مقدمة العسّاس | النقاش الذي تبع سنّ دولة الاحتلال لـ قانون القومية ، المعترضين عليه بالأساس، ارتكزوا على عدة ادعاءات كان أبرزها تشويه صورة “إسرائيل” أمام العالم ودحض مقولة “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. فالقانون يرسخ الطابع القومي الديني على حساب المقومات الليبرالية والديمقراطية، ويعطي حق تقرير المصير لليهود حصراً.
في هذا المقال يلقي الكاتب والمحلل “حامي شيلو” الضوء على آثار وانعكاسات وتبعات سن قانون القومية على صورة دولة الاحتلال بالمجتمع الدولي معتبراً القانون “تدميراً ذاتياً”.
ترجمة العساس | قانون القومية هو قانون مُهين، ضار وغير ضروري وعلى الرغم من هذا فإن المصادقة عليهِ لم تُفقِد الإسرائيليين صوابهم. فقد أيّد جزء من الإسرائيليين القانون وآخرون لم يلقوا له بالاً، أما المعارضين فقد أدركوا بسرعة أنه وبالتوازي مع الاحتجاج ضد “قانون الأرحام” المتّهم بالتمييز ضد مثلييّ الجنس فإن القدرة على تجييش احتجاج جماهيري واسع ضد قانون القومية أصبحت أكبر. يُزعزع قانون القومية علاقة “إسرائيل” بالاقلّياتِ التي تعيش فيها (ملاحظة المترجم: هنا يقصد فلسطينيو الداخل) ولكن بسبب إزالة بنود عملية من القانون فمن غير المتوقع أن يطرأ تغيير فوري ملموس على حياة الإسرائيليين اليومية.
صورة “إسرائيل”
لكن على مستوى صورة “إسرائيل” والبروباجندا الإعلامية التي تحملها، نتحدث هنا عن لحظة فارقة لن يتشابه ما قبلها ما بعدها، لذلك صدق بنيامين نتنياهو حين وصفها بأنها “لحظة حاسمة”.
عشرات الناشطين اليساريين ومئات التقارير من منظمات حقوق الإنسان كمنظمة “بيتسيليم” والآلاف من نشطاء حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) الذين لطالما اعتبرتهم سبباً لسمعة “إسرائيل” السيئة عالميًا، لم يستطيعوا أن يتسببوا لإسرائيل بضرر عميق وشامل وطويل الأمد مثل هذا الذي سببه نتنياهو ووزراء حكومة والكنيست الإسرائيلي، وهو ما تعتبره الإدارة الأمريكية بمثابة “خيانة”.
الضرر المقصود لم يتمثل بالتنديدات التي صدرت عن عواصم العالم، أوروبا خاصة. لدى المجتمع الدولي الآن مخاوف أخرى أكثر وجوديّة تنجم عن الاعتراف المتنامي بأنّ من يقود أكبر قوة عظمى في العالم (أمريكا) هو رئيس غير مفهوم، في أحسن الأحوال، وغير مستقر في أسوأ الحالات. على أية حال، فإن الاحتجاج الوحيد الذي يؤثر على نتنياهو بشكل خاص وعلى الإسرائيليين عموماً يجب أن يأتي من البيت الأبيض: سابقاً، أوقف باراك أوباما هذا القانون بجسده. بالمقابل، يمكن الافتراض أن ترمب لم يسمع عنه، وإن كان قد سمع فلم يفهم، وإن فهمه فهو ببساطة لا يهتم. وهذه هي البشرى الكبرى بالنسبة لـ “إسرائيل” حيث تستطيع أن تفعل ما يحلو لها ولن تحرّك أمريكا ساكنًا.
اقرأ أيضًا.. بنظر نتنياهو: فوز ترامب رحلة نحو المجهول
قانون القومية وسمعة “إسرائيل”
يمثّل قانون القومية ضمانًا لتخريب سمعة “إسرائيل” لسنوات عديدة لكن هذا لا يقلل من مخاطره وقدرتِهِ الكبيرة على إلحاق الأضرار المختلفة. فهو يمثّل نقطة بداية “إسرائيل” جديدة. إذ يمنح أحد بنود القانون اليهود حقًا فريدًا بتقرير مصيرهم، وقد استغل ائتلاف نتنياهو هذا البند على أكمل وجه: فقد عرّف ضمنيًا “إسرائيل” كدولة متعجرفة وعدوانية ومتمركزة حول ذاتها، هذه هي الصورة التي يعكسها القانون. حتى لو فضّل جميع الإسرائيليين تجاهل هذا فإن العالم يراه بوضوح. الكنيست أعلن وبشكل واضح وحازم أنه لم تعد مكانة لـ “إسرائيل” بين الدول الليبرالية والمتحضرة وأنها انحرفت نحو كتلة الدول غير الليبرالية، العرقية والقومية والتي بدورها لا تعطي الأولوية لقيم المساواة وحقوق الأفراد التي نصّت عليه وثيقة الاستقلال. في الوقت التي تحارب فيه الدول الليبرالية للحفاظ على هويتها الليبرالية، تمشي “إسرائيل” مسرعًة نحوَ الجانب المظلم.
اقرأ أيضًا.. قانون القومية: محو الفلسطينيين بغطاء دستوري
نشر أحد مراكز البحوث السويدية الشهر الماضي، قبل إقرار القانون، تقريراً يقول إن “اسرائيل” لم تعد ديموقراطية ليبرالية إنما هي ديمقراطية انتخابية يتم فيها الحفاظ على حق الناخبين بالتصويت دون الالتزام بحقوق الأفراد والمساواة وسيادة القانون.
كيف أضرّ القانون بيهود أمريكا؟
يتسبب القانون بأكبر ضرر لليهود الأمريكيين، فالعديد من المنظمات اليهودية في أمريكا، حتى تلك التي تصمت عادًة، لم تجد مفرًا من إدانة القانون الذي كان بمثابة خنجر في قلوبهم، وسبب ذلك يعود إلى أن ولاء اليهود الأمريكيين لإسرائيل ينبع من إيمانهم بأن “إسرائيل” هي أرض مثالية وليست دولة استبدادية تقمع أقلّياتها. بالنسبة لكل من أجهدوا أنفسهم ولم يتخلوا عن إسرائيل عندما خرقت الاتفاقيات، ووقفت ضد الإصلاحيين والديمقراطيين ونبذت باراك أوباما ورغم استمرار الاحتلال وتوقف مفاوضات عملية السلام، إضافًة للعديد من القوانين غير الديمقراطية التي سنّها الكنيست طوال الفترة الماضية فقد جاء وقع قانون القومية عليهم كالقشة التي كسرت ظهر الجمل.
يستخدم داعمو القانون ادعاءات قانونية مختلفة وتفسيرات دستورية عدة لتبرير القانون. فيقولون مثلاً إن في دول كسلوفاكيا ولاتفيا قوانين شبيهة، وكأن هذه الدول التي تجري معاداة السامية في دمها، أصبحت مثالاً وقدوة. ينظر العالم إلى قانون القومية على أنه فرد عضلات للأغلبية اليهودية على الأقلية العربية المضطهدة أصلًا. وإن لم يفرض القانون نظام فصل عنصري فإنهُ يضع حجر الأساس لتأسيسه مستقبلاً، وبالتأكيد يقوّي موقف من يعتقدون بأنه موجود بالفعل. إن الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو أعطى كارهي “إسرائيل” هدية لا تقدر بثمن.
والفظيع في كل هذا هو أن نتنياهو وحكومته ووزراءه قاموا بسن القانون بكامل إرادتهم الحرة دون وجود حاجة حقيقية تستوجب ذلك ولاعتبارات شخصية وضيّقة لا تتعدى كسب بعض الشعبية لدى الرأي العام وتخطي نفتالي بينيت، الذي قد يكون خصمًا سياسيًا في الانتخابات القادمة، ومن أجل تقديم الناشطين اليساريين الذين يعارضون القانون كديكتاتوريين وخونة. شوّه نتنياهو وحلفائه اسم “إسرائيل” لتبدو كدولة ضيقة الأفق، فالدولة “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” كما يسميها البعض هزمت نفسها بنفسها”.
ترجمة العنوان الأصلي: “الموافقة على قانون القومية هو ضربة قاضية للدعاية الإسرائيلية والقشة التي تحطم اليهود الأمريكيين”
رابط المادّة: https://bit.ly/2Czii6e