مقدّمة العسّاس |

خلال تحقيقات الفساد المختلفة التي طالت رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تبين حجم اهتمامه البالغ بالإعلام وصورته العامة، ومدى تأثير ذلك على فرص بقائه في السلطة، لذلك عمل على محاربة الإعلام والسيطرة عليه بذات الوقت، كأي دكتاتور في أي دكتاتورية في العالم، لكن في إسرائيل تغلف بلفافة الديمقراطية.

هذه المادة تسلط الضوء على التدخل الكبير لنتنياهو في وسائل الإعلام، وترصد “الضحايا” الإعلامية والصحافية جرّاء ذلك.

إعداد العسّاس | 

القناة العاشرة:

القناة التي تردد الحديث عنها كثيرًا في سياق قضايا الفساد والملفّات الجنائيّة ضدّ نتنياهو هي القناة العاشرة، إذ واجهت خلال 15 عامًا أزمات وجوديّة عدّة مرّات وتكررت المخاوف بشأن إغلاقها.

منذ أكثر من عقد من الزمان، عمل نتنياهو على تجنيد مالكي القناة من أجل مصالحه ومحاولة السيطرة على القناة، وبعد أن نشرت القناة العاشرة نتائج تحقيقاتها في قضيّة “بيبي تورز” عام 2011، التي كشفت علاقات نتنياهو مع أصحاب الثروات وتمويل رحلاته ورحلات عائلته المترفة من الأموال العامّة؛ قرر نتنياهو بذل كلّ ما في وسعه لإغلاق القناة.

في إحدى محاولاته استطاع نتنياهو التدخّل في شؤون القناة من خلال رشوة اثنين من أصدقائه الذين يملكون أسهمًا فيها (7)، كما نجح نتنياهو في منع اقتناء القناة، وبالتالي منع استمراريّتها وإنقاذها.

مع حلول عام 2015، وعندما أوشك مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال على توقيع اتّفاقيّة لاقتناء القناة العاشرة، طالب نتنياهو القناة بدفع 16.8 مليون شيكل مقابل تمديد الامتياز التجاريّ في الأعوام 2012-2015، حينها أدرك أصحاب رؤوس الأموال أنّ نتنياهو ينوي جعل حياتهم بائسة؛ بالتالي تخلّوا عن عملية الشراء.

وجاء تصرّف نتنياهو كنوع من الانتقام عقب أخبار وتقارير القناة السلبيّة عنه، كما وضع رسومًا عالية مقابل استمرار البثّ في القناة العاشرة. (2)

في 2019، وصلت القناة العاشرة إلى نهاية طريقها بعد أن تمّ إغلاقها من خلال دمجها مع ريشت. (3)

المنتفع والمستفيد الأكبر من عملية الدمج هذه هو بالطبع، وبدون أدنى شك، نتنياهو، فعوضًا عن أن تُلصق به تهمة إغلاق قناة تلفزيونيّة، قامت ريشت، الجهاز الإعلاميّ المقرّب إليه باقتناء القناة العاشرة؛ مما يمكنه من إعادة تشكيلها والسيطرة عليها كما يشاء. (4)

القناة 12:

معاداة نتنياهو للقناة العاشرة، شبيهة بمعاداته للقناة 12، عندما كانت القناة 12 تستعدّ لبث محتوى محادثاته مع وزير الاتّصالات سابقًا شلومو بيلبر المتعلّقة بقضيّة “ألوفيتش”؛ حينها دعا نتنياهو الجمهور إلى مقاطعة القناة بادّعاء تصويرها “إسرائيل” بصورة سلبيّة في أحد مسلسلاتها. (1)

وتدور قضية ألوفيتش حول تلقّي وزارة الاتّصالات تعليمات وتوجيهات مباشرة من رئيس الحكومة نتنياهو، لدعم المصالح الاقتصاديّة لشركة بيزك وصاحبها شاؤول ألوفيتش، حتّى وإن كان هذا الدعم على حساب الجمهور. (5)

انقسام القناة الثانية:

في عام 2015، قام نتنياهو بمنع تقسيم القناة الثانية؛ الذي كان من المفترض أن تتحوّل كلّ من ريشت وكيشت عقب ذلك إلى قناتين مفصولتين. ويعود السبب في منع هذا التقسيم إلى استغلال قوّة حدشوت (6) من أجل القضاء على القناة العاشرة، التي كانت ضعيفة آنذاك.

مع ذلك، صرّح نتنياهو بأنّه سيتابع خطّة التقسيم لاحقًا، حيث يُعتبر التقسيم فرصة ممتازة له ليستطيع من خلالها تحطيم القوّة الهائلة لشركة حدشوت. (9)

كان من المتوقع للانقسام أن يتسبب بنقل الشركة الإخباريّة إلى إحدى القناتين كيشت أو ريشت، أيّ إجبار الشركة على التخلّي عن منصّة القناة الثانية والانتقال إلى قناة جديدة من المرجّح أن تكون تقييماتها منخفضة. (2)

سبق ذلك، في عام 2012 اقترح نتنياهو مشروع قانون للكنيست؛ في صياغته ينصّ على منح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سلطة حصريّة لاتّخاذ قرار بشأن مستقبل شركة حدشوت في ذلك الوقت.

ويعني ذلك، أن سيكون نتنياهو هو صاحب القرار ما إذا بعد انقسام القناة 2 (الذي حدث أخيرًا في مايو 2017) ستتمكن حدشوت 2 من البثّ في قناتين أم لا.

بعبارة أخرى، تخطّى نتنياهو وزير الاتّصالات آنذاك؛ موشيه كحلون، وقرّر أن يكون هو من سيتولّى مصير شركة الأخبار، بدلًا عن المستوى المهنيّ في وزارة الاتّصالات والسلطة الثانية.

و المصلحة الحقيقيّة التي سعى إليها نتنياهو من وراء هذا القانون كانت السيطرة المباشرة على هيئة الأخبار الأقوى في “إسرائيل”. (7)

السيطرة على هيئة البثّ وهيئة الاتّصالات:

نقلت حكومة نتنياهو الصلاحيّات المتعلّقة بالإذاعة العامّة وهيئة البثّ إلى وزير الاتّصالات؛ في ذات الوقت إلى رئيس الوزراء، وبعد أن وافقت الكنيست على حلّ هيئة البث وافتتاح هيئة إذاعيّة جديدة، حاول رئيس الوزراء التأثير على طبيعة الهيئة الجديدة وتعزيز سيطرته عليها رغم جميع المحاولات بمنع أيّ تدخلات من جهات سياسيّة. (2)

لم تقتصر محاولات نتنياهو على السيطرة على هيئة البثّ وحسب، بل وعلى هيئة الاتّصالات كذلك، وفي معظم الدول الغربيّة، يتمّ الإشراف على سوق الاتّصالات من خلال هيئة اتّصالات مستقلّة؛ وهي هيئة قانونيّة ومهنيّة وغير سياسيّة.

هذه الهيئة قادرة على صياغة مفهوم تنظيميّ طويل الأمد ومتّسق، لا يتغيّر مع تغيّر وزير الاتّصالات.

مع ذلك، في “إسرائيل” ومنذ عام 1996، أوصت لجان لا حصر لها بإنشاء هيئة اتّصالات مستقلّة؛ وعلى الرغم من الموافقة على خطّة الإنشاء عدّة مرات من قبل الحكومة؛ إلّا أنّه لم يتمّ تنفيذها قطّ.

في ظل ذلك، يمكن القول وعلى وجه اليقين، طالما أنّ نتنياهو هو رئيس الوزراء، فلن يتمّ إنشاء هيئة اتّصالات مستقلّة، قانونيّة وغير سياسيّة. (2)

الصحافة المطبوعة:

في سوق الصحافة المطبوعة، قدّمت الشرطة لائحة اتّهام ضدّ نتنياهو بشبهة الرشوة بعد أن تمّ الكشف عن محادثات له مع ناشر يديعوت أحرونوت؛ نوني موزيس، بغاية التوصّل إلى اتّفاق بناءً عليه، يعمل نتنياهو على إضعاف قوّة الجريدة المُنافسة “يسرائيل هيوم” مقابل الكتابة عنه بصورة إيجابيّة في يديعوت أحرونوت. (7)

 

المصادر:

(1) “جلوبس”: https://bit.ly/3b6B6cH
(2) “كلكاليست”: https://bit.ly/2Nmn0vt
(3) “واينت”: https://bit.ly/3rIGJ7A
(4) “جلوبس”: https://bit.ly/3jNCbK9
(5) “كلكاليست”: https://bit.ly/2NszjGs
(6) “ICE”: https://bit.ly/2Zbbbeg
(7) “ذي ماركر”: https://bit.ly/3pggeEY
(8) “مكور ريشون”: https://bit.ly/3b0W908
(9) “هَعَاين هَشفيعيت“: https://bit.ly/3tPeHci