مقدّمة العسّاس |

في هذه المادة، ترجمة لمقال يستعرض العوامل العشرة التي أثنت نتنياهو عن تنفيذ خطة ضم مناطق من الضفة الغربية المحتلة للسيادة الإسرائيلية، ووفّرت له مهربًا وذريعة للتراجع، بدءًا من الأميركيين الذين أدركوا أن “صفقة القرن” ستتسبب بخسارتهم للعرب، وصولًا إلى المستوطنين الذين فهموا أن هذه الخطة ستترك لهم أراضٍ أقل من التي منحهم إياها اتفاق أوسلو.

تتحدث المادة عن أبرز الأسباب والمتغيرات التي أدّت إلى فشل أو تأجيل تنفيذ قرار الضم في الضفة الغربية.

إعداد العسّاس | 

أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يوم 28 كانون الثاني 2020، عن خطته للسلام والعودة إلى طاولة المفاوضات تحت عنوان “صفقة القرن”، وعلى ضوء المعارضة الفلسطينية المتوقعة للخطة، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في ذات المساء، نيّته تنفيذ خطة ضم أحادية الجانب، وفي اليوم التالي، تم إحاطة الصحافيين أن خطة نتنياهو ستتأجل في هذه المرحلة على الأقل.

ماتت خطة نتنياهو للضم أحادي الجانب خلال الولادة، لكن الدفن النهائي جاء متأخرًا ثمانية أشهر، يوم 13 آب، عندما حصل نتنياهو على طوق نجاه مهم من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والحاكم الفعلي للإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد.

 

العوامل:

أولًا: أعلن الأميركيون خطة سلام وليس خطة ضم أحادية الجانب “صفقة القرن”، والصفقات عادة تشمل طرفين لإتمامها. وتحتاج هذه الصفقة تعاونًا من الدول العربية البراغماتية، إلا إنه عندما أدرك الأميركيون أن الضم أحادي الجانب سيفقدهم دعم هذه الدول وسيسجل الرئيس ترامب فشلًا دبلوماسيًا إضافيًا عوضًا عن تحقيق إنجاز يسجل كإرثٍ تاريخي له، اندثر حماسهم للضم أحادي الجانب.

ثانيًا: بالنظر إلى العرب: يتضح أن دعم خطة ترامب عربيًا كان العامل الأساسي لجلب الفلسطينيين لطاولة المفاوضات، وأوضحت الدول العربية بشكل قاطع أنها لن تدعم أي خطوة توافق على الضم أحادي الجانب.

ثالثًا: لم ينجح حزب كاحول لافان، شريك نتنياهو في الائتلاف الحكومي، بفرض حق النقض على خطة الضم، لكنه نجح باشتراط التنفيذ بالموافقة الأميركية، وفي ذات الوقت أعلن الأميركيون أنهم سيدعمون الخطة في حال حازت على إجماع الائتلاف الحاكم في “إسرائيل”، أي أنهم منحوا كاحول لافان حق النقض على قرار نتنياهو.

رابعًا: حذر وزيرا الخارجية والأمن، اللذان يملكان سجلاً عسكريًا رفيعًا، من مخاطر الضم وأنه قد يؤدي إلى انتفاضة ثالثة وحرب جديدة مع غزة، وأصغى رئيس الحكومة لهما بعناية، إذ لا يخيف أي رئيس حكومة إسرائيلية شيء أكثر من محضر يثبت أنه تم تحذيرهم من كارثة أمنية ولم يصغوا للتحذيرات.

خامسًا: الأردن من بين كل الدول العربية، تعتبر أكثر الدول حساسية لضم مناطق من الضفة الغربية، إذ أقلقت إمكانية انهيار اتفاق السلام من جهة، وزعزعة استقرار المملكة من جهة أخرى رئيس الحكومة الإسرائيلي. وعرقل قلقه من أن يسجل في إرثه كمن أفسد اتفاقية سلام من بين اثنتين تملكهما “إسرائيل” مع الدول العربية لتنفيذ خطة الضم.

سادسًا: كشف التعزّز في فرص المرشح الرئاسي جو بايدن بالفوز بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لنتنياهو، إمكانية تحول “الفرصة التاريخية” إلى “مهزلة تاريخية”. لا شك أن حكم الحزب الديمقراطي لن يتردد بإلغاء الاعتراف بالضم والعودة لقرار مجلس الأمن رقم 2234 والذي يحصر حدود دولة “إسرائيل” داخل حدود عام 1967.

سابعًا: فيروس كورونا وانشغال الرأي العام الإسرائيلي بأزمة انتشار الفيروس وما ترتب عليها من أزمات صحية واقتصادية واجتماعية، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن 4٪ فقط يرون أن الضم هو الموضوع الأساسي الذي يجب معالجته، ومع وجود نحو مليون عاطل عن العمل، وعجز ضخم في ميزانية الدولة، وشلل في قطاعات عديدة وانهيار للمصالح التجارية، يتوقع الإسرائيليون من القيادة التركيز على مكافحة فيروس كورونا ومعالجة الأزمات المترتبة عليه.

ثامنًا: الاقتصاد وتكاليف خطة الضم، وتغيير موقع الجدار، والتكاليف الأمنية الناتجة عن المواجهة العسكرية المحتملة، وتكاليف الخدمات التربوية والصحية والبنى التحتية في الضفة الغربية التي سيتوجب على “إسرائيل” تشييدها إذا ما تم حل السلطة الفلسطينية بعد الضم، واحتمال فرض عقوبات أوروبية، قد تصل هذه التكاليف مجتمعة إلى عشرات المليارات من الدولارات، تضاف إلى عشرات المليارات التي تثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي حاليًا بسبب أزمة كورونا.

تاسعًا: المستوطنون، إذ لم يلق الضم الجزئي استحسان نواة اليمين في “إسرائيل”، الذين يعتبرون الضم حجر أساس في أجندتهم السياسية، وأرادوا بسط السيادة على كامل الضفة الغربية وعارضوا بشدة قيام دولة فلسطينية كنتيجة للضم أحادي الجانب، وفجأة أدرك المستوطنون أن اتفاق أوسلو، الذي ينتقدونه جهارًا نهارًا، منحهم أراضٍ أكثر من خطة ترامب، وفي حال لم يثر اقتراح ترامب حماس المستوطنين، الذين يشكلون نواة قاعدته الشعبية، لماذا سيواصل الأميركيون دعم هذه الخطوة؟

عاشرًا: الأوروبيون، الذي يشكل حل الدولتين مبدأً أساسيًا لديهم، قبلوا بوجود إسرائيلي مؤقت في المناطق المحتلة عقب رفض الفلسطينيين العودة لطاولة المفاوضات على أساس الاحتياجات الأمنية لـ “الدفاع عن النفس ضد الإرهاب”، لكنهم أوضحوا بشكل قاطع أن الضم أحادي الجانب يخالف القانون الدولي وسيؤدي لتغييرٍ كبيرٍ في سياستهم اتجاه “إسرائيل”. وكشريكٍ تجاري لـ “إسرائيل”، يملك الأوروبيون وسيلة ضغط اقتصادية وسياسية فعالة.

حادي عشر: الخريطة: شمل إعلان خطة ترامب الكشف عن خريطة توضيحية، واكتشف الطاقم الذي عمل على ترجمة خريطة الحدود بنسبة 1:50,000 أن مهمتهم عسيرة وصعبة التنفيذ. إذ لا يمكن وضع حدود دون إخلاء أي مستوطنة والحفاظ على الشوارع والطرق بينهن، ودون فصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين، تؤدي الخريطة إلى دولة واحدة.

بالمجمل، أدرك رئيس الحكومة الإسرائيلية أن الضم أحادي الجانب ليس إلا سلاحًا سامًا مع تاريخ انتهاء صلاحية قصير نسبيًا، قد يصل حتى كانون الثاني 2021، ويمكن مقايضته بشيء أثمن بدرجات، عندما تم منحه عجل إنقاذ على شكل اتفاق سلام ثالث مع دولة عربية مهمة ومتقدمة، أدرك أن هذا الإرث أهم وأفضل بكثير من الضم. (1)

 

المصادر:

(1)”عاموس يادلين، القناة 12 الإسرائيلية”: https://bit.ly/322igjp