مقدمة العساس | بين الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها الاحتلال ونجاحات حركة المقاطعة المختلفة، يجد العامل الفلسطيني نفسه أمام معادلة صعبة، تتعلق بخسارته لمصدر رزقه في مصانع المستوطنات دون وجود بدائل فلسطينية تستوعبه وتدعمه، ودون وجود استراتيجية وطنية اقتصادية، وهنا تبرز الأسئلة: ما هو شكل الضرر غير المباشر الواقع على العامل الفلسطيني؟ وكيف يُوظّف الاحتلال هذه المعاناة ضمن دعايته لمحاربة حراكات المقاطعة؟ وما دور اتفاق باريس الاقتصادي في ذلك؟ 

هذه المادة المترجمة من أكثر من مصدر تُقدم جانبًا من نقاشات الاحتلال واستغلاله للأبعاد غير المرئية التي تقع على العمال الفلسطينيين مع نجاح مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية على مستوى واسع.

خاصّ العسّاس | مازال الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية يعتمد على الزراعة وبعض الصناعات القليلة مثل أحجار الرخام والبناء، ما يدفع 80 ألف فلسطيني للعمل في “إسرائيل”، إلى جانب عمل 25 ألف فلسطيني في المنطقة C من الضفة الغربية.

(بحسب اتفاقية أوسلو منطقة C تخضع للاحتلال مدنيًا وعسكريًا وإداريًا، وهي تشكّل 60% من أراضي الضفة الغربية).

فشلت المقاطعة الفلسطينية في الاستغناء عن البضائع الإسرائيلية وبضائع المستوطنات، وذلك لعدم وجود بدائل للمنتجات الإسرائيلية في السوق الفلسطيني، إضافة إلى تفضيل الكثير من الفلسطينيين للمنتجات الإسرائيلية التي تتطابق جودتها مع المعايير الدولية.

ويُفضل العديد من الفلسطينيين شراء المستلزمات المنزلية من مراكز التسوق الكبيرة في المناطق الصناعية الإسرائيلية والمناطق التجارية في الضفة الغربية، رغم افتتاح متاجر فاخرة خلال الأعوام الخمسة الماضية داخل المدن الفلسطينية.

وتستمد المصانع الاستيطانية في الضفة الغربية ميزتها الاقتصادية بشكل أساسي من القوى العاملة الفلسطينية، ومن أسعار الأراضي المنخفضة نسبيًا، ومن سهولة التصدير عبر الموانئ الإسرائيلية.

وقد تؤدي مقاطعة مصانع المستوطنات إلى بطالة آلاف العمال الفلسطينيين، عندما يتم نقل هذه المصانع إلى ضواحي المدن الإسرائيلية حيث تحظى بالمنافع الاقتصادية التي توفرها الحكومة الإسرائيلية، وتوظف العمال الإسرائيليين والمهاجرين، وهذا في ظل عدم تقديم السلطة الفلسطينية لأي بديل، ورغم حصولها على مبالغ مالية هائلة، فهي لم تطوّر أي منطقة تجارية أو صناعية ليعمل بها الفلسطينيون.

وتقع هذه المصانع في مستوطنات مثل شاحاك قرب جنين شمال الضفة الغربية، وكيدوميم، وايمانويل، وألون موريه، وكيرن شمرون، وأرئيل، وباركان، بجانب طولكرم وقلقيلية، وفي القدس هناك عطروت أدوميم، وفي الخليل يوجد غوش عتصيون، وترقوميا، وكريات عربة.

أمّا في منطقة بيت لحم، أقامت فرنسا منطقة صناعية تصدر البضاعة إليها وإلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا يوجد فيها غير أربعة مصانع لا تشغل سوى المئات من الفلسطينيين، بينما في الأغوار الفلسطينية ضمن مدينة أريحا تبرعت حكومة اليابان ببناء منطقة صناعية لتصنيع كل ما يخصّ الزراعة المشتركة بين الأردن والضفة الغربية، وتُشغّل المنطقة في الوقت الحالي أقل من ألف فلسطيني.

ويعتبر تشغيل الفلسطينيين مصلحة أمنية إسرائيلية بالدرجة الأولى، ما يُساهم في منعهم من القيام بانتفاضات وثورات وعمليات فدائية في “إسرائيل”، ومن ناحية ثانية تشغيل الفلسطينيين في مصانع المستوطنات يٌعيق ويحد من تطوّر المصانع الفلسطينية، وبالتالي يعرقل نموّ الاقتصاد الفلسطيني ويستبعد فكرة تحرّره من الاحتلال.

ومنذ اتفاق أوسلو عام 1993، سعت المؤسسة الإسرائيلية إلى تعزيز الرخاء الاقتصادي الفلسطيني، بهدف التأثير على الرأي العام الفلسطيني والعربي، ودفعه إلى التعاون المشترك مع “إسرائيل” من أجل الرخاء والمعرفة والعلم والتطوّر.

بينما في عام 1994، تم توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية بين السلطة و”إسرائيل”، لاستقلال الاقتصاد الفلسطيني وربطه بالاقتصاد العالمي، ومازالت دول العالم تتبرع للسلطة الفلسطينية من أجل النهوض بالاقتصاد، إلا أن السلطة غير متحمسة لهذه الفكرة، إضافة للقيود البيروقراطية التي لا تتيح ذلك. (1)

 العمال الفلسطينيون:

عندما تركت شركة بيغلي العمل في المنطقة الصناعية الاستيطانية بركان، فقد 150 فلسطيني مكان عملهم، وعندما أقدمت شركة مولتلوك على نفس الخطوة فقد 200 عامل فلسطيني مكان عملهم كذلك.

ويوجد في المنطقة الصناعية الاستيطانية بركان 14 مصنعًا يُشغّل حوالي 20 ألف فلسطيني، أمّا المنطقة الصناعية الاستيطانية في القدس، ميشور أدوميم، وعطروت يوجد فيها 780 مصنعًا يُشغل 12 ألف فلسطيني.

وتختار الكثير من المصانع هذه المناطق لأن الأراضي فيها رخيصة وتتميز بإعفاء من ضريبة الأملاك، كما تشكّل هذه المصانع عامل جذب للعامل الفلسطيني لأن الأجور فيها أعلى من متوسط الأجور الفلسطيني.

يذكر أن هذه الأجور تعتبر إسرائيليًا ضمن ما يسمى الحدّ الأدنى من الأجور التي لا تسدّ رمق العيش هناك، إضافة لبعض الميّزات التي يحصل عليها العمّال مثل الحقوق العمالية والاجتماعية واستراحة الصلاة، إذ تعد هذه المصانع بمثابة مصدر الرزق لهؤلاء العمّال. (2)

في الوقت الحالي، يعمل حوالي 32 ألف فلسطيني في قطاع البناء والخدمات في المستوطنات والمناطق الصناعية، وهذا ليس بدافع إنساني إسرائيلي، بل هناك دوافع أمنية متعلقة بكبح كل انتفاضة شعبية محتملة، إضافة لانخفاض تكلفة العامل الفلسطيني مقارنة بالإسرائيلي الذي يرفض العمل في الوظائف التي يقوم بها الفلسطينيون. (3)

وفي حال منع العمل أو إغلاقه في المستوطنات، سينضم آلاف العمّال الفلسطينيين إلى صفوف البطالة، إلا أن السلطة الفلسطينية في عام 2010 وعدت بتقديم مساعدات للعوائل المحتاجة وبناء شقق سكنية للأزواج الشباب وإنشاء أماكن عمل تستوعب 14 ألف عامل فلسطيني في بيت لحم وجنين، كما تفيد وزارة الاقتصاد الفلسطينية أنه بحال استطاعت رفع نسبة الإنتاج المحلي لما يقارب الـ 40% سيتوفر من 50-60 ألف فرصة عمل. (4)

المصادر :

(1)  المركز اليورشلمي للشؤون المدنية والسياسية : https://bit.ly/2Mx5lMJ
(2) ذماركر : https://bit.ly/2Yv0R1P
(3) جلوبس : https://bit.ly/2Mq0GOY
(4) واللاه : https://bit.ly/2OpMRCX

 

View this post on Instagram

 

A post shared by العسّاس (@alassasnet) on