مقدّمة العسّاس | استهداف BDS | أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن واشنطن ستصنف المنظمات المنخرطة في حملة مقاطعة “إسرائيل” بأنها “معادية للسامية”، وساوى بينها وبين “معاداة الصهيونية”، ما فتح
المجال لمحاربة واسعة لحركة المقاطعة، وهو على ما يبدو خطوة عملية لما كان يتم منذ أكثر من ثماني سنوات من
مواجهة حركة المقاطعة على الصعيد الدولي.

كما أن محاربة “إسرائيل” لناشطي حركة المقاطعة بشكل علني لا تخفى علينا، ولهذا اخترنا أن نعرض جانبًا آخر
أكثر خفاءً لاستهداف حركة المقاطعة.

هذه المادة تكشف تاريخ المحاولات الإسرائيلية الأميركية المستمرة حتى الآن لـ استهداف BDS تحسين صورة “إسرائيل” دوليًا.

إعداد العسّاس | 

مع بداية الحرب على غزة عام 2012، أطلقت اللجنة الطلابية في المركز متعدد المجالات في “هرتسليا” حملةً
دعائيّة تهدف إلى تحسين صورة “إسرائيل” في العالم، وذلك من خلال نحو 1200 طالبًا من 86 دولة وجنسية مختلفة.

استهداف BDS

 بدأت اللجنة حملة واسعة عبر الشبكة باستخدام 22 لغة مختلفة من خلال منصات التواصل الاجتماعي والوسائط
الرقمية بشكل عام، وتجدد نشاط الحملة في عام 2014 أثناء الحرب على غزة كذلك.

أمّا في عام 2016، تبنّت إدارة المركز هذه الحملة واستمرّت بالعمل في نشر الدعاية الإسرائيلية إعلاميًا بالتعاون مع
المركز الإسرائيلي-الأمريكي(IAC)  هذه المرّة.

سمّيت هذه المبادرة بـ Act-IL وكان هدفها، كما تعرّف عن نفسها: “محاربة الدعاية ضد “إسرائيل” ونشاطات
حركات مقاطعة “إسرائيل” (BDS) حول العالم وتطوير رأي عام إيجابي تجاه “إسرائيل” من خلال إنشاء شبكة
متطوعين حول العالم وظيفتهم نشر رسالة المبادرة التي طوّرها فريق عمل المبادرة من خلال نشاطات منظمة على نطاق واسع”.

إضافة إلى كل ذلك، تُقيّم المبادرة حملات تدريبية للمتطوعين في “إسرائيل” وفي الولايات المتحدة لإعدادهم للعمل
وفق سيناريوهات مختلفة متعلّقة بالحملات الدعائية ضد “إسرائيل” في سياقات مختلفة. [1]

قد يبدو الأمر عفويًّا للناظر من بعيد، مجموعة من الشبّان المحبّين لدولتهم يقومون بنشاطات واسعة لمواجهة الحملات
ضدها، غير أنّ الأمر ليس على هذه الصورة تمامًا، فإن إحدى الداعمات الكبرى لهذه المبادرة هي عمليًا حكومة “إسرائيل”.

ويكشف تقرير صحفي إسرائيلي، أن وزارة الشؤون الاستراتيجية “الإسرائيلية” بذلت نصف مليون شيكل (نحو 150
ألف دولار) من أجل إقامة هذه المبادرة. [2]

وذلك يعني أنّ المبادرة التي تعتمد على متطوعين مجهولي الهويّة ممن ينشرون ويكتبون في منصات التواصل
الاجتماعي بهدف التلاعب في الخطاب العام حول “إسرائيل” مدعومون بشكل رسمي من قبل الحكومة الإسرائيلية.

إذن في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة يستنكر تدخّلات الدول الأخرى في السيّاسة الإسرائيلية، كان يضخّ
الملايين من أجل تجنيد مبادرات وأجسام كثيرة تعمل ذراعًا لها حول العالم. [3]

تطبيق Act-IL

بالإضافة إلى  Act-IL، أعلن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، جلعاد أردان (يعمل حاليًا سفيرًا لـ “إسرائيل”
في الولايات المتحدة والأمم المتحدة)، بتاريخ 5.6.2017 في مؤتمر لمناهضة المقاطعة في نيويورك عن إقامة حركة
جديدة تعنى بنشر “الصورة الحقيقية لـ “إسرائيل” سمّاها 4IL (من أجل “إسرائيل”) حيث كان هدفها الأسمى، كما
أعلن أردان، مناهضة حركة المقاطعة التي تعمل ضد شرعيّة “إسرائيل”.

من أجل هذا، جنّدت وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية قنوات إعلامية وصحف عبرية وأجنبية لتغطية المؤتمر
ثم النشر حول الحركة لتوسيع شبكاتها مقابل أموال تدفعها الوزارة لهذه الصحف والقنوات.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فضمن استهداف BDS أعلنت وزارة الشؤون الإسرائيلية عام 2017 أنها ستدعم منظمة
مدنية سُجّلت رسميًا عام 2016 باسم “مقلاع سليمان” بـ128 مليون شيكل في حال تمكّنت هذه المنظمة من تجنيد 128 مليونًا أخرى من مؤسسات ورجال أعمال داعمين للدعاية الإسرائيلية.

وتدير المنظمة بشكل غير مباشر وزارة الشؤون الاستراتيجية لحكومة “إسرائيل”، حيث أنّ رئيس المنظمة هو مدير
مكتب الوزارة السابق يوسي كوبرفيسور، ضابط ورجل مخابرات إسرائيلي.

وكبقية الأجسام التي ترعاها الوزارة، كان هدف “مقلاع سليمان” محاربة حركات المقاطعة بشكل رئيس عبر الشبكة
ومواقع التواصل ومن خلال الورشات التدريبية التي تهدف إلى نشر الدعاية الإسرائيلية. [4]

اضطرّت “مقلاع سليمان” إلى تغيير اسمها إلى “كونسرت” مؤخرًا بنية تجديد عمل المنظمة حيث أنها بدأت بلفت انتباه النقّاد والصحفيين بسبب الأموال الكثيرة التي تُضخّ إلى خزينة المنظمة بشكل رسمي على حساب الحكومة. [5]

دعم المؤسسات الأمريكية للحكومة الإسرائيلية

وشهر أغسطس 2020، كشف تقرير صحفي من مجلتي “فوروارد” و”العين السابعة” عن 11 مؤسسة أمريكية تلقت دعمًا من الحكومة الإسرائيلية بطرق مخالفة للقانون الأمريكي المتعلق بالوكلاء الأجانب (FARA) بهدف العمل على تغيير الرأي العام الأمريكي لصالح “إسرائيل”، ومناهضة حركات المقاطعة التي تدعو ضد “شرعية إسرائيل”. [6]

لا تنتهي مسألة الأذرع الإسرائيلية الممتدة التي تستهدف المقاطعة تحت غطاء المنظمات المدنية عند “مقلاع سليمان”، بل هناك مثلًا “كيرن معجليم”، الجمعية التي كانت تهتم بإعانة أصحاب الحِرف، غير أنّها توقّفت عن العمل منذ سنوات، واستغلتها الحكومة الإسرائيلية في السنوات الأربع الأخيرة لضخ أموال (60 مليون سنويًا) إلى حركات ومنظمات تستهدف حركة المقاطعة وتهدف إلى نشر الدعاية الإسرائيلية بشكل أوسع. [7]

وهناك أيضًا جمعية “موزايك يونايتد” التي أقيمت بحجّة تقوية الأواصر بين يهود العالم، غير أنّها في الحقيقة تمرر أموالها التي تستلمها من الحكومة الإسرائيلية إلى 3 منظمات أخرى تعمل على نشر شرعية “إسرائيل” وضد حركة المقاطعة. كلّفت إقامة هذه الجمعية عام 2015، 570 مليون شيكل دفعت الحكومة الإسرائيلية منها 170 مليون، بالإضافة إلى 90 مليون شيكل تديرها الجمعية سنويًا. [8]

جمعية قوس داوود و استهداف BDS

 “قوس داوود” هي جمعية أخرى، حديثة نسبيًا، أقامها الضابط “يوسي كوبرفيسور” المذكور سابقًا، بالإضافة إلى ضابط إسرائيلي آخر متخصص في نظم المعلومات هو عيران فوكسر، وهي مرتبطة في تمويل عملها بـ”مقلاع سليمان”.

تعمل هذه الجمعية على “مَوْقَعة” الأهداف المحتملة التي تعمل ضد الدعاية الإسرائيلية من خلال البحث عن كلمات مفتاحية عبر الشبكة ووسائل التواصل الاجتماعي أو بطرق متطورة أكثر، للوصول إلى ناشطي حركة المقاطعة أو كل ما يتعلق بالمقاطعة بهدف بناء استراتيجيات ردّ في سبيل الحدّ من حركة المقاطعة ونشاطها. [9]

كما يمنع “القانون الإسرائيلي”[10] هذا النّوع من الميزانيات “الضبابية” التي تقوم بتحويل أموال هائلة إلى جهات مدنية دون رقيب، ودون ضرائب، غير أنّ الحكومة الإسرائيلية تجاوزت القانون بطرق التفافية حتى تستطيع بذل هذه الأموال في سبيل مناهضة حركات المقاطعة، من خلال توظيف جمعيّات مختلفة تعمل على ذلك، بل إنّ أردان وزير الشؤون الاستراتيجية آنذاك سعى أن يحصل على تصريح قضائي يأذن له بإخفاء صادرات وزارته المتعلقة بهذه المنظمات. [11]

في عام 2018، صدر عن الكونغرس الأمريكي قانون يقضي بمعارضة كل نشاط يدعو لمقاطعة “إسرائيل”” (Israel Anti-Boycott Act)بالاعتماد على قرارين سابقين من الكونغرس ينصّان على معارضة كلّ حركة تدعو لمقاطعة “إسرائيل” من جهة وعلى الاستمرار في تطبيق التعاون الاستراتيجي بين “إسرائيل” وأمريكا من جهة أخرى. [12]

أمّا في هذا العام (2020) تطوّر الأمر لينصّ بشكل حرفي على حركة مقاطعة “إسرائيل”، إذ صرّح وزير الخارجيّة الأمريكي مايكل بومبيو أنّ حركة المقاطعة هي حركة معادية للساميّة، وأنّ كلّ معاداة للصهيونية هي معاداة للساميّة، والولايات المتحدة تعمل بجد على الحدّ من ظاهرة معاداة السامية حول العالم، ومن واجبها العمل ضد حركة مقاطعة “إسرائيل” والتصدّي لها.

وأضاف أنّه وجّه وزارته لملاحقة كل الحركات والأفراد التي لها علاقة بحركة المقاطعة وحثّ حكومات العالم على اتخاذ خطوات لمنع دعم حركة المقاطعة بشكل مباشر أو غير مباشر. [13]

المصادر:

[1] “المركز متعدد المجالات”: https://bit.ly/2L55VVG
[2] “حركة حرية المعلومات”: https://bit.ly/2Ld4wMZ
[3] “العين السابعة”: https://bit.ly/2VGwXoB
[4] “العين السابعة”: https://bit.ly/2VGwXoB
[5] “حركة حرية المعلومات”: https://bit.ly/39N1yJm
[6] “العين السابعة”: https://bit.ly/2IhH9R9
[7] ” شكيفوت”: https://bit.ly/3geeJEk
[8] ” شكيفوت”: https://bit.ly/33OWWyv
[9] “شكيفوت”: https://bit.ly/36O0pPW
[10] “حرية المعلومات”: https://bit.ly/3lLPhas
[11] ” حركة حرية المعلومات”: https://bit.ly/36M6YSJ
[12] ” الكونغرس”: https://bit.ly/3oteI23
[13] “الخارجية الأمريكية”: https://bit.ly/3lLRzpN