مقدمة العساس | يعرفُ الاحتلال الإسرائيلي أنه يستطيع الهرب من المسؤولية والعقاب الدولي دون جهدٍ كبير، لذلك يرتكب الجرائم المختلفة ضد الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، دون الالتفات إلى العواقب، ولا تعتبر مسيرة العودة على حدود قطاع غزة الاستثناء، حيث ارتكب الاحتلال جرائم القتل المباشر ضد المتظاهرين السلميين.

هذا المقال المترجم عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي، يتحدث عن تقرير لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان الأممي، في أحداث إطلاق النار على المتظاهرين في مسيرات العودة على حدود قطاع غزة.


ترجمة العساس | في الـ 25 فبراير/شباط 2019، نشرت منظمة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تقرير لجنة التحقيق بحوادث إطلاق النار لقمع المتظاهرين على سياج قطاع غزة بتاريخ مارس/آذار 2018، حينها لم تتعاون “إسرائيل” مع التحقيقات، ولم يُسمح للبعثة الأممية بالدخول إلى غزة.

ويعزز هذا الاعتقاد القوي بأن إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي على متظاهري السياج، كان في الإطار الخارج عن القانون ضمن الغالبية العظمى من الحالات، وحتى من المحتمل أن يرقى إلى جريمة حرب أو جريمة ضدّ الإنسانية.

وحسب التقرير، تقع المسؤولية على كل من أطلق النار، بمن فيهم ضباط المنطقة، ومن صاغ ووافق على أمر الإطلاق، كما يرد في التقرير أسماء من نفذوا الخروقات، إذ تم طلب تحويل هذه المعلومات والتقرير الكامل ومواد إضافية، إلى محكمة الجنايات الدولية، حيث ستجري تحقيقات أولية حول الجرائم التي ربما كانت قد حصلت في قطاع غزة.

ويدعو التقرير الدول إلى ممارسة السيادة القضائية في أراضيها فيما يتعلق بالجرائم الموصوفة، والنظر في فرض عقوبات، بما في ذلك منع السفر وتجميد الممتلكات، على أولئك الذين عُرِف تورطهم بهذه الجرائم.

وتتعلق الأحداث بمظاهرات مدنية ذات أهداف سياسية، ورغم العنف الذي رافقها، إلا أنها ليست جزءا من حرب عسكرية، وعليه فإن الإطار القانوني لها يكون بتطبيق قوانين حقوق الإنسان، التي تدعو لاستعمال القوة القاتلة فقط في حالة الدفاع عن النفس، أو أمام خطر آني بظرف ثوانٍ، وليس بظرف ساعات.

وتُقر اللجنة أنه عندما يتعلق نشاط القتال بالنزاع المسلح بين الجانبين، يمكن تبرير استخدام القوة المميتة ضد المشاركين المباشرين في الأعمال العدائية، حتى في حالة عدم وجود تهديد فوري بموجب القانون الإنساني الدولي (قوانين النزاع المسلح).

ويرصد التقرير 189 حالة استشهاد، منهم 183 بالرصاص الحيّ، و300 إصابة بالرصاص الحيّ، و6103 جراء الرصاص الحيّ خلال المظاهرات، إضافة إلى مقتل جندي إسرائيلي، وإصابة أربعة آخرين وتضرّر بالممتلكات نتيجة بالونات النار.

ويؤكد التقرير الأممي، أن استعمال الرصاص الحيّ غير قانوني، باستثناء حالتين فقط تتعلقان بإطلاق نار تجاه جندي، وهجوم بسكين، مضيفًا أن النيران أطلقت من مسافات بعيدة على متظاهرين مدنيين لم يشكلوا أي خطر، وأن القناصة استهدفوا الأطفال والطواقم الطبية وصحافيين وذوي إعاقة، بالرغم من معرفتهم المسبقة أن هذه المجموعات تحظى بحماية خاصة.

يُجمل التقرير أن إطلاق الرصاص الحي هو خرق للحق في الحياة ضمن حقوق الإنسان ومبدأ التمييز في القانون الدولي الإنساني الذي يحظر إيقاع الأذى بالمدنيين.

وكذلك يشير التقرير إلى أن من الضحايا 29 شخصًا ينتمون إلى القوات المسلحة الفلسطينية، لكن هذا لا يبرر قتلهم لأنهم كانوا منخرطين بنشاط مدني وليس بنشاط عسكري، كما أن إطلاق النار تجاه من يسموا “محرضين أساسيين” يشكل استثناء في الظروف المصدق عليها باستخدام السلاح القاتل، حيث لا يوجد في القانون الدولي شيئًا كهذا، ولكن التقرير لا يشتمل على تفصيل قانوني لهذا.

ويرد التقرير أن “إسرائيل” أجرت عدة تحقيقات، منها خمسة جنائية، لكنها يجب عليها فتح تحقيقات للحالات الأخرى، وهذا في ضوء فشلها في تحمل مسؤولية الأحداث التي وقعت في العمليات السابقة، وبعد التصريحات التي أدلى بها كبار المسؤولين الإسرائيليين، هناك حالة من الشك حول استعداد “إسرائيل” للتحقيق في عمل الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية المسؤولة عن أوامر إطلاق النار، بالإضافة لذلك لا تعوّض “إسرائيل” الضحايا وتعرقّل وصولهم لأخذ حقهم من المحاكم الإسرائيلية.

يتطرّق التقرير إلى حصار قطاع غزة وآثاره الإنسانية، وانهيار قطاع الصحة وعدم القدرة على علاج المصابين، والقيود التي وضعتها مصر و”إسرائيل” على خروجهم لتلقي العالج، ويدور الحديث هنا عن خرق حق الإنسان بكرامة العيش، وتهرب “إسرائيل” من مسؤوليتها تجاه غزة.

وكذلك تم انتهاك حق الإنسان في التعبير عن رأيه وحقّه في التظاهر، ووثيقة حقوق الطفل وحماية الطواقم الطبية والصحفية في الحرب، أمّا بالنسبة إلى حركة حماس، فإن التقرير يتعلق بالملاحظة التي مفادها أن أعضاء اللجنة المنظمة للمظاهرات، بما في ذلك حماس، شجعوا على استخدام البالونات الحارقة، وأن السلطات في غزة فشلت في الوفاء بالتزامها بمنع استخدام هذه الأدوات.

موقف “إسرائيل”:

عرضت “إسرائيل”، التي لم تتعاون مع لجنة التحقيق، موقفها على الملأ في وثائق يمكن الوصول إليها، في موقع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وفي الأوراق المقدمة للمحكمة العليا.

وحسب ما هو مذكور، فإن أوامر إطلاق النار كانت متوافقة مع الأحكام المطبقة على حالات إنفاذ القانون، مع الإشارة إلى وجود نزاع مسلح بين “إسرائيل” وحماس، إذ لم تسمح الأوامر بإطلاق النار القاتل على المتظاهرين إلا في حالة أن أعمال الشغب العنيفة تسببت في خطر حقيقي وفوري على الجنود الإسرائيليين.

وتدعي “إسرائيل” أنها سمحت بإطلاق النار على أقدام المتظاهرين، أو إطلاق النار المميت على عناصر تنتمي لحركة حماس، في أحداث كتدمير السياج، وإطلاق البالونات الحارقة، ورمي العبوات الناسفة.

وفي هذا الشأن تدعي “إسرائيل” أنه من الخطأ النظر إلى هذه التظاهرات كتظاهرات مدنية، بل هي أعمال شغب عنيفة توجهها حماس، التي تدير نزاعًا مسلحًا مع “إسرائيل” على طول السياج مع غزة.

وتنبع الفجوة العميقة بين الموقف في التقرير وبين الموقف الإسرائيلي، من أن التقرير يتبنى وجهة نظر الضحايا الفلسطينيين، إذ يصف الأحداث بأنها مظاهرات مدنية لا تبرر استخدام القوة، دون الإشارة إلى الواقع المعقد للأحداث، سيما أنه لا توجد إشارة إلى النزاع المسلح بين “إسرائيل” وحماس، وأن ما يجري على السياج يتم بمشاركة عناصر من حماس.

المصدر: معهد أبحاث الامن القومي
عنوان المادة الأصلي: قطاع غزة وإسرائيل: تقرير لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
تاريخ المادة الأصلي:12.03.2018
رابط المادة الأصلي:https://bit.ly/2U8NjqK