مقدّمة العساس | يشكّل هجوم نظام الأسد على الجنوب السوري مرحلة أخرى من مراحل السيطرة على معاقل الثوار، تلقي “إسرائيل” آمالها على النفوذ الروسي بطرد الإيرانيين من سوريا بالمقابل توافق على عودة سيطرة الأسد على الجنوب السوري وبما في ذلك الحدود مع الجولان كما كان في السابق. وعليه ستفاوض “إسرائيل” النظام السوري بوساطة روسية من جهة، وسوف تسعى كذلك لمنع إنشاء بنية تحتية عسكرية إيرانية في سوريا، كلّ ذلك ضمن قواعد اللعبة والتفاهمات التي تحدّدها “إسرائيل”. أما الخاسر الأكبر بطبيعة الحال هم الثوّار والنازحون.

يقدّم هذه التقرير الصادر عن دراسات معهد الأمن القومي الإسرائيلي تقديراً لمواقف الأطراف المتحاربة في الجنوب السوري.

 

ترجمة العساس| في الأسبوعين الأخيرين يدير نظام الأسد بمساعدة روسيا وحلفائه الآخرين عملية عسكرية للسيطرة على محافظة درعا في الجنوب السوري ووجهه صوب هضبة الجولان (محافظة القنيطرة). يشبه أسلوب العمليات في جنوب سوريا الأسلوب المتبع في باقي المناطق سحق معاقل “المتمردين” (الثوار: اقتراح المترجم) بالمدفعية الثقيلة والضربات الجوية وبما ذلك الطائرات الحربية الروسية مصحوبة بدعوة روسية للمفاوضات التي ستجبر المتمردين على تسليم أسلحتهم، أي استسلام غير مشروط. كما هو الحال في العديد من الأماكن في سوريا، ووسط الضغوط العسكرية الشديدة، انهارت خطوط المتمردين واستسلمت العديد من البلدات دون معارك. ولكن ما دام الثوار يرفضون “الدعوة” ستستمرّ الهجمات على معاقلهم بقوة أكبر، والشروط التي تعرضها روسيا لإنهاء المعارك ستكون أصعب.

الجنوب السوري هو آخر معاقل الثوار، وقد حظي هذا الإقليم باستقرار منذ  إدراجه ضمن مناطق تخفيف التصعيد (de-escalation) بموجب الاتفاقية بين روسيا والولايات المتحدة الذي تمّ بشراكة أردنية-إسرائيلية في يوليو 2017. ولكن لم يكن هناك شكّ بأن هذا الهدوء مؤقت. المعركة للسيطرة على درعا تحمل معنى رمزياً لنظام الأسد، لأنه مكان اندلاع الثورة الشعبية ضدّه في مارس 2011. لذا فإن الدافع لانتهاك وقف إطلاق النار والدخول لمعركة السيطرة على المنطقة لها أبعاد عديدة.

  • التبرير الاوّل للعملية هو أن المنطقة هي مدخل للعناصر الإرهابية التابعة لتنظيم “الدولة” (داعش) نحو سوريا، وبناء على ذلك لا زالت ميليشا “خالد بن الوليد” التابعة لتنظيم “الدولة” مسيطرة على منطقة جنوب هضبة الجولان وحوض اليرموك.
  • ثانياً، حسب ادعاءات المعارضة السورية، هدف هذه الخطوة هو تغيير ميزان القوى عبر تحسين المواقف بإطار الاتصالات الدبلوماسية لصياغة تسوية لاستقرار سوريا، وصكّ حقيقة أن الأسد يسيّطر على أغلب المناطق المأهولة بالسكّان في الدولة. محافظة درعا هي الجزء الجنوبي في “العمود الفقري السوري” (من حلب شمالاً مروراً بحمص ودمشق إلى درعا جنوباً) وهي منطقة حيوية للنظام.
  • ثالثاً، بعد الانتهاء من احتلال “غلاف دمشق” على يد التحالف المؤيد للأسد، أصبحت منطقة جنوب سوريا حيّزاً سهلاً للسيطرة مقارنة بمناطق أخرى بقيت تحت سيطرة الثوار، مثل إدلب التي تعتبر معقل المتمردين السنة السلفيين والإسلاميين، ومنطقة شمال شرقيّ سوريا الواقعة تحت سيطرة الأكراد الممثلين بقوات “سوريا الديمقراطية” (SDF)  والمدعومة من أمريكا.

 

بعيداً عن الصراع الداخلي السوري ومصالح الأسد، هذا صراع إقليمي وصراع بين الدول العظمى. ومن منظور أوسع، يمكن تفسير الخطوة (العملية) كجزء من صفقة تحاول روسيا قيادتها أمام الولايات المتحدّة و”إسرائيل”. أساس هذه الصفقة هو إبعاد القوات الإيرانية من جنوب سوريا مقابل قبول (أمريكا و”إسرائيل”) بسيادة نظام الأسد في كلّ سوريا، يشمل ذلك موافقة إسرائيلية على نشر قوّات الأسد في الجنوب، بما في ذلك في هضبة الجولان السورية، مما يعني قبول فعلي بالشرط السوري بأن لا تضرّ إسرائيل بنظام الأسد مقابل ابعاد القوات الإيرانية وحلفائها عن المنطقة القريبة من “إسرائيل”. وفق هذا المنطق على “إسرائيل” الامتناع عن التدخّل في الوقت الذي تضرب فيه قوّات الأسد الثوار وتسيّطر على المساحة القريبة من هضبة الجولان.

بالتزامن، تجري روسيا اتصالات مع الولايات المتحدة من أجل قمة ترمب-بوتين، المتوقع عقدها بمنتصف يوليو في هلسينكي، مستغلة رغبة الرئيس ترمب الوفاء بالتزامه بسحب القوات الأمريكية من سوريا. تريد روسيا من الولايات المتحدة إخلاء القاعدة الأمريكية في “التنف” بالجنوب الشرقي من سوريا، المنطقة التي فقدت حيويتها كحيّز لإنشاء وتدريب تنظيمات المعارضة، مع الوقت أصبح هذا الطريق حاجزاً على الطريق البري المباشر بين إيران وسوريا عبر العراق. في الواقع هناك أدلة وشهادات على أن الولايات المتحدة تدرس في الوقت الحالي ضرورة القاعدة، خاصة بعد إرسال رسالة للثوار مفادها بأنها لن تتدخل ولن تمنحهم دعما بالقتال في الجنوب. بالإضافة لذلك، من الأنسب لروسيا أن تقدم مقترحاً للولايات المتحدة حول انسحاب القوات الإيرانية من سوريا وموافقة حكومة ترمب على بقاء الأسد في السلطة، عندما تكون روسيا هي المسيطرة في جميع سوريا.

في منطقة القتال في الجنوب السوري هناك مفارقة. من ناحية، تقترح روسيا على إيران ان تفتح جسراً برياً، ترغب به، ولكن بالمقابل على طهران الموافقة على إبعاد قواتها وحلفائها والميليشيات الشيعية و “حزب الله” من جنوب سوريا. من الجدير بالذكر ان العلاقات الروسية الإيرانية بطبيعتها تتميّز بديناميكية الاحترام والشك. تحاول روسيا الاستفادة من الأحداث الأخيرة، بما في ذلك من مخاوف الأسد من أن تجرّه إيران لمواجهة عسكرية مع “إسرائيل”، بهدف تأسيس واقع تكون فيه إيران هي صاحبة الكلمة في سوريا. من ناحية أخرى لا تنوي إيران التخلي عن نفوذها ووجودها في سوريا، وعن ضمّ قادة الحرس الثوري ومقاتلي الميليشيات الشيعية الخاضعة لسيطرتها في صفوف الجيش السوري الذي يحارب الثوار في الجنوب.

الرئيس ترمب متصالح فعلياً مع السيادة الروسية في سوريا ومع المساعدة الروسية لنظام الأسد للسيطرة على المناطق القريبة من الحدود الأردنية الإسرائيلية. وذلك مقابل ضمانات روسية بأن نظام الأسد لن يذبح قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة، وسيتيح لهم الخروج من المناطق التي تخندقوا بها في الجنوب الغربي في سوريا، كما ستمنع دخول القوات المدعومة من إيران للمنطقة. بالتطرق للقتال في المنطقة، شدّد المتحدّث باسم البنتاغون أن الولايات المتحدة ظلت تركّز في هزيمة تنظيم “الدولة” وأوصى جميع الفاعلين في المنطقة أن لا يتعدوا على القوات الأمريكية وشركائها في التحالف ضد التنظيم.

تواجه عناصر المعارضة وقوّات الثوار في سوريا السيناريو المعروف المتمثل بتخلي الدول الداعمة لهم عنهم في ساعة الحسم. هذه المرة الولايات المتحدة، الأردن و”إسرائيل”، التي دعمت الثوار بالأساس الجيش السوري الحرّ، والآن تقف هذه الدول ضدهم وتسمح لقوّات التحالف الموالية للأسد ان تضرب المواطنين السوريين في المناطق التي كانوا يعيشون فيها. رئيس السلطة العليا للمفاوضات من جانب المعارضة السورية، ناصر الحريري، أدان ما سماه “الصمت الأمريكي” حيال الهجمة وادعى أن “صفقة دنيئة” تفسر عدم ردّ الأمريكي حيال الأحداث.

بحسب معطيات الأمم المتحدة، نزح جرّاء القتال ربع مليون إنسان من بيوتهم في الأسبوع الأخير، معظم النازحين تمركزوا بالقرب من حدود الأردن والآلاف منهم بالقرب من حدود “إسرائيل” في المنطقة الممتدة بين الدولتين حسب اتفاقية الهدنة الموقعة سنة 1974. وهنا يذكر أن كلّ من “إسرائيل” والأردن تصرّان على منع تسرب اللاجئين لأراضيهم. في الوقت ذاته، تقدّم “إسرائيل” مساعدات إنسانية للنازحين على الحدود وأعلنت أنها لن تسمح للجيش السوري الدخول لمنطقة الهدنة، وإظهاراً لإصرارها كثفت “إسرائيل” قواتها في هضبة الجولان.

 

خلاصة وتقدير موقف

تشير التطورات في النشاط العسكري في درعا إلى أن القوات المعارضة لنظام الأسد تفقد تدريجياً قوّتها الأساسية في جنوب سوريا، التي كانت رمز الثورة، في حين يعيد النظام السيطرة عليه والتأثير فيه. تبددت آمال الثوار مرة أخرى في الحصول على دعم خارجي مقابل استحلال التحالف الموالي للأسد وتبيّن أنهم وحيدون في المعركة.

تشير صورة الوضع أن آمال كلّ من “إسرائيل” والولايات المتحدة ملقاة على روسيا، إذ يتوقعون منها إبعاد القوات الإيرانية وميليشياتها الشيعية لمسافة 60-70كم من الحدود مع الأردن و”إسرائيل”، كما أنهم يطمحون حتى بأن تطرد روسيا إيران من كل الأراضي السورية. بالمقابل، هم مستعدون لقبول بقاء بشار الأسد بمنصبه رئيساً لسوريا واستمرار حكم الرجل المسؤول عن قتل ما يقرب عن نصف مليون مواطن سوري. بالإضافة لذلك يبدو أن الولايات المتحدة و”إسرائيل” لن تمنع قوّات التحالف الموالي للأسد من السيطرة على بقية الأراضي التي لا تزال تحت سيطرة الثوّار (بالأساس بالشمال والشمال الشرقي السوري) في حين سعت إدارة ترمب إلى ترتيب يسمح بإخلاء سريع للقوّات الأمريكية من الأراضي السورية اختارت “إسرائيل” قبول التوجّه القائل بأن الأسد هو المنتصر بالحرب وتأمل أن يتغلّب النفوذ الروسي في سوريا على إيران.

اختارت “إسرائيل” أن تغض الطرف عن حقيقة أن القوّات التي تنتمي إلى الميليشيات الشيعية متغلغلة بقوّات الأسد وتقاتل في منطقة درعا. لذلك سيكون من الخطأ الافتراض أنه في نهاية القتال سيستجيب نظام الأسد للمطلب الروسي وإزالة القوّات الإيرانية وحلفائها. إن سيطرة نظام الأسد على الجنوب السوري وهضبة الجولان تؤدي لوجود قوّات شيعية أجنبية في الجنوب للأبد، سواء كانت هذه قوة مندمجة ومموّهه داخل الجيش والميليشيات السورية أو كانت ميليشيات شيعية، محلية ومسيّرة عن طريق إيران.

تعرّض “إسرائيل” إحدى إنجازاتها المسجلة خلال الحرب السورية للخطر، فإقامة نظام حدودي مستقرّ وهادئ في هضبة الجولان على أسس تفاهمات عالمية مع المجتمعات المحلية في الجانب السوري، الذي بموجبه يحصل السكان على مساعدات إنسانية ومدنية من “إسرائيل” مقابل منع النشاط الإرهابي عن أراضيهم وعن هضبة الجولان. الآن “إسرائيل” مستعدة لقبول عودة سيطرة الأسد على المنطقة الحدودية مع فهم أن قواتها مدعومة من الميليشيات الشيعية وجيشه رهن إشارة الضباط الإيرانيين. كل هذا، في توقعات خاطئة بان تقوم روسيا بإبعاد القوّات الإيرانية وحلفائها من سوريا.

مع ذلك، لدى “إسرائيل” تجربة إيجابية مع الحدود الآمنة والمستقرّة، فقبل الحرب في سوريا سيّطر الأسد على هضبة الجولان وشكّل بالنسبة لها عنوانا مسؤولا عما يحدّث وراء الحدود ويبدو أن “إسرائيل” تقدّر اليوم أنه بموجب الوضع الجديد سيكون من مصلحة الأسد الحفاظ على الهدوء على الحدود معها، لأن مصالحه ليست مطابقة تماماً لمصالح إيران و “حزب الله”.

إذا كان الأمر كذلك، ستبدأ “إسرائيل” بإجراء حوار مع نظام الأسد، بوساطة روسيا في هذه المرحلة، من أجل ارساء الاستقرار والهدوء في الجولان وتحديد قواعد اللعبة ومناقشة القيود المفروضة على وجود إيران وحلفائها (الجغرافيا والأسلحة). في الوقت نفسه يجب على “إسرائيل” أن تستمرّ في إصرارها على الحيلولة دون بناء بنية عسكرية إيرانية في سوريا بالتركيز على القدرات التي تهددها، إضافة لاستمرار حيازة بطاقة الضرر التي يمكن أن تسببه “إسرائيل” لنظام الأسد إذا ما انحرف الأخير عن تفاهمات وقواعد اللعبة.

 

المصدر: مركز أبحاث الأمن القومي \ 5 يوليو 2018
العنوان الأصلي: جنوب سوريا: قصة مألوفة ومعروفة مسبقاً
رابط المادة:  https://goo.gl/JVxZ9i