مقدّمة العسّاس |
لم تكن القُدس يومًا مجردّ مدينة أخرى يطمحُ المستعمِر الإسرائيليّ إلى فرض السيادة عليها، بل أصبحت وجهةً للتخطيط الاقتصاديّ الاسرائيليّ، بالتالي تصبح دواعي استيطانها أكثر كثافةً وعمقًا وتتخلّل مشاريع حقيقيّة تؤثر على الكثير، كما أن المحاولة الحثيثة للسيطرةِ على القدس هي محاولة دائمة للبناء والتخطيط وبدورها تشكّل “المشهد الحداثيّ”.
هذه المادة تستعرض الورقة المقدمة من “معهد أورشليم للاستراتيجيّة والأمن” التي أوضحت الأهميّة الاستراتيجيّة للبناء والعِمارة في كلّ أرض تفرض “إسرائيل” سيادتها عليها، حيثُ أنها تتخلّل مقترحات لمشاريعٍ اقتصاديّة في القدس وأطرافها.
إعداد العسّاس |
لفتَ الباحث حاييم جفيرتسمان، إلى أن أهداف تطبيق السيادة في وادي الأردن وعلى شواطئ البحر الميت، ويتخلّل ذلك غلاف القدس وتوسيع مساحة العاصمة وإنشاء سلسلة متصلة على أساس الناحية الديموغرافية، تتطلّب جميعها ممارسة السيادة الفعليّة من خلال البناء، ولن يكفي إصدار إعلان وترك المساحات الجديدة مقفرة.
بالتالي مقترحات جفيرتسمان والمشاريع في القدس هي جُزء من ممارسة السيادة الفعليّة. (1)
يعتبر جفيرتسمان أن “المهمّة الوطنيّة” هي الاستيطان والامتداد السكّاني في هذهِ المناطق كجُزء من مشروع السيادة الفعليّ دونَ الاقتصار فقط على الإعلانات.
كما أن إتمام هذهِ المهمّة يحتاج خلق وظائف جديدة، ضمن خطة واسعة النطاق، التي من الممكن تنفيذها في مناطق السيادة الجديدة، إذ “ستؤدي إلى استعادة البنية التحتية لدولة “إسرائيل” وتحقيق أهداف الدولة”.
هذه الأهداف ستركّز بدورها على عدّة مجالات منها السياحة والزراعة والنقل، مما قد تخلق عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة والنمو الاقتصادي والازدهار.
وحدّد جفيرتسمان الحاجات الأساسيّة التي من الممكن أن تكون ملائمة في إطار تطوير مشاريع القدس ومحيطها؛ وأبرزها تدهور مستوى البحر الميت والضرر المستمر للبنية التحتية المحيطة به، ونقص مياه الري للتنمية الزراعية في وادي الأردن، وعدم وجود مطار دولي جديد في المركز (بالإضافة إلى مطار بن غوريون).
وتتضمن هذه الحاجات عدم القدرة على توسيع منطقة العاصمة القدس، ولحل هذه المشاكل، يُقترح بناء قناة بحرية على طريق “البالماخيم – قمران”، ودمج محطة لتحلية المياه ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية، وإنشاء مطار جديد في “صحراء يهودا“، وتوسيع مدينة القدس من الشرق.
كما أنه من المهمّ الانتباه إلى أن الباحث يجد بـ”السلطة الفلسطينيّة” عائقًا سياسيًا أمام هذهِ المشاريع الحيويّة للاقتصاد والتطوير الاسرائيلي، بالتالي، إعلان السيادة، يمثّل الخطوة الأولى في تحييد “السلطة الفلسطينيّة” سياسيًا. (2)
ونستكشف من ذلك العلاقة المتبادلة والعضويّة بينَ الدفع في المشاريع الاقتصاديّة القوميّة من جهةٍ، وإعلان السيادة على الأراضي المحتلّة عام 1967 من جهةٍ أخرى.
في ضوء ذلك، سيغيّر تطبيق السيادة الواقع عبر التخطيط والدفع في المشاريع؛ في غلاف القدس والضفّة الغربيّة، وسيُسمح ببناء مشاريع دون الحاجة إلى التعاون مع السلطة الفلسطينية.
هذهِ المشاريع وأهمها قناة بحريّة على طريق “البالماخيم – قمران”، ستكون الأكثر جدوى اقتصاديًا، وفقًا للباحث.
إضافة إلى ذلك، فإن المشاريع ستحاول إعادة البحر الميّت وتجنيبهِ خطر الجفاف، ليُصبح هدفًا اقتصاديًا سياحيًا، حيثُ يقع في المناطق التي تطمح “إسرائيل” لفرض السيادة عليها، بجانب غلاف القدس.
ويأتي هذا باعتبار أن البحر الميّت هو أدنى مكان في العالم، وهو مركز اهتمام دولي.
وتتعدد مناطق الجذب السياحي حول البحر الميت وفقًا لجفيرتسمان، ذاكرًا “الوديان في صحراء يهودا، والينابيع الحلوة والمالحة، والمواقع الأثرية، والمواقع التراثية لمختلف الأديان، والسياحة العلاجية، والمناخ الجاف والصحراوي، والظواهر الجيومورفولوجية الفريدة (المجاري وتحت الأرض)”.
وأشار إلى أنه “على الرغم من الإمكانات السياحية الهائلة (بأي معيار دولي)، فإن النطاق الفعلي للسياحة محدود للغاية، وقد تم حتى الآن إنشاء مجموعة واحدة من الفنادق على شواطئ برك التبخر في البحر الميت (عين بوكيك ونيفي زوهار).
رغم ذلك، لا تتحقق الإمكانيات السياحية بسبب استمرار انخفاض مستوى البحر الميت والتراجع المستمرّ للساحل”.
واقترح جفيرتسمان “بناء مجموعات جديدة من الفنادق والمراكز السياحية، في الشواطئ المختلفة للبحرِ الميّت، وإنشاء مراكز تسوق ومراكز زوار على مستويات مختلفة، مما يتيح الوصول إلى المحميات الطبيعية والمواقع التراثية.
هذا يأتي بالإضافة لإمكانية فتح حديقة جيولوجية لسياحة الحفر والأودية الخفية، ستسمح بمراقبة العمليات الجيومورفولوجية المصاحبة الانحدار في المستوى، وستكون وحدها بمثابة عامل جذب دولي”. (3)
بالمقابل، طرحت “بلديّة أورشليم” خطّة “مدينة مع مستقبل 2030″، التي تطمح إلى تطوير المدينة في جميع المستويات، وكما جاء على لسان رئيس البلديّة في العام الماضي، موشيه ليون، قائلًا: “منذ اليوم الذي توليت فيه منصبي، كنت أعمل على تعزيز وتطوير المدينة في عدة جوانب، ويعد تقليل فجوات البناء أحد القضايا الرئيسية في هذه العملية”.
وأضاف “إلى جانب النقل والتعليم والثقافة والتوظيف: تم تعزيز مجال التجديد الحضري بشكل كبير في جميع أنحاء المدينة، وكذلك البنية التحتية، ولا شك أنه في غضون سنوات قليلة، عندما تكون هذه المخططات مرئية للجميع، ستصبح أورشليم المدينة الرائدة في “إسرائيل”. (4)
وأحد أبرز المشاريع التي أقدمت عليها ضمن الخطّة، ما يُسمى بـ “حي مدخل المدينة: مشروع العلم”، وتُدير شركة موريا المشروع، ويشمل تطوير وبناء الحي التجاري الجديد عند مدخل القدس، الذي سيصبح من الأبرز في البلاد في السنوات المقبلة، باستثمار 1.4 مليار شيكل وفقًا للتقرير.
وتبلغ مساحة المشروع حوالي 211 دونمًا أي خمسة أضعاف مساحة أبراج عزرائيلي.
كما ذكرَ التقرير على أن المشروع يضيف 50 ألف وظيفة جديدة في القدس، ومن المتوقع انتهاء المشروع في الثلاث سنوات المقبلة. (5)
ومشروع إضافيّ بارز أشارَ إليهِ التقرير، هو ما يُطلق عليهِ بـ “مباني الأمة” التي ستصبح الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، إذ أنها مركز مؤتمرات دوليّة بمساحة 55 ألف متر مربع، مع مجمعات معارض متعددة الأغراض وقاعات عرض- إكسبو بمساحة 9 آلاف متر مربع وارتفاع 12 مترًا.
كما سيتم بناء 3 فنادق 4 و5 نجوم، مع 800 غرفة، بالإضافةِ إلى بُرجين للمكاتب ومجمّع سكنيّ، وهي تقع عند مدخل المدينة منذ عام 1950.
ومن المتوقع بعدَ إتمام المشروع أن يغيّر المكان وجهه بالكامل، باستثمار ماليّ يقارب 800 مليون شيكل، وبدورهِ سيكون أكبر مركز مؤتمرات دولي في الشرق الأوسط، ومن المتوقّع الانتهاء في عام 2030. (6)
المصادر:
(1) (2) (3) “معهد القدس للاستراتيجية والأمن”: https://bit.ly/3lZGVgV
(4) (5) (6)” إسرائيل اليوم”: https://bit.ly/3u2K4j2