مقدمة العساس | على طول التاريخ الأميركي، كان التشكيك العلني بجدوى دعم “إسرائيل” بمثابة الانتحار السياسي لأي شخصية بمنصب قيادي، ومع عودة الجمهوريين للحكم يبدو أن البديهي هو تعزيز تلك المكانة الإسرائيلية، إلا أن خطاب ترامب الحاد والعنصري ونتيجة الانتخابات النصفية، ربما جعلا انتقاد “الحليف الأقرب” مباحًا.

هذا المقال المترجم عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي، يتحدث عن الخطاب السياسي الأميركي الجديد، وتأثيره المُتعدد والمُتغير على “إسرائيل”.


ترجمة العساس | على ضوء الخطاب السياسي العام والمتنامي في أمريكا، وعلى إثر تصريحات النائبين في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي إلهان عمر، ورشيدة طليب، اجتمعت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك” مع اللوبي الصهيوني الداعم لـ “إسرائيل”، في العاصمة الأمريكية واشنطن.

وتشير هذه الأحداث إلى توجهات وتغييرات دراماتيكية على المستوى الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وتظهر على الأثر الذي تتركه على اليهود في أمريكا و”إسرائيل”.

وعرفت الولايات المتحدة الأمريكية استقطابا حادًا حول اختلافات الهوية، وبات يرافق الخطاب السياسي أحيانًا ألفاظا عنيفة موجّهة صوب النخب التقليدية والمؤسسات التي تمثّل النظام القائم، في ظل انهيار مبدأ التوافق بين الحزبين على الدستور والسياسة.

كما توفر هذه الأجواء منصة لإيقاظ نعرات معادية للسامية من اليمين، ودعوات للمقاطعة من اليسار، وكل هذا يختلط مع النقد المكثف للسياسة الإسرائيلية في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتعاملها مع قضايا العرب داخل الخطّ الأخضر، وكذلك على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بشكلٍ عام.

في فترة حكم ترامب، ازداد حضور هذه الاتجاهات بسبب خطاب الرئيس الأميركي وأسلوبه وانتقاداته تجاه مجموعات عرقية ومؤسسات أمريكية، وتفضيله لأنصاره على مبدأ الدولة، كما أن الخطاب الأمريكي السياسي العام المشحون ليس حصريًا على ترامب وداعميه من المحافظين، بل أنه أثر أيضًا على خطاب على خصومه في الجانب الأيسر من الخريطة.

وتتميز موجات الاحتجاج ضدّ ترامب باتحاد جماعات أقلية مختلفة صاحبة أجندات سياسية متنوعة على جبهات مشتركة، وتسمى هذه الظاهرة بالتقاطع (intersectionality)، وهي أيضا المنبر الرئيسي لجماعات نزع الشرعية عن “إسرائيل”.

ودرج الاعتقاد على أن هذه الجماعات كانت هامشية في أمريكيا، إلا أنه مع انتخاب إلهان عمر ورشيدة طليب للكونغرس، ظهرت هذه الجماعات بقوة ونفت هذا الادعاء.

في ظل ذلك، بدأ الاستقطاب الأمريكي الصاعد بالتشكيك في دعم “إسرائيل”، الذي كان على مرّ السنين موضع الإجماع عام بين الجمهوريين والديمقراطيين، لكن من المبكّر جدًا تقييم هذه الظاهرة وتأثيرها على الواقع.

وتشير الدراسات والأبحاث والاستطلاعات المعمقة إلى أن الجالية اليهودية التي تشكّل 2% فقط من السكان، تدعم الحزب الديموقراطي بـ 70% من نسيجها الإجمالي، كما أن مسألة دعم “إسرائيل” لم تكن من الاعتبارات المهمة في التصويت حتى الآن.

في مارس/ آذار 2019، أجرى معهد “جلوب” استطلاعًا لفحص الفجوة بين الأحزاب في مسألة دعم “إسرائيل”، إذ تراوحت النسبة بين 25% و29% بين أطراف الناخبين بالحزب الديمقراطي والجمهوري، وتم تقسيم مؤيدي الأحزاب إلى أربع مجموعات وهي: مجموعة الديمقراطيين الليبراليين، والديمقراطيين المعتدلين، والجمهوريين المعتدلين، والجمهوريين المحافظين، وكانت هناك فجوة هائلة تشكّل نسبة 81% من داعمي “إسرائيل” من طيف الحزب الجمهوري المحافظ مقابل 3% فقط من الحزب الديمقراطي الليبرالي.

وقد تجبر هذه الفجوات في صفوف الحزب الديمقراطي، مؤيدي الحزب اليهودي في المستقبل غير البعيد على الاختيار بين الحزب كموطن سياسي وأيديولوجي وبين دعمهم لـ “إسرائيل”، ومثال ذلك هو المعضلة التي تواجه اليهود البريطانيين الذين يدعمون حزب العمل، بسبب تنامي معاداة السامية ومعاداة الصهيونية فيها.

آثار هذه التطوّرات المهمة على “إسرائيل”

ترتبط الحكومة الإسرائيلية إلى حدٍ بعيد بسياسة الرئيس ترامب، وتجد صعوبة في حفظ علاقتها مع الحزب الديمقراطي وممثليه، ومما لا شكّ فيه أن علاقات العمل بين واشنطن و”إسرائيل” تعتبر ثروة بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي، إلا أن الارتباط الكامل مع واشنطن يصعب على “إسرائيل” في علاقاتها مع الخصوم الكثيرين لترامب في أنحاء العالم، وفي الولايات المتحدة نفسها وبين أوساط الجالية اليهودية هناك.

وتفاقمت هذه الصعوبة مع اكتشاف نبرات معادية للسامية في اليمين، والتي رفض ترامب إدانتها في أحداث “شارلوتسفيل” 2017، إذ يشعر أفراد من المجتمع اليهودي في أمريكا أن أحداث كنيس بيتسبورغ 2018، هي نتاج لمعاداة السامية التي عادت ورفعت رأسها في عهد رئاسة ترامب.

وتعود جذور الفجوة المتفاقمة بين اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، إلى الانقسام السياسي بوجهات النظر على المستوى الديني والقيم السياسية، أمّا على المستوى الديني فقد تتضرر غالبية اليهود من غير الأرثوذكس، أي ما نسبته 90% من اليهود في أمريكا، من عدم اعتراف “إسرائيل” بيهوديتهم، بينما على المستوى السياسي هناك انتقادات كثيفة من اليهود الأمريكيين، الذين غالبيتهم من الليبراليين، على الإجراءات غير الليبرالية وغير الديمقراطية بنظرهم التي تنتهجها “إسرائيل” مثل قانون القومية، وسياستها تجاه الصراع الفلسطيني.

ومن أجل الحفاظ على هذه الأمور الحيوية، يجب على الحكومة الإسرائيلية الابتعاد عن التدخّل بالعلاقات الأميركية الداخلية، كما يجب تعزيز قنوات الحوار مع الحزب الديموقراطي وممثليه، والحفاظ على علاقات وثيقة مع الحزب الجمهوري.

كما تحتاج “إسرائيل” ومؤيديها في الولايات المتحدة إلى نشاط مكثف يعزز الدعم والتعاون مع الجماهير الشابة الليبرالية التقدمية، ومع المجتمعات النامية الهامة، بما في ذلك تلك التي من أصل إسباني والأميركيين من أصل أفريقي، وتعتبر هذه البنية التحتية مطلوبة للحفاظ على الدعم الثنائي في “إسرائيل”، وكوسيلة لمكافحة معاداة السامية وإلغاء الشرعية عن “إسرائيل”.

وعلى “إسرائيل” أيضًا قيادة جهد مشترك مع الجالية اليهودية الأمريكية لتطوير العلاقات، مع التركيز على اليهود الشباب الليبراليين الذين تضعف علاقاتهم بـ “إسرائيل”، وغالبًا ما ينتمون إلى الجالية اليهودية.

إضافة إلى ذلك، تتطلب عملية صنع القرار في “إسرائيل” سواء كانت الخارجية أو المحلية، دراسة أولية للآثار المتوقعة على هذين الأمرين الحيويين.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي
العنوان الأصلي للمادة:الولايات المتحدة تتغير: وتداعياتذلك على إسرائيل
تاريخ النشر:17.04.2019
الرابط:https://bit.ly/2IGNPpP