مقدمة العساس | الردع الإسرائيلي لغزة | في صيف 2019، ستمر السنة الخامسة على آخر مواجهة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي مع قطاع غزة، وخلال هذه الفترة جرت العديد من الأحداث المصحوبة بحالات التصعيد المحدودة، والتي كان الرد الإسرائيلي فيها متوقعًا في معظم الأحيان، وذلك بالرد على أي صواريخ تطلق تجاه الأراضي المحتلة، مع الحرص على عدم التدحرج إلى حرب جديدة.

هذا المقال المترجم عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي، يناقش أساليب الردع الإسرائيلي تجاه قطاع غزة، ومدى فاعليتها تجاه المقاومة الفلسطينية مؤخرًا.


الردع الإسرائيلي لغزة

ترجمة العساس | تسبب إطلاق صاروخي فجر أو M-75 صوب تل أبيب في 14 مارس/أذار 2019 بحالة من الذهول لمسؤولي الأمن في “إسرائيل”، رغم أن التقديرات بشأن التصعيد مع حماس قبل الانتخابات التي ستجري بـ 9 أبريل/نيسان، كانت واردة على جدول الأعمال، وكذلك بعد مرور عام ونصف على مسيرات العودة والأحداث على سياج غزة.

ومع ذلك أُطلقت الصواريخ في خضم الوساطات المصرية بين حماس و”إسرائيل” بشأن تطبيق المرحلة المقبلة من التفاهمات، وسط نفي جميع الفصائل في قطاع غزة مسؤوليتها من العملية، إلا أن إطلاق صواريخ يصل مداها إلى 75 كلم، يعتبر إمكانية لا تمتلكها إلا حماس والجهاد الإسلامي، سواء كانت من نوع “فجر” أو “M75”.

ويعمل الجهاد الإسلامي بشكل مستقل في معظم الأحيان، وتم توجيهه في أحيانٍ أخرى من قبل قوات القدس الإيرانية، ويمكن التشكيك في مصداقيته حول إطلاق الصواريخ، لأن تحمّل المسؤولية سيعزّز صورته القتالية التي يفتخر بها، بينما حماس أخذت الحيطة وأخلت مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، إلا أنه بعدما كشف الجيش الإسرائيلي بأن هذه الصواريخ لحماس، تغيّرت التصريحات الرسمية، وأبلغت عن خطأ من القيادة أو عطل فني.(أبلغ قائد حماس في قطاع غزة يحيى سنووار، الوفد المصري أن الصواريخ أطلقت عن طريق الخطأ).

وتفهم قيادة حماس أن “إسرائيل” غير معنية بالتصعيد، على الأقل قبل الانتخابات الإسرائيلية، ومع ذلك يعتبر إطلاق الصواريخ صوب تل أبيب بمثابة الخرق الخطير لقواعد اللعبة المقبولة بين الأطراف في ظلّ الظروف الحالية.

تفسيران لإطلاق الصواريخ

يُرجّح التفسير الأول أن ما حدث هو بالفعل نتيجة خطأ في سلسلة القيادة والسيطرة، أو فشل في صيانة الصواريخ، إذ حدث الإطلاق عندما ناقش قادة حماس مع وفد مصري تمديد التهدئة، على عكس الهدوء الذي تميز به الأسبوع السابق لإطلاق الصواريخ، وبسبب ذلك وافقت “إسرائيل” على التعاون مع الجهود المبذولة لتحقيق التهدئة على الأمد الطويل.(بعد الضغط المصري، انحسرت المظاهرات الليلية على طول السياج وألقيت بالونات حارقة أقل على “إسرائيل”).

في حين تصطدم أهداف ورغبات الطرفين، تدّعي “إسرائيل” ضرورة استقرار قطاع غزة وإعادة تأهيله وتوسيعه، بينما تعمل حماس وفقًا لمنطق عملياتي على التصعيد والمجازفة مع “إسرائيل”، وعلى ما يبدو أن هذه القطبية الظاهرة تعبّر عن توترٍ داخلي بين القيادة السياسية التي تريد التسوية، والجناح العسكري الذي يقول إنه فقط بالقوة ستحقق حماس أهدافها.

أمّا التفسير الثاني، يُرجح صعوبة تصديق إطلاق صواريخ استراتيجية دون علم أو مبادرة قيادة الحركة، ومن هنا يُثار الشك في أن حماس أعدت قاذفات الصواريخ “محملة وجاهزة للإطلاق”.

ما يميز حماس عن غيرها، أنها تستخدم النار كأداة لإجراء مفاوضات مع “إسرائيل” من خلال وساطة مصرية، وفي حادث شبيه عام 2018، أطلق نشطاء حماس صاروخين صوب بئر السبع، وغوش دان شمال تل أبيب، وهذا قبيل انتهاء صلاحية الإنذار للموعد الذي حدده السنوار لإنهاء الحصار.

بينما تلعب المظاهرات واسعة النطاق التي قام بها سكان مخيمات اللاجئين في قطاع غزة ضد تكاليف المعيشة والفقر، دورًا محفزًا لإطلاق الصواريخ، وهذا ما يدفع للاعتقاد بأن حماس اختارت تحويل الغضب العام والاحتجاج نحو “إسرائيل”.

اقرأ أيضًا.. اعترافات قناصة الاحتلال: مسابقة تفتيت الرُكب!

على الرغم من أن تصريحات الجيش الإسرائيلي حول إطلاق الصواريخ إلى غوش دان كان بالخطأ، فإن الرد العسكري بيّن أن “إسرائيل” تعتبر حماس مسؤولة عن كل ما يحدث داخل وخارج قطاع غزة، وبحسب الناطق باسم جيش الاحتلال، هاجم سلاح الجو الإسرائيلي حوالي 100 هدف في قطاع غزة خلال نفس الليلة.

وفي اليوم التالي، بعد الضربات الإسرائيلية والتهدئة المصرية، قررت اللجنة الوطنية العليا وقف الأنشطة وتعليق مسيرة الجمعة على حدود قطاع غزة، وأوضح الناطق باسم الجهاد الإسلامي داود شهاب أن هناك اتصالات بين الفصائل الفلسطينية والمصريين خلال الليل، وأن الفصائل استجابت بشكل إيجابي لجهود مصر الرامية إلى وقف إطلاق النار، وأنها ملتزمة به طالما أن “إسرائيل” “أوقفت عدوانها”.

تقديرات

يعتبر إطلاق الصواريخ والردّ الإسرائيلي بمثابة الدليل أن حماس ما زالت متمسكة بسياسة التحدي والتصعيد، وتملي على “إسرائيل” قواعد اللعبة، وعليه فإن استراتيجية الردع الإسرائيلي لغزة قد استنفدت نفسها.

وتؤسس هذه الأحداث لتقدير يشير إلى أن كلما شعرت قيادة حماس بالتهديد أو الضغط، فإنها تعمل على تصدير “العنف”، نحو “إسرائيل” انطلاقًا من التقدير بأن القيادة الإسرائيلية لا تسعى جاهدة لإسقاط حكمها وتفكيك المنظمة من قدراتها العسكرية، وفي ظل أن غرض عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة تتركز على تعزيز الردع، وهذا يُحتم على “إسرائيل” القيام بفحص شامل لطرق عملها، من أجل تغييرها.

في الوقت الحالي، تتجه السياسة الإسرائيلية الحالية إلى الاحتواء والتهدئة، من خلال تخفيف الحصار وتعزيز سياسة الردع تجاه حماس، ويبدو أن خيار عودة فتح إلى السيطرة على غزة مازال قائمًا، ومن أجل التعامل مع هذه المشكلات تواجه “إسرائيل” خيارين متطرفين:

الأول، هو فكّ ارتباط غزة بالضفة و”إسرائيل”، مع إزالة الحصار وفتح طريق بحري إلى غزة ليس عبر “إسرائيل”، إضافة لفتح المعابر من الجهة المصرية تحقيقًا لهذا الهدف، ويجب تخفيف معارضة القاهرة من خلال حزمة مساعدات اقتصادية دولية واسعة، وإطلاق مشاريع في شمال شبه جزيرة سيناء تخدم كل من مصر وسكان قطاع غزة.

على كل حال إذا بقي المعبر المصري مغلقًا، يتعين على “إسرائيل” إنشاء ميناء بحري لغزة يُدار بواسطة آلية دولية، مع مرور البضائع عبر ميناء قبرص أو العريش، حيث ستجرى معظم عمليات التفتيش الأمني للحدّ من خطر تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة.

أمّا الخيار الثاني، فهو حملة عسكرية لإنهاء الجناح العسكري لحركة حماس وباقي الفصائل، ويشمل ذلك مناورات برية في العمق الغزي، وإلحاق أضرار بالبنية العسكرية التحتية للأنفاق والصناعات العسكرية، وسيكون هدف هذه الحملة: إلغاء حكم حماس وتجريد أراضي السلطة الفلسطينية من السلاح.

حاليا، بدأ تنفيذ ذلك في الضفة الغربية، وبحسب صفقة القرن سوف يعود القطاع لحكم السلطة في الضفة، كما تشمل الصفقة تجنيد أموال لإعادة إعمار غزة، بينما تنطوي كل خطوة عسكرية محتملة على وقوع العديد من الإصابات بكلا الجانبين “الإسرائيلي” والفلسطيني، لذلك سيتطلب الأمر موافقة “إسرائيلية” عامة.

توصيات والتخلي عن الردع الإسرائيلي لغزة

على الحكومة الإسرائيلية التخلي عن سياسة الردع ضدّ حماس، والسعي إلى تغيير السياسة تجاه قطاع غزة من أجل تغيير الوضع في المنطقة من الألف إلى الياء، ولكلا الخيارين يجب أن تكون “إسرائيل” مستعدة لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد القوات العسكرية لحماس وتغيير قواعد اللعبة التي تأسست في السنوات الأخيرة، كما يجب صياغة آليات دولية لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي لتفكيك قوات حماس أو انهيار نظامها.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي
عنوان المادة الأصلي: استفاذ استراتيجية الردع ضد حماس
تاريخ نشر المادة:18.3.2019
رابط المادة:https://bit.ly/2Fp6t3z

 

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

A post shared by العسّاس (@alassasnet) on