مقدّمة العسّاس |

نرصد في هذه المادة أهم ما تناولته الصحافة الإسرائيلية حول اعتذار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لعائلة الشهيد يعقوب أبو القيعان، الذي قُتل برصاص شرطة الاحتلال خلال هدم وتهجير قريته أم الحيران، في كانون الثاني عام 2017. وتمّ اتّهامه بالإرهاب تارة والانتماء لتنظيم “داعش” تارة أخرى، من قبل نتنياهو والمفتش العام للشرطة في حينه، روني الشيخ، ووزير الأمن الداخلي، جلعاد إردان.

وجاء الاعتذار بعد أن نشر الصحافي عاميت سيغال، المعروف بقربه من نتنياهو وغيره من اليمين الإسرائيلي، ملفات ومُكاتبات داخلية بين النائب العام وقتها، شاي نيتسان، وقسم التحقيق مع رجال الشرطة (ماحاش) ووزارة القضاء الإسرائيلية.

هذه المادة ترصد تبعات اعتذار  نتنياهو لعائلة الشهيد يعقوب أبو القيعان، وتكشف مدى استغلال القضية من أجل أهداف سياسية كما نقلتها بعض وسائل الإعلام الاسرائيلية.

إعداد العسّاس | 

اعتذار نتنياهو والتنصل من المسؤولية

خلال تطرقه لما نشره الصحافي سيغال، قال نتنياهو: أعتذر لعائلة أبو القيعان التي قتل والدها يعقوب أبو القيعان، قالوا إنه مخرب وإرهابي، وتبين أنه لم يكن كذلك، وتبيّن أيضًا أن ذوي المناصب الرفيعة في الشرطة والنيابة العامة أرادوا تصويره كمخرب حتى يتمكنوا من المساس بي.

وأضاف نتنياهو أنه تلقّى تقريرًا منهم عن الواقعة، وكان قد سأل الشرطة ثلاث مرات وتلقّى جوابًا من مكتب المفتش العام للشرطة بأن “العملية إرهابية”، وعندما تبين أن الأمر ليس مفهومًا ضمنًا، طلب الانتظار حتى النهاية، لكن النهاية لم تأت، وقال في حينه إن عمل الشرطة محاط بفشل ذريع.

ووجّه نتنياهو أصابع الاتهام للنائب العام، شاي نيتسان، قائلًا “إن قسم التحقيق مع رجال الشرطة أراد التحقيق في الحادثة، لكن نيتسان رفض ودفن كل الملف، وكتب في بريد إلكتروني أرسله أن المفتش العام للشرطة عمل بطريقة مشينة، لكن هناك مصالح معينة يجب أخذها بعين الاعتبار، وقال إن هذا الأمر لن يفيد أولئك الذين يريدون الشر للمنظومة”.

وهاجم جهاز الشرطة قائلًا إنه تبين وجود تحقيقات سياسية كانت فاسدة من اللحظة الأولى، كحياكة ملفات وغيرها لهدف واحد وهو عزل رئيس حكومة حالي لم يتمكنوا من التخلص منه بطرق أخرى، مضيفًا: “شاهدنا كيف يشوّش رجال الشرطة والمحققون والنيابة العامة التحقيقات ويقتبس أحدهم الآخر من أجل تحقيق الهدف السياسي”. (1)

الشرطة تعتذر بدورها

بعد اعتذار نتنياهو ومحاولته التنصل من المسؤولية واتهام الشرطة والنيابة العامة، غيّرت الشرطة روايتها لتعتذر بدورها عن قتل أبو القيعان، وكتبت في بيانها أنه “لقي حتفه”. وكتب في البيان إن الحادث وقع قبل أكثر من 3 سنوات ونصف، ولقي مواطن وشرطي حتفهما خلال عملية تم تنفيذها في المكان بطريقة قانونية. وعزّى العائلات على فقدانها، ثم وضّح أنه تم التحقيق في الحادثة كما يجب ونشر النتائج للجمهور، وبغض النظر عن هذه النتائج فإنه يجب العمل لعدم تكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل. (2)

 المستشار القضائي للحكومة: ادّعاء كاذب

وفي رده على تصريحات نتنياهو واتهامه للشرطة والنيابة العامة، قال المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي منلبليت، إن الادعاء أن النيابة العامة وصفت يعقوب أبو القيعان بالمخرب هو ادّعاء كاذب، وأنه لم يكن للحادثة في أم الحيران والتحقيق الذي تلاها أي علاقة برئيس الحكومة. وأضافت أن ادّعاءات رئيس الحكومة هي محاولة لنزع الشرعية عن سلطات تطبيق القانون ولقراراتها بشأن رئيس الحكومة. (3)

 استغلال العدل المتأخر لمصالح شخصية

وكتبت صحيفة معاريف حول اعتذار نتنياهو، “اعتذار رئيس الحكومة هو أمر جيد، لكنه استغل الحادثة المؤسفة والعدل المتأخر الذي يستحقه أبو القيعان لينشغل بنفسه. في البداية تنصّل من المسؤولية ونسب الخطأ للآخرين قائلًا إنهم قالوا إنه مخرب، من هم الذين قالوا؟ مع العلم أنه نفسه قال ذلك. رئيس الحكومة ليس مجرد سياسي يحمل قائمة برقيات، بل يملك مصادر معلومات بحكم وظيفته. وقال بعدها: تبين أنه ليس مخربًا، كيف تبين؟ بنشر صحافي.

هل يحتاج نتنياهو للاستناد على نشر صحافي ليعلم إذا ما كانت الحادثة عملًا إرهابيًا أم لا؟ لو أنه يكترث حقًا لاكتشف في حينه أن استنتاج الشرطة كان متسرعًا وأن جهاز الأمن العام “الشاباك” (التابع له) أكد في حينه أنه ما من أدلة كافية لاعتباره إرهابيًا، وبعدها رأينا قمة الوقاحة في الاقتباس من خلال اتّهام الشرطة والنيابة. مرة أخرى نتيناهو في مركز الحدث، ضحية مسكينة، كل شيء يدور في فلكه، ناهيك عن فرصة التكسب السياسي.

لم يرغب نتنياهو حقًا لتلميع اسم أبو القيعان، بل لتلميع اسمه ومصيره شخصيًا، كان أبو القيعان مجرد شماعة يستعملها نتنياهو لإثبات وتعزيز نظرية المؤامرة التي صنعها “غير نتنياهو – لا تحقيق، وفي حال ساعد الأمر نتنياهو، يدفنونه”. قتل أبو القيعان ثلاث مرات، عندما أطلقت الشرطة النار عليه، عندما ترك لينزف حتى الموت، وعندما وصفه المفتش العام للشرطة ووزير الأمن الداخلي ورئيس الحكومة بإرهابي من داعش، واليوم يتم استغلال الحقائق المتأخرة بشكل مثير للسخرية من أجل مصالح نتنياهو الشخصية. (4)

 لا علاقة بين حادثة أبو القيعان وتحقيقات نتنياهو

وقال بروفيسور مردخاي كرمينتسير، وهو زميل بحث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه لا علاقة بين حادثة أبو القيعان وملفات التحقيق مع نتنياهو. إذ لا يعقل أن يقوم رئيس الحكومة بربط مس النيابة بأبو القيعان بمحاولة المساس به بهذه الطريقة غير الطبيعية.

وانتقد كرمينتسير طريقة إدارة الشرطة والنيابة العامة لملف أبو القيعان، لكنه استدرك قائلًا: إن الامتحان الحقيقي لأي منظومة جيدة ليس الأخطاء التي تقع بها، بل قدرتها على التطور الذاتي والتحسن المستمر، في حال منحنا الثقة للمنظومات التي لا تخطئ، سنفقد ثقتنا بالجميع. (5)

 نتنياهو ليس ضحية

“قالوا إنه مخرب وإرهابي، وتبين يوم أمس أنه لم يكن كذلك”، لا يستطيع أي شخص التفوّه بهذه الجملة الكاذبة والمهينة إلا في حال فقد الحد الأدنى من الأخلاق، الشخص الذي لا يملك أي مبدأ فقط يستطيع الوقوف أمام أبناء يعقوب أبو القيعان العشرة ليستغل حدادهم وفداحة فقدانهم من أجل مواجهة محاكمته الجنائية.

وترى كثير من التحليلات الاسرائيلية أن عائلة أبو القيعان لم تخطر على بال نتنياهو طوال الأعوام الثلاثة الماضية، ولم يعنيه قتل الشرطة الإسرائيلية لإنسان بريء. متى بدأ اهتمامه بالأمر؟ عندما سنحت له الفرصة بالحصول على وثائق تساعده في معركته ضد النيابة العامة، هكذا جاء الاعتذار التاريخي.

وعلى هذا النسق، يطلق نتنياهو كل يوم تصريحًا صحافيًا مستغلًا حدثُا ما، يهاجم فيه سلطة تطبيق القانون، ويمهّد لـ “لجنة غير محسوبة على طرف” لتحقق مع الشرطة والنيابة العامة، ويجند كل عبيده وخدمه للهجوم على سلطة تطبيق القانون فقط بسبب مخالفاته الجنائية وورطاته الشخصية، من خلال الكذب علنًا والتحريض الأرعن. (6)

المصادر:

(1) “القناة13”: https://bit.ly/3hUW0g2
(2) “القناة12”: https://bit.ly/3hWNFZk
(3) “واينت”: https://bit.ly/3cknNFA
(4) “معاريف”: https://bit.ly/32QAyEI
(5) “إذاعة الجيش”: https://bit.ly/3iX2Hj9
(6) “واللا”: https://bit.ly/2FHD0F3