مقدمة العساس | لا تخلو معظم جوانب الحياة الفلسطينية من ذكرٍ أو وصفٍ للزعتر البري أو غيره من النباتات الطبيعية، باعتباره أحد أشهر الرموز الوطنية على مستوى الغذاء والتراث والثقافة، لذلك يُحاول الاحتلال الإسرائيلي تغيير هذا عبر قوانين تحظر على الفلسطينيين جمعه وقطفه بحجة حماية البيئة، بينما يحاول هو سرقته وضمه إلى ما يُسمى التراث الإسرائيلي، بهذا الشأن: كيف تسعى “إسرائيل” إلى السيطرة على الممارسات الثقافية الفلسطينية؟ وهل فعلًا هناك أساس علمي يؤكد احتمالات انقراض هذه النباتات؟
هذه المادة تتحدث عن المحاولات الإسرائيلية في سرقة أو إلغاء وجود الزعتر البري من حياة الفلسطينيين، عبر تطبيق قوانين حظر تستند إلى حجج بيئية وأبحاث علمية.
ترجمة العساس | في عام 1977 نشرت “إسرائيل” قائمة بالنباتات البرية المحمية، وكان الزعتر والميرمية ضمن النباتات التي يحظر قطفها، إضافة إلى الكثير من الزهور مثل شقائق النعمان والبرقوق، بينما في عام 2005 انضمّ إلى هذه القائمة العكوب بحجة تهديد الانقراض، وهو طعام شعبي في المجتمع الفلسطيني.
وتضم قائمة حظر القطف 257 نوعًا من النباتات المهدّدة بالانقراض، في حين ضمّ “الكتاب الأحمر” الصادر عام 2007، حوالي 414 نوعًا مهددّا بالانقراض بسبب التوسّع والبناء، وهناك تقاطع بين ما ورد في القائمة والكتاب بحوالي 66 نوعًا، وعلى رأسها الزعتر والعكوب.
(الكتاب الأحمر، أو القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض – صدر في “إسرائيل” لأول مرة عام 2007).
ويعتقد الكثير من علماء البيئة أن حظر قطف الزعتر غير مبرر، كون الثقافة الفلسطينية المتوارثة تضمن استدامته، فهو لا يقطف من الجذور بل تقطف سيقانه فقط، رغم ذلك ما زال قانون حظر الزعتر قائمًا حتى اليوم، وبناءً عليه كل شخص يُلقى القبض عليه وهو يقطف أو يبيع الزعتر أو حتى يُتاجر بأي كمية من النباتات البرية يسجن لثلاثة سنوات، إلا أنه عادة ما تستبدل العقوبة بغرامة مالية.
أما السلطات الإسرائيلية، فهي تحاول حثّ الفلسطينيين بمساعدة جهات رسمية على زراعة الزعتر ليحلّ محلّ الزعتر البري، إلا أن معظمهم يٌصرّ على قطف الزعتر البري بالطريقة المتوارثة التي تضمن استدامته، أو كفعل احتجاجي صامت ضد ما يرونه أنه سياسة معادية للفلسطينيين. (1)
عندما يبدأ موسم الربيع، يصبح مفتشو الطبيعة أكثر حيطة وحذرًا في منطقة وادي عارة، حيث ينمو نبات الزعتر بكثافة ووفرة، ويستعد الناس في فترتين من كل عام لحصاد هذا الموسم ضمن تقليد فلسطيني قديم يجد نفسه في صراع مع التشريعات الإسرائيلية بقانون يمنع قطفه.
وتتم معاقبة من يقطفون الزعتر بكميات تجارية تتجاوز الطن الواحد، بغرامة مالية تتراوح ما بين 750 شيكل حتى 10,000 شيكل، إذ في مناطق معينة يقطف الزعتر ليتم نقله إلى الأردن.
وحسب معطيات السلطات الإسرائيلية بين عامي 2010 – 2016، خالف القانون حوالي 780 شخص،إذ أدى تطبيق القانون بهذه الحالات إلى تضرر النباتات بشكل أكبر، إذ يتمّ قطف النبتة من جذورها بسبب الاستعجال أثناء القطف السريع المتعجل، وفي هذا الشأن تعمل هذه السلطات على تنظيم زيارات إلى المدارس العربية ضمن وادي عارة للتوعية ضدّ قطف هذه النباتات، عبر مرشديها الخاصين.
وترتكز سلطات حماية الطبيعة في فرضها لهذا القانون على بحث أجراه الباحث بن روزنبرج، عندما كان طالبًا جامعيًا في منطقة الروحة المهجّرة، حيث وجد أن الزعتر المقطوف لم يتجدّد، بينما الزعتر غير المقطوف قد تجدّد ونمى، وخلص بحثه إلى نتيجة مفادها أنه يجب الاستمرار بحظر قطف الزعتر من قبل سلطات حماية الطبيعة. (2)
محاولة الإسرائيليين لتصدير الزعتر :
يمنع الإسرائيليون قطف الزعتر، ومن جهة أخرى يصدرونه، فقد حاولوا المزاوجة بين الزعتر والأوريجانو أحد أكثر النباتات شيوعًا في أوروبا من أجل تسويقه في العالم الغربي، وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي أصبحت “إسرائيل” إمبراطورية عظمى في تصدير البهارات الطازجة بفضل الأصناف التي طوّرتها، كما أن المزارعين الإسرائيليين حاولوا تسويق الزعتر تحت مسمى ألاوريجانو، إلا أن ذلك كان صعبًا فالناس أرادوا ما اعتادوا عليه وفشلت المحاولة.
في الوقت الحالي، بدأت نتائج تسويق الزعتر بصورة أخرى، إذ ازداد الاهتمام العالمي في المطبخ الشرق أوسطي والمطبخ الإسرائيلي والفلسطيني على وجه الخصوص في السنوات الأخيرة، ما ساهم في انتشار الزعتر ضمن المطبخ الغربي.
كما أن “كلوستيانوس” وهو أحد أشهر متاجر التوابل والمواد الغذائية في العالم أصبح يُوفر الآن العشرات من أنواع الزعتر التي يعود أصلها إلى الشرق الأوسط، إضافة إلى وجود أنواع “إسرائيلية”. (3)
المصادر :
(1) هآرتس : https://bit.ly/2DUZQVm
(2) هآرتس : https://bit.ly/2J5F1Lm
(3) هآرتس : https://bit.ly/2DUZQVm