مقدّمة العسّاس | تهجير اللد والرملة
قامت الحركة الصهيونيّة وعصاباتها العسكريّة بحملات تطهير عرقيّ للفلسطينيين في جميعِ الفصول والشهور، في الشتاءِ والصيف، وأثناء الربيع والخريف، في الليلِ والنهار، إلا أن الأشدّ قسوة هي الحملات التي نُفذت في شهر رمضان المبارك، أثناء صيامِ المسلمين الفلسطينيين.
سنحاول في هذهِ المادّة تسليط الضوء على الحملة التي تخلّلت مجازر وطرد الفلسطينيين من اللدّ والرملة، أثناء شهر رمضان في شهرِ تموز/ يوليو حتى بداية آب/ أغسطس من العام 1948 (1367 الهجري)، مما يعطينا لمحات أخرى على حجمِ المعاناة التي تكبدها الشعب الفلسطيني.
ومن المهمّ أن نذكر على أن اللدّ والرملة حسب قرار التقسيم الصادر في عام 1947، جُزء من الدولة العربيّة، التي وافقت عليها (نظريًا) الحركة الصهيونيّة، إلا أنها عمليًا أرادت تحطيم إمكانيّة قيام دولة عربيّة، بسببِ تكوينها الكولونياليّ الاستيطانيّ الهادف إلى السيطرةِ والتوسّع، ضمن قاعدة “أرض أكثر، فلسطينيون أقلّ”.
إعداد العسّاس |
تفاصيل تهجير اللد والرملة
“يجب طرد سكان اللدّ بسرعة دون التقيّد الصارم بالتصنيف العمريّ، يجب أن يتم توجيههم نحو بيت نبالا”.
يتسحاك رابين
نشرت المجلّة الثقافيّة “ميدا” الإسرائيليّة (وتعني المعيار)، مقالةً تتحدّث عن الحملة العسكريّة لاحتلال اللدّ التي قادتها كلّ من الوحدات العسكريّة الصهيونيّة “هارئيل” و”كرياتي” و”يفتاح” و”الإسكندروني”، تحت إطار عمليّة “داني” العسكريّة، وذلك في 9 تمّوز/يوليو 1948، الأيام الأولى من شهر رمضان.
لجأ إلى اللدّ عشرات آلاف السكّان من المدن والقرى المجاورة، وذلكَ لم يمنع القوّات الصهيونيّة من الدخولِ إلى معركةٍ مع القوّات الأردنيّة و”الجهاد المقدّس” تحت قيادة حسن سلامة.
قواعد الاشتباك التي جسدّتها القوّات الصهيونيّة هي إغراق مساحة المعركة في النيران، وكلّ من هو في مساحة الحرب، مستهدف. (1)
وفقًا لقواعد الاشتباك كهذهِ، قُتل ما يزيد على مئتين من الفلسطينيين، مع اشتداد المعركة في اللدّ والضغوطات التي أحاطتها بالنسبةِ للقيادةِ العسكريّة الصهيونيّة، لم تستطع أن تخفي الأوامر الرسميّة التي تقتضي الطرد والتهجير، كما جاء اقتباس رابيين أعلاه.
أما بالنسبةِ للمجزرة، تشير المقالة إلى أنه “عاد العديد من مقاتلي لواء يفتاح من اللد وهم تحت الانطباع القاسي من القتال في داخل مدينتين مكتظّتين بالسكان. من هنا وهناك، انتشرت ‘شائعات’ حول المعركة وفوضى النيران. وتروي ‘الشائعة’ واقعة صوب فيها جندي بندقية آلية إلى شيخ وصبي بريء فقتله. وصل هذا إلى آذان الشاعر ناتان الترمان التي تغلغلت القصّة إلى أعماق روحه، وهو الذي كان قريبًا جدًا من الضابط العسكريّ، إسحاق سديه في عصابة “البالماح”، وخدم لاحقًا كمقاتل في اللواء الثامن”. ونشرَ ألترمان القصيدة تحت عنوان “عن هذا”.
من المهمّ النظر إلى هذا الاقتباسٍ بعينٍ ناقدة حيثُ أن المقالة تصفها بـ “الشائعة” إلا أنّ الرواية التاريخيّة حفظت أيضًا عندَ الشاعر الاسرائيليّ الترمان، مع العلم أن الشاعر صديق ضابط في عصابة “البالماح” سديه، وخدمَ هو نفسه مع العصابة الصهيونيّة التي قامت بالعديد من المجازر (ومثالين على ذلك؛ قرية بلد الشيخ في حيفا، وقرية اليازور في يافا). (2)
وفي مادّة نشرتها جمعيّة “زوخروت” (ذاكرات) حولَ الموضوع أوضحت دونَ شكّ أن طريق احتلال اللدّ في عام 1948 تخلّله طرد جماعيّ ومجازر “في الطريق إلى اللد، حيث احتلّ الجيش الإسرائيلي العديد من القرى وتسبّب في عمليات ترحيل جماعي، وجاء احتلال المدينة من جهة الشرق والجنوب بإطلاق نارٍ كثيف وقصف عنيف على الأحياء المتطرفة للمدينة، ما أسفرَ عن سقوط العديد من الضحايا من سكان المدينة من المدنيين والمسلحين الذين حاولوا الدفاع عنها، وساد ذعر كبير السكان وبدأ الكثيرون يركضون في شوارع المدينة من أجل الخروج منها. (3)
بهذا السياق، لفتَ المؤرخ الاسرائيليّ، بيني موريس في كتاب “نشأة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947-1949” الصادر عام 1988 بالانجليزيّة، إلى أن اللد قد تم احتلالها في مساء 11 تموز/ يوليو، وفي اليوم التالي في ساعات الصباح، وقع تبادل لإطلاق النار بينَ الفيلق العربيّ والوحدات الصهيونيّة، أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين وجرح 12 آخرين.
بعدَ ذلك، قدمَ سكّان اللدّ لمساعدةِ الفيلق، وأمر جنود الاحتلال (من لواء “يفتاح”) بـ “فتح النار على كل شيء في الشارع”.
كان هناك جنود أطلقوا النار وألقوا قنابل يدوية على المنازل، وسقط عشرات الضحايا من أهالي اللد قرب المسجد والكنيسة وسط المدينة، واستمرت المجزرة حتى الساعة الثانية بعد الظهر، وقُتل فيها نحو 250 قتيلًا. (4)
الرملة أيضًا في رمضان
الأهداف الرئيسية لـ “عملية داني”، جمعت كلّ من اللدّ والرملة واللطرون ورام الله في التخطيط، مع استئناف الأعمال العدائية في 9 تموز/يوليو، تعرّضت الرملة للقصف أيضًا بالتوازي مع اللدّ.
في الصباح بدأت القوات اليهودية بالتقدم نحوها من الشمال الغربي، في الاتجاه الآخر، شرقي المدينة، سمحت قوات يهودية أخرى للسكان الذين غادروا المدينة بالاستمرار شرقًا.
وفي ليلة 10 تموز/ يوليو تعرضت الرملة (واللدّ) للقصف من البر والجو، وفي صباح اليوم التالي، جرت محاولة أخرى لاحتلال المدينة لكنها باءت بالفشل.
وانهارت قوة الدفاع، في 12 تموز/ يوليو ووقّع وجهاءها اتفاقية استسلام (في وقت لاحق من ذلك اليوم، تم احتلال اللد أيضًا)، وبعد احتلالها صدر قرار في القيادة الإسرائيلية، بالتشاور مع رئيس الوزراء دافيد بن غوريون، بطردِ عرب فلسطينيي الرملة.
وفي هذا الصدد، لفتَ يتسحاق رابين، قائد القوة التي احتلت المدينة، إلى أنه “بعد تهجير اللد والرملة.. ما حدث مع 50 ألف فلسطيني في المدينتين، حتى بن غوريون لم يكن لديه جواب.. أثناء النقاش في المقرّ العسكري، بقي صامتًا، كما كانت عاداته في مثل هذه الحالات. بالطبع لم نتمكن من ترك سكان مسلحين وعدائيين في مؤخرة أعناقنا، حيث أتيحت لهم الفرصة لتعريض خطوط الإمداد (للجنود) للخطر باتجاه الشرق.. يكرر غوريون السؤال: ماذا سيحدث بالسكان؟ بينما يحرك راحة يده في حركةٍ تقول: اطردوهم.. الطرد تعبير صعب.. نفسيًا، كان هذا من أصعب الممارسات التي قمنا بتنفيذها”. (5)
وفي 14 تموز/ يوليو، تم إبعاد سكان مدينة الرملة، ومن بين سكان المدينة البالغ عددهم 17 ألف نسمة، سُمح لـ 400 فقط بالبقاء، وجاء هذا النفي تماشيًا مع سياسة القوات اليهودية في ذلك الوقت، التي تقضي بضرورة إبعاد السكان الفلسطينيين بعد الترحيل، بينما بقي حوالي 2000 عربي فلسطيني في المدينتين معًا. (6)
المصادر:
(1) (2) “ميدا”: https://bit.ly/3mZdvA6
(3) (4) “زخروت”: https://bit.ly/2P0s75E
(5) (6) “زخروت”: https://bit.ly/3tBjnlM