل هذا القرار أيضًا بالأسعار الباهظة التي تدفعها السلطة لـ”إسرائيل” مقابل التحويلات كما أسلفنا، حيث قد يبلغ سعر التحويلة الواحدة إلى “إسرائيل” 3-5 أضعاف أسعار التحويلات لمصر أو الأردن.(11) في النّصف الثاني من عام 2019 نزل معدّل التحويلات إلى “إسرائيل” إلى 94 تحويلة من غزة و355 من الضفة شهريًا (أقلّ بـ3-4 مرّات من السنوات السابقة)، وقد استمر هذا الهبوط في المعدّل في الربع الأول من عام 2020 قبل التشديدات إثر انتشار مرض كوفيد 19، حيث أصدرت السلطة 518 تحويلة إلى “إسرائيل” في شهر كانون الثاني\يناير و410 في شباط\فبراير و316 في آذار مارس (بداية أزمة كورونا) من غزة والضفة معًا بمعدّل 73 تحويلة من غزة و342 من الضفة شهريًا. معطيات شهرَيْ نيسان\أبريل وأيار\مايو تشير إلى استمرار النّقص في عدد التحويلات، حيث سجّلت أقل من 400 تحويلة في الشهرين معًا. (12)

اقرأ أيضًا.. قطاع الصحة الإسرائيلي: كورونا يكشف الواقع

وقف التحويلات الطبية

مما يجدر ذكره في هذا السّياق وضمن أزمة كورونا، أنّ السّلطة الفلسطينية أعلنت عن وقف التحويلات الطبية مرّة أخرى في شهر أيّار ردًا على خطة “الضم” التي أعلنت عنها “إسرائيل” (لم تصل السلطة إلى مستوى انفكاك تامّ عن “إسرائيل” قطّ، وإعلان وقف التحويلات الطبية يعني التشديد أكثر في تحويل الحالات وليس وقفها بشكل تام).

التحويلات الطبية عامي 2019 و2020

لم تصدر أيّ من السلطة أو “إسرائيل” تقارير مالية بخصوص التحويلات عن عامي 2019 و2020 بعد، ولكن بالنّظر إلى تقارير سابقة يمكن تقدير ما خسرته “إسرائيل” نتيجة سياسة وقف التحويلات الطبية التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية على خلفية قضايا مختلفة (المقاصة وكورونا). باعتماد سعر التحويلة (بالمعدّل) في عام 2017 وهو أقل معدّل في العقد الأخير خسرت “إسرائيل” 94 مليون شيكلًا على الأقل نسبة لمدخولها من التحويلات من السُّلطة فقط في نفس العام 2017. بالنّظر إلى معطيات عام 2020 حتّى الآن، وإذا استمرّ الوضع على هذه الوتيرة، قد تخسر “إسرائيل” 108 مليون شيكلًا من السلطة على الأقل باعتبار معدّل عام 2017، بل إنّ الخسائر قد تصل إلى 196 مليون شيكلًا وأكثر بحسب تقارير إسرائيلية. (13) كلّ هذا إضافة إلى الأزمات الماليّة الّتي تعاني منها المستشفيات الإسرائيلية إثر الوضع الراهن.

المصادر:

(1) “كان”: https://bit.ly/2ISnK9w
(2) “واينت”: https://bit.ly/3kmN2KA
(3) “موقع الكنيست”: https://bit.ly/37GFm2D
(4) “موقع الكنيست”: https://bit.ly/37GFm2D
(5) “الصحة الإسرائيلية”: https://bit.ly/3dM4Jke
(6) “موقع الكنيست”: https://bit.ly/31xtCvo
(7) “الصحة العالمية”: https://bit.ly/2ITI6iE
(8) “كالكيست”: https://bit.ly/3jmwVeK
(9) “جلوبس”: https://bit.ly/37tBvFZ
(10) “جلوبس”: https://bit.ly/37tBvFZ
(11) “الصحة الفلسطينية”: https://bit.ly/2Tbu91v
(12) “الصحةالعالمية”: https://bit.ly/2Hl0K26
(13) “كالكيست”: https://bit.ly/3maSmBu