مقدّمة العسّاس| الرياضة والصهيونية | بعد قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي ظهرت الحاجة لرأب الصدع الموجود بين كل المجموعات السكانية اليهودية المهاجرة إلى فلسطين من كلّ دول العالم، فلعبت الرياضة إلى جانب أدوات ثقافية أخرى دوراً وظيفياً في صهر هؤلاء اليهود في بوتقة هوية قومية واحدة، وكذلك استخدمت الرياضة كقناة دعائية في العالم. تغطي هذه المادّة البحثية المترجمة هذه المسألة المهمة.
ترجمة العسّاس| أدى قيام دولة “إسرائيل” إلى تحوّل بالفكر الصهيوني. الحركة الصهيونيّة، التي كانت حتى ذلك الوقت حركة قومية، تسعى للإقناع بصحّة وصواب طريقها لحل الأزمة اليهوديّة وتعريف الهويّة اليهوديّة، نجحت تقريباً بتحقيق حلمها، وهي إقامة الدولة اليهوديّة على أرض إسرائيل (فلسطين). وبعد ذلك أخذ الفكر الصهيوني شكلاً مغايراً عمّا كان عليه.
الصهيونيّة التي تركزت طوال الوقت بصراع التيارات اليهوديّة الأخرى وفي صراعات سياسيّة داخليّة من أجل تحقيق هدف إقامة “إسرائيل”، تحوّلت إلى الأيديولوجيّة الرسميّة “لإسرائيل”، وأصبح عليها مواجهة تحديات جديدة على الصعيد الداخلي، ترتبط بسيرورة بناء الدولة، وعلى الصعيد الخارجي أيضًا، المرتبطة بمكانتها كدولة أمام العالم وأمام يهود العالم. فكانت الرياضة إحدى السبل والطرق التي استعملتها إسرائيل للتعامل مع هذه التحديات.
كانت”إسرائيل” عمليا دولة مهاجرين وصلوا إليها بسبب ضائقة حلّت بدولهم. في المستوطنة التي حوت عشية حرب الاستقلال (النكبة) 600 ألف يهودي استوعبت في الـ 15 سنة الأولى لقيام “إسرائيل” مليون و200 ألف يهودي من عدّة دول. وكان الهدف الرئيسي لمؤسسات دولة “إسرائيل”، تشكيل هوية فكريّة مشتركة لكلّ المركبات السكّانية المختلفة وصهرهم في بوتقة واحدة، لإنتاج هوية “إسرائيلية”-يهودية، تستند لمركبات مختلفة مثل الهوية القومية الإسرائيلية الجديدة. وعليه كانت السنوات الأوّلى لقيام “إسرائيل” هي سنوات تعبئة ثقافية في مختلف المجالات: الأدب، الفنّ على أنواعه، مناهج دراسية -خدمت الغرض الإيديولوجي لـ “إسرائيل”.
اقرأ أيضًا.. آيخمان: الصهيونية تُحاكم النازيّة
الرياضة والصهيونية
لم تحظى الرياضة قبل قيام “إسرائيل”الدولة بمكانة عالية في سلم الأولويّات. وبالمقارنة، مع أمور أخرى، مثل استيعاب المهاجرين، القضايا الخارجية والأمن، لم تتغيّر مكانة الرياضة كثيرًا بعد قيام “إسرائيل”. ومثل بقيّة الأمور التربويّة والثقافيّة الأخرى، تحوّلت الرياضة لأداة تصميم قومية وفقًا لكونها محرّك للتضامن القومي. يساهم الرياضيون الإسرائيليون الذين يحملون علم “إسرائيل”، ويقومون بغناء نشيدها الوطنيّ ويتنافسون بشكل متساوٍ مع الرياضيين من بقية دول العالم، في رفع الفخر القومي وتكوين التضامن الجماعيّ التكامليّ والذي يتجاوز ويفكك القطاعات والاختلافات أمام منتخب التمثيل القومي. كان أفضل ظهور للمنتخب القومي في مباراة كرة القدم التي جمعت المنتخب “الإسرائيلي” بمنتخب الاتحاد السوفيتي عام 1956، والذي أيقظ في تلك الأيام مشاعر قومية جيّاشة، وتحديدًا لكونه ينافس قوّة مثل قوّة الاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من خسارة “إسرائيل” في المباراتين إلّا إنه الهدف الذي أحرزته خلق الفرحة والفخر في كل أنحاء “إسرائيل”، ويُذكر حتّى اليوم كهدف يعكس أكثر من أي شيء الروح القومية الجديدة التي تكوّنت.
من جانب آخر، استخدمت الرياضة في السنوات الأولى لـ”إسرائيل” لأهداف خارجيّة ولتحسين العلاقات الدوليّة، وتمثل ذلك بـ: الاعتناء وتطوير روابط الصداقة والتعاون مع دول العالم، نشر الدعاية، اكتساب المكانة والاحترام والتعبير عن الاحتجاج. آلية الأيديولوجية الصهيونيّة بالسياسات الخارجيّة التي ركّزت بالأساس على مجال نشر الدعاية لدولة إسرائيل واكتساب المكانة كأداة للفخر الوطنيّ.
على المستوى الدعائي كان للدولة الجديدة هدفان أساسيّان: الأول، الدعاية بهدف تبرير أحقيّة وجودها. خلقت الدعاية العربيّة عدم شرعيّة لقيام الدولة اليهوديّة الجديدة، وعليه كان أهمية لوجود الدعاية الإسرائيليّة المضادّة والتي
تستخدم الفكر الصهيوني كقاعدة أساسيّة لتبرير شرعيّتها. أمّا الهدف الثاني، فكان الدعاية في العالم اليهودي ودعم الصهيونيّة وتشجيع الهجرة إلى فلسطين.
الحملة الأولى للمنتخب القومي الإسرائيلي لكرة القدم كانت في مباراتها مع الولايات المتحدة عام 1948 بعد وقت
قليل من إعلان قيام دولة “إسرائيل”. فبالرغم من خسارة المنتخب، إلّا أنّه حقّق أهدافه الدعائيّة: جمهور ضخم من
اليهود جاء لتشجيعها، بالإضافة لجمهور من الشخصيات المرموقة والمهمّة من عالم السياسة والثقافة الأمريكيّة.
حظيت زيارة المنتخب الإسرائيلي أيضًا بالانتشار والمتابعة الإعلاميّة الكبيرة. تحوّل لاعبو المنتخب لسفراء دعاية
للدولة اليهوديّة وحملوا معهم كراسات معلومات وموادّ “الهسبراه (دعائية)” عن “إسرائيل” وحرصوا على زيارة الجاليات اليهوديّة المحليّة هناك.
المشاركة الإسرائيلية في الألعاب الأولمبية
فشلت المشاركة الإسرائيليّة في الألعاب الأولمبية على صعيد الإنجازات، إلّا أنّها حققت هدفها بمجرّد وجودها
ومشاركتها ضمن أهمّ الأحداث الرياضيّة وأضخمها ورفع العلم الإسرائيلي القومي بجانب أعلام دول العالم. ومع ذلك،
طرأ تغيير واختلاف فكري وازدادت الحاجة إلى تقليص الفجوات ورفع القدرة على تحقيق النجاحات والإنجازات
الإسرائيليّة في الرياضة الدولية. تنبع هذه الفكرة من فهم عميق لأهميّة قيمة الإنجاز لرفع الفخر القومي، بالإضافة إلى
حساسيّة صورة وشكل الخسارة على الصعيد الداخلي والخارجي في المجال الرياضيّ.
ارتباط الرياضة والصهيونية
ارتبطت الرياضة والصهيونية في السنوات الأولى لقيام “إسرائيل”. إعلان قيام دولة “إسرائيل” لم يغيّر بصورة محسوسة الشكل الطبقي للرياضة الإسرائيليّة. إذ استمرّ وجود المعسكرات الأيديولوجيّة المختلفة، وكان المضمار
الرياضي واحد من الساحات التعبير عن الصراع بين هذه المعسكرات السياسيّة والمجموعات المختلفة. الاتفاق
المعروف باسم “فيفتي-فيفتي” والذي وقّع عام 1951 جلب توازن سياسي للمؤسسات الرياضيّة وفعليًا أدى لتوازن
بتمثيل اللاعبين بالمنتخب. لقد كان اتفاقًا سياسيًا واضح المعالم، بحيث ساهم بإصلاح وخلق توازن في الرياضة
ومجالاتها المتنوعة.
لامست سياسة الرياضة الإسرائيليّة خلال السنوات الأولى لقيام الدولة كلّ العوامل التي تدخلت فيها. مراكز الرياضة
ارتبطت بمراكز القوة السياسيّة: بقي “هبوعيل” مرتبطاً “بالهستدروت” (اتحاد النقابات العام للعمّال اليهود). سلطة وقوة “ماباي” –حزب عمّال “أرض إسرائيل”- وأحزاب العمال الأخرى كانت في ذروتها بهذه السنوات; عزّز فريق “مكابي” ارتباطه مع حزب “هتسيونيم هكلالييم” الصهيونيّ، كان”بيتار” تابعاً لحزب الحريّة وتعاونت مع
“مكابي”، وظلت “أليتسور” متضامنة مع حزب الصهيونيّة الدينيّة.
الجماهير “الإسرائيلية” مالت للتضامن مع التيار القومي الجديد عن طريق أحزابه المتنوّعة، التي يعتبر العامل المشترك بينها التزامها بالفكر الصهيوني، بينما اختلافها هو حول الأدوات والأساليب الأمنيّة، الاجتماعيّة او الاقتصاديّة التي، يمكن تحقيق الأهداف الصهيونيّة عبرها.
الرياضة والصهيونية حيث كانت الرياضة أداة للجنيد في ذلك الوقت، في معسكرات المشجعين حيث عكست ميولهم الحزبيّة. إقامة فرق ونوادي رياضيّة كنت أيضًا أداة لتجنيد داعمين للفكرة السياسيّة وبالتحديد الأوساط، التي كانت أقل تضامنًا مع تلك الفكرة وأكثر بعدًا جغرافيًا، إذ شكل انضمامهم للتشجيع عاملًا مهمًا في خلق الترابط مع المركز، من المركز المحلّي لمركز الرياضة ومن هناك لهويّة سياسيّة قومية.
الانقسام السياسي للرياضة بين المراكز، إلى جانب مكانة الرياضة كعامل موحّد لخلق وعاء انصهار، أدّت بالتالي إلى توتر بين كونها وسيلة متكاملة للهوية والوعي الجماعي وفي نفس الوقت وسيلة للنضال السياسي والتجنيد لصالح أفكار صهيونية-خاصّة.
العنوان الأصلي: “الرياضة والإيديولوجية الصهيونية ودولة إسرائيل
المصدر: https://goo.gl/GBQ5oR