مقدمة العسّاس | “حارس الأسوار”
من الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي تلقى مؤخرًا، قدرًا كبيرًا من الخسائر التي لم يعتاد عليها عندما صعّد من عدوانه تجاه قطاع غزة ثلاث مرات سابقة، إذ استقبل خلال 11 يومًا أكثر من 4300 صاروخ، مقابل نحو 4600 في عدوان 2014 الذي استمر 51 يومًا، ما يؤكد فشل كل العمليات السابقة التي كان هدفها المعلن وقف إطلاق الصواريخ.
هذه المادة تؤكد فشل الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الذي شنه على قطاع غزة مؤخرًا، وتوضح ذلك على لسان كبار المحللين الإسرائيليين، ومن خلال تناقض تصريحات قادة “إسرائيل” أنفسهم.
إعداد العسّاس |
أعدّت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإلكترونيّة، تقريرًا بعنوان “حماس تلقّت ضربة قاسية: سمعنا ذلك من قبل، ومرّة أخرى”، ووجّهت نقدًا لجميع السياسيين في “إسرائيل” منذُ عام 2008، وعدم مسؤوليتهم في كشف أهداف ومُجريات العمليّة بالتفاصيل أمام الجمهور، والاكتفاء بجملٍ غير حقيقيّة، إثر تقدّم حماس العسكريّ في كلّ عمليّة.
كما أن تقرير الصحيفة شدّد على هذهِ الجمل المتكرّرة: “حماس تلقت ضربة قاسية”، “أعدنا الردع الإسرائيلي”، “ستستغرق حماس سنوات للتعافي”.
وعقّب التقرير على أن هذه الجمل “ليست سوى بعض التصريحات التي تكرّرت بعد عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وعدنا إلى تصريحات رؤساء الوزراء ووزراء الأمن وكذلك بعض رؤساء الأركان من العمليات السابقة للجيش الإسرائيلي في غزة”.
ويعتمد التقرير على التصريحات المتكررة، ليبيّن أن هذهِ الجمل لم يعد لديها مصداقيّة. (1)
في كانون الثاني/يناير 2009، عند إعلان رئيس الوزراء آنذاك، إيهود أولمرت، وقف إطلاق النار بعد عدوان 2008، وهو ما يُسمى إسرائيليًا عملية “الرصاص المصبوب”، شدّد على أن “أهدافنا التي وضعناها في ظلّ هذهِ الظروف، كما حددت في العملية، تحققت بالكامل وحتى أبعد من ذلك”.
وأشار أولمرت إلى أن “حماس تعرضت للضرب القاسي، سواء في تشكيلاتها العسكرية أو في البنية التحتية لحكمها، وإذا كرّرت هجماتها الوحشية فسوف تتفاجأ من “إسرائيل” مرة أخرى”.
إضافة إلى ذلك، قال بنيامين نتنياهو آنذاك، من موقع رئيس المعارضة، بعد أسابيع قليلة من انتهاء العدوان: “نحن بحاجة إلى عمليّة، تُزيل التهديد”، وحينما أصابت صواريخ حماس عسقلان قبل 12 عامًا، حدّد أن المهمّة الأساسيّة هي: “إطاحة نظام حماس في غزة”.
في عام 2012، مع مرور ثلاث سنوات لحكومةٍ تحت رئاسة نتنياهو رئيسًا للوزراء، وفي خطابٍ ألقاه في نهاية العدوان حينها، المسمى إسرائيليًا بعملية “عمود السحاب”، قال: إن “الجيش الإسرائيلي أصاب خلال العملية قادة بارزين في التنظيمات الإرهابية، ودمرنا آلاف الصواريخ التي استهدفت الجنوب ومعظم تلك التي استهدفت المركز ودمرنا منشآت سيطرة حماس”.
كما قال وزير الأمن آنذاك، إيهود باراك، في المؤتمر الصحفي: إن “أهداف العملية قد تحققت بالكامل، وحماس والجهاد تلقيا ضربة موجعة، وقُتل أحمد الجعبري وعشرات الإرهابيين الآخرين من كبار القادة والناشطين”.
بينما أكد رئيس هيئة الأركان العامّة آنذاك، بيني غانتس، “لن نسمح لتكرار هذا الواقع”، في حين تكرّر هذا الواقع في عام 2014 و2021 أيضًا.
بعد عدوان 2014، تطرّق نتنياهو إلى سؤال “ما هو سبب عدم انهيار نظام حماس في غزة”، وأجاب أن “انهيار حماس هدف سيتحقق إذا تم تحديد الهدف استراتيجي وبعيد المدى المتمثل في نزع سلاح حماس، والهدف الذي حددناه الآن، لم يكن ذلك، ولم يكن احتلال قطاع غزة”.
وأضاف “لقد وضعنا هدفًا لضربة شديدة للغاية وأنجزت، ولنتذكّر أن ذلك ليس بالأمر السهل، كما أن الولايات المتحدة لم تستطيع إبادة القاعدة”.
من جهته، قال وزير الأمن في ذلك الوقت، موشيه يعالون: إن “المنظمّات الإرهابية تعرضت لضربة قاسية للغاية، وأعدناها لسنوات إلى الوراء”.
وبالعودة إلى تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت، فإنه يتم الكشف فيه عن التكرار المستمرّ للجملِ ذاتها دونَ مصداقيّة لهذهِ الأقوال، إذ أن قوة حماس تزداد وفقًا للتقرير، وفي كلّ عمليّة تكشف عن مفاجآت.
هل فشلت عمليّة “حارس الأسوار” ؟
أمّا في تقرير آخر، للمحلّل الإسرائيليّ ورئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، ألوف بن، قال بشكلٍ واضح: إن عمليّة “حارس الأسوار” في غزة هي “أكثر حرب إسرائيلية فاشلة وغير ضرورية”، بين جميع حروب وعمليّات “إسرائيل” في العقدين الأخيرين؛ بما يتضمن حرب لبنان الثانية، وعمليات “الرصاص المصبوب”، “عمود السحاب” و “الجرف الصامد” في غزة.
(المقصود تكرر العدوان في أعوام 2008، 2012، 2014)
إقرأ أيضًا.. “حماس تقول الحقيقة”: غضب ساسة “إسرائيل”!
وأضاف ألوف بن “أننا نشهد فشلًا عسكريًا وسياسيًا خطيرًا”، كما كشف النقاب عن عيوب في انتشار الجيش وعمله، وفي قيادة حكومة مشوشة وعاجزة”. (2)
إضافة إلى ذلك، يعتبر ألوف بن، أن “المزيد من القتلِ والدمار الذي تُحدثه “إسرائيل”، هو تضييع الوقت في السعي غير المجدي من أجل صورة النصر”، ويرى أنه “يتوجّب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يتوقف ويأمل أن يتم استيعاب الفشل بسرعة في الرأي العام”.
ما وراء فشل عمليّة “حارس الأسوار” :
وأشار إلى أن الفشل الرئيسي، يكمن في عدم فهم حماس وموقعها الجيوسياسيّ والعسكريّ، وعدم توقّع قدرتها في خلق صورة أنها “حارس القُدس”، لافتًا إلى “أننا نظرنا إلى حماس على أنها جار سيء، ولكنها معزولة وضعيفة، والاهتمام الوحيد الذي أثارته في الرأي العامّ الإسرائيليّ هو النقاش الدوري حول عودة الأسرى المدنيين وجثث الجنود”.
وأكمل “بقدر ما هو معروف، لم تحذر أي من جهات التقدير الاستراتيجي من أن حماس يمكنها، بجهد ضئيل، أن تتخلص من القفص الذي دفعته “إسرائيل” إليه، والوقوف على رأس النضال الفلسطيني كمدافع عن الأقصى، وتكثيف الانقسام بين حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية الجديدة لجو بايدن”.
أمّا مقالةِ الدكتورة، ليراز مارجليت، التي نُشرت في “معاريف”، وجدت أن الفشل الأساسيّ في عملية “حارس الأسوار”، هو ضعف التقديرات، واستطاعت فصائل المقاومة مفاجأة “إسرائيل” على الدوام.
وأكدت على أنه منذ البداية، “لم تتوقف حماس عن مفاجأة “إسرائيل”، إطلاق الصواريخ بشكل مكثّف باتجاه منطقة غوش دان، (تل أبيب ومحيطها)، وجاء ذلك مباشرة بعد إطلاق الصواريخ على القدس”.
هذا يدلّ على التراخي عند “إسرائيل”، مقابل الجهد المستمرّ منذ عدوان 2014 عند حماس والجهاد الإسلامي، والاستطاعة لإطلاق الصواريخ في قلب “إسرائيل”، وخصوصًا تل أبيب. (3)
وأضافت أن فشلًا آخر، متعلّق في ضعف المعركة النفسيّة بالنسبةِ لـ “إسرائيل”، وعدم صياغة “صورة نصر” بشكلٍ حاسم، يُوضّح أن “صورة النصر” ليس متعلقة في نتائج العمليّة الفعلية، بل المشاعر والتصورات التي تتشكل طوال العملية.
وأشارت إلى أن “النتائج الموضوعية والميدانيّة لا معنى لها ما لم يتم الاستفادة منها في الوقت الفعليّ واستخدامها لخفض معنويات الخصم ورفع معنوياتنا”.
وذكرت ان “الطريقة الصحيحة لعملِ ذلك، هي بث صور للوضع في غزة، وبث الضغط على حماس لوقف العملية، وتقليل التغطية الواسعة لدولة تل أبيب”.
وأجملت أن العمليّة كشفت عيوبًا واضحة، عند “إسرائيل”، ولم تكن مستعدّة في جميع النواحي، التي تشكّل العمليّة، النفسيّة والتقديرات الاستراتيجيّة.
المصادر:
(1) “واينت”: https://bit.ly/3fLujrd
(2) “هآرتس”: https://bit.ly/3oJI0uE
(3) “معاريف”: https://bit.ly/34az5ci