مقدمة العساس | وثيقة كينغ

 تتضمن هذه الوثيقة التي كُتبت قبل أكثر من 44 عامًا، السياسة العنصرية التي تتبعها “إسرائيل” في الوقت الحالي اتجاه الأراضي المحتلة، بهدف تهجيرهم والاستيلاء على أراضيهم.

ما هي الوثيقة؟ وما أبرز ما تتضمنه؟

هذه المادة تسلط الضوء على أبرز ما جاء في وثائق كينغ الصادرة عن مسؤول منطقة الشمال في وزارة الداخليّة الإسرائيلية.

إعداد العساس |

في السابع من أيلول عام 1976، كشفت صحيفة “عال همشمار” وثيقةً سريّة تحوي تقريرًا يشتمل على عددٍ من القرارات، خَطّها موظفون كبار بكل ما يتعلّق بـ “المواطنين الفلسطينيين” في “إسرائيل”.

اشتهرت الوثائق باسم: “وثائق كينغ”، وكينغ هو المسؤول عن المنطقة الشماليّة في وزارة الداخليّة الإسرائيليّة.

وتزامن التقرير مع الإضراب العام الذي سبق أحداث يوم الأرض 30/03/1976، خلال الفعل الاحتجاجي على سياسة الحكومة الإسرائيليّة بمصادرة أراضي منطقة الملّ شمال فلسطين وتحويلها لمنطقة عسكريّة مُغلقة، ضمن ما سُميَ بعملية “تهويد الجليل”.  وعلى ضوء نجاح يوم الأرض، أضاف كُاتب التقرير مُستندات جديدة لتحديث الملف. (1)

من هو يسرائيل كينغ؟

شغل يسرائيل كينغ منصب مسؤول منطقة الشمال في وزارة الداخليّة، ووفق النظام الإداري في “إسرائيل”، تتبع البلديّات مكاتب الحكومة، وبشكل خاص وزارة الداخليّة من ناحية الميزانيّات وموافقات البناء والتطوير ونحوها.

هذا ما يمنح مسؤولي المناطق في حينه قوةً كبيرة كونهم يتحكمون بمفاصل الحياة اليوميّة للسكان.

 استلم كينغ منصبه عام 1967، ولفهم طبيعة علاقته مع البلديات والمجالس المحليّة، يمكننا أن نضع أمامنا المثال التالي: مساء حرب عام 1967 اجتمع كينغ بأعضاء الائتلاف في بلديّة الناصرة (أكبر مدينة فلسطينيّة في الداخل) وتبع اللقاء مُباشرةً تصريح لرئيس البلديّة، موسى إكتيلي، ورئيس القائمة المُقرّبة للسُلطة، سيف الدّين زعبي، يُعبّران فيه عن دعمهم للحكومة. 

(مساء يوم الإضراب عام 1976، اجتمع كينغ وفريدمان، وفريدمان هو الشخص الذي يُقابل كينغ في منطقة الجنوب، مع القيادات العربيّة ورؤساء المجالس المحليّة، وفعّلوا عليهم ضغوطًا مُكثّفة بغية ردعهم عن الانضمام للإضراب العام وأخذ دور فعّال فيه، ونجحت ضغوط فريدمان إلى حدّ بعيد في الجنوب وأُفشلت محاولات كينغ في الشمال، إلّا أنّ مظاهرات يوم الأرض كانت جارفة إلى الحدّ الذي سحبت فيهِ معها مُعظم فلسطينيي الدّاخل).

 (وثيقة كينغ كُتبت بناء على الفرضيّة القائلة: إن ما لا يحصل بالقوّة يحصل مع المزيد من القوّة؛ ويدّعي أنّه لو أُطلقت يده بحريّة أكبر في جميع مكاتب الحكومة ومؤسساتها، لنجح بقمع المُظاهرات).

ليس واضحًا إن كان كينغ قد كتب الوثائق وحده، إذ يُقال إن “تسفي ألدروطي”، من السياسيين الكبار في حزب العمل في حينه، والذي شغل منصب مستشار رئيس الحكومة لشؤون العرب، كان شريكًا في صوغ الوثائق، وهي عبارة عن خليط عجيب من المقولات العنصريّة والهلوسات الاستشراقيّة، وتُعدّ أجلى مُعبّر عن رؤية النظام السياسيّ الحاكم اتجاه الفلسطينيين الذين يحملون المواطنة الإٍسرائيليّة.

ماذا جاء في وثيقة كينغ ؟ 

تتطرق الوثيقة لخمسة مجالات: الديمغرافيا والقيادات والاقتصاد والتربية والتعليم وتطبيق القانون، وكل مجال يُقسم لثلاثة أقسام: الخلفيّة والتّوقع والتوصيات.

سنقوم في هذا المقال بإيراد أهمّ التوصيات لفهم طبيعة هذه الوثيقة وعقلية من جاء بها. (1)

الديمغرافيا

  • توسيع وتعميق الاستيطان اليهودي في المناطق التي يبرز فيها تواجد عربي كثيف وقد يزداد تعداد سكانها مع الوقت، وفحص إمكانية تخفيق التركيز العربيّ قدر المُستطاع.
  • تفعيل سياسة العصا والجزرة مع القيادات والقرى التي يرشح منها أي تعبير ضدّ الدولة أو الصهيونيّة.
  • إقامة حزب –أخ- لحزب العمل في القرى العربيّة، ويكون التركيز فيه على المساواة والنضال الاشتراكي والسلام في المنطقة؛ للحدّ من تأثير الأحزاب والحركات العربيّة.
  • التنسيق التام بين مكاتب الحكومة (الوزارات)، وخاصّة على المستوى التنفيذيّ، والتشديد على التنفيذ بشكل قاسٍ.

القيادات

  • يجب التحريض على القيادات العربيّة وإثارة الاستياء ضدّها، والتشديد على أنّها لا تُمثّل الجماهير العربيّة وانّ المؤسسات لا تتعاون معها.
  • على من سيهتمّ بهذه المهمّة، التركيز على بناء قيادات جديدة ومساعدتها في بناء الحزب الجديد.
  • تعيين طاقم خاص من الشاباك (جهاز المخابرات العامّة) للتحقيق في الممارسات الشخصيّة لقيادات الحزب الشيوعي والحركات الوطنيّة، وإطلاع جمهورهم على النتائج.
  • اتخاذ خطوات شخصيّة ضدّ كل الشخصيّات “السلبيّة” على جميع الأصعدة.

الاقتصاد

  • تحديد ترتيبات مناسبة مع إدارات المصانع في مناطق خاصّة، بحيث لا تزيد نسبة العُمّال العرب عن 20%.
  • على سلطة الضرائب اتخاذ خطوات جديّة، لتحصيل الضرائب بطريقة قاسية وبدون أي تهاون.
  • التوصّل لاتّفاق مع مُسوّقين مركزيين، يقتضي بـ “تحييد” وتصعيب عمل الوكلاء العرب، في منطقة الشّمال بشكل خاصّ، لمنع الحاجة لهم من قِبَل المجتمع اليهودي، لا سيّما في حالات الطوارئ.
  • إيجاد طريقة لإيقاف العطاءات للعائلات العربيّة كثيرة الأولاد –على غرار العائلات الحريديّة- أو تخليصهم ايّاها بشكل فوري لصالح مؤسسة التأمين الوطني، وتحويلها للوكالة اليهوديّة أو الهستدروت الصهيوني وأنْ تكون مُخصّصة لليهود فقط.
  • خلق حالة تضطر المؤسسات المركزيّة تفضيل الأطر أو الأفراد اليهود على العرب.

التربية والتعليم

  • الحفاظ على معايير موحّدة، لقبول اليهود في المدارس ذات المستوى المُرتفع وأيضًا في توزيع المنح. هذا التشديد يُقلّل بشكل ملحوظ عدد الطلاب العرب ويزيد فُرص اليهود للاندماج في سوق العمل.
  • توجيه الطلّاب العرب للمواضيع العلميّة والطبيعيّة بدلًا من العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، هذا التّوجيه يجعلهم أقلّ انشغالًا بالقضايا الوطنيّة. (وبالضّرورة أقل قدرةً على الفهم والتحليل).
  • تسهيل السفر للخارج بهدف الدراسة، وتصعيب عمليّة العودة والاندماج في سوق العمل – هذه السياسة تُشجعهم على الهجرة.
  • اتخاذ خطوات قاسية ضدّ الطلاب “المُحرّضين” في المدارس.

تطبيق القانون

  • اتّخاذ خطوات قانونيّة ضدّ موظفي الدّولة والمؤسسات التي لا تقوم بدورها وفق القانون. (ويُقصد المُعلّمون بشكل خاصّ)
  • تقديم أحكام قضائيّة، خاصّةً في قضايا الضرائب والبناء “غير القانوني”، لردع المجتمع من التفكير بمُناورة القانون وأذرعه التنفيذيّة.
  • تعزيز قوّات الشرطة والأمن على أنواعها في الشارع العربيّ، بهدف ردع التجمّعات “المُتطرّفة” التي قد تقود لأعمال التمرّد وللمظاهرات.

إقرأ أيضًا.. خنق البلدات العربية

يظهر من خلفيّة كتابة الوثائق، وطبيعة الشخص الذي كتبها، والتوصيات التي خلصت لها، أنّ الدولة العبريّة تُصرّ على قوننة الأبارتهايد، وتتعامل مع مواطنيها العرب أعداءً لها.

كما تسعى لتقويض وجودهم الماديّ والمعنويّ، وتُحاول جاهدةً تشديد الخناق عليهم ديمغرافيًا واقتصاديًا وقانونيًا لدفعهم للهجرة خارج البلاد.

يذكر أن وثيقة كينغ تمّ كشفها مُصادفةً وبفعل صراع قوى وتوازنات داخل المؤسسة الصهيونيّة، هي فقط ما قد تم كشفه، والمخفي أعظم.

المصادر:

(1) “ترابط”: https://bit.ly/3dFoOu5
(2) “هجار”: https://bit.ly/3ndpfPO