مقدمة العساس | يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يستعد للدخول في مرحلة متقدمة من سياسة الاستيطان، من خلال تحويل سيطرته الإدارية على معظم الأراضي في فلسطين، إلى سيطرة مكانية تُضيّق الخناق على الفلسطينيين وتحد من توسعهم الطبيعي. فكيف تنفذ “إسرائيل ذلك؟ وهل هناك طرق فعّالة لإيقافها؟

هذا المقال يُسلّط الضوء على مشاريع الاحتلال الإسرائيلي التوسعيّة في مناطق الداخل المحتل، ويُوضّح كيفية تنفيذ ذلك ضمن غلافٍ قانوني.

ترجمة العساسيمتلك اليهود في الوقت الحالي نحو 96% من الأراضي في “إسرائيل”، أمّا العرب فيمتلكون أقل من 4%، أي ما يقارب 700 ألف دونم، وهذا على عكس ما كان عشية النكبة، حين وصلت أراضي العرب إلى 17% ثم انخفضت عبر السنوات، ونقلت إلى حوزة الصندوق القومي اليهودي ودائرة أراضي “إسرائيل”، بهدف خدمة الاستيطان.

بسبب إحياء يوم الأرض الفلسطيني الذي تم إقراره عام 1976، تغيّرت طبيعة المصادرة وبدأ تنفيذها بأدوات مختلفة مثل الحدّ من مناطق نفوذ القرى العربية بحيث تكون أصغر من المساحة التي يملكها السكان، وبخطّط تحدّ من استخدام الأراضي مثل مصادرتها وإعلانها كغابات ومناطق عسكرية.

وتتضمن هذه الأدوات بعض الخطط القومية لبناء منشآت إسرائيلية، وهكذا تجد البلدات العربية في الداخل نفسها محاصرة بمنشآت أمنية إسرائيلية، ومناطق نفوذ لمجالس المستوطنات اليهودية، ومحميات طبيعية وشوارع سريعة (أوتستراد)، ما يحدّ من إمكانية توسيعها حسب النمو السكاني والاحتياجات المتغيرة.

في الوقت الحالي، يعيش من 70 – 90 ألف بدوي في النقب في 35 قرية غير معترف بها، ورغم الاعتراف الإسرائيلي التدريجي والقسري لبعض القرى، ما زال بعض السكان العرب يعيشون في قرى دون بنية تحتية أساسية. 

تعمل الحكومة الإسرائيلية حاليًا على مخطط لحل تجمعات البدو في النقب (مخطّط برافر- بيغين) دون الاعتراف بحقوقهم التاريخية، ضمن مسعى تهجير الآلاف منهم وإجلاء عشرات القرى، ما يعني تدمير نسيج اجتماعي وإلقاء السكّان في براثن الفقر والبطالة.

وتظهر هذه السياسة الإسرائيلية في التمثيل الرسمي، إذ يوجد ممثلين عربيين فقط في لجنة التخطيط والبناء من أصل 32 عضو، وفي لجنة منطقة الشمال هناك 2 من أصل 17 (على الرغم من أن السكان العرب يشكلون أكثر من 50 % من سكان هذه المنطقة) وواحد في لجنة منطقة المركز، ولا يوجد عرب في لجنتي تل أبيب والقدس.  

كما تُتخذ قرارات التخطيط المتعلقة بالمجتمعات والأحياء العربية في بعض الأحيان دون السماح للسكّان العرب بالمعارضة أو المشاركة في عملية التخطيط، والنتيجة هي أن هذه القرارات تضر بنمط حياة السكان العرب، إذ تقدمت محكمة العدل العليا بالتماس ضد بناء طريق يمر عبر حي بيت صفافا في القدس، وتمت الموافقة عليه دون أن تُتاح للسكان فرصة الاعتراض.

بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد خارطة هيكلية في العديد من القرى العربية، وإن وجدت فهي غير متناسبة مع الاحتياجات المتغيرة للسكّان، وفي بعض الأحيان ورغم وجود خارطة هيكلية لا يمكن تنفيذها بسبب العقبات البيروقراطية، ويظهر هذا عندما أعلنت وزارة الداخلية الإسرائيلية بين الأعوام 2000 – 2005 عن خطة لتطوير الخرائط الهيكلية للمدن والبلدات العربية.

إلا أن الواقع يشير إلى أنه ومنذ عام 2000 تمت الموافقة على 36 خارطة هيكلية تخدم سكان 41 بلدة عربية فقط من أصل 119 بلدة، إضافة إلى أنه تقرر بقاء 14 منها على الورق بسبب سلسلة من العقبات البيروقراطية الصعبة واستصدار رخص بناء بالاعتماد عليها.

كما أنه من المستحيل في 22 بلدة عربية تقديم مخطط لتوسيع مساحة البناء وتغيير أهداف الأرض، لأنها لا تفي بشروط الحدّ الأدنى للاستخدام لغرض ما، مثل وجود بنية للصرف الصحي، لأن وزارة الداخلية لا تهتم بالبنية التحتية المناسبة في البلدات العربية من ناحية، وجود هذه البنى التحتية الأساسية شرط لتوسيع البناء في هذه البلدات ومن ناحية أخرى.

أمّا في الوقت الحالي، تركّز سياسة التخطيط في البلدات العربية على تشجيع بناء الطوابق، إلا أن هذه السياسة تتعارض مع نسيج البلدات العربية وطابعها الريفي وافتقارها لبنية تحتية والصرف الصحي والأماكن الخضراء والمصانع وأماكن العمل، ودون خدمات عامة وخدمات الرفاه وأماكن ترفيهية سيختنق الناس ويسوء الحال.

بهذه الظروف ودون الاستثمار الاقتصادي الاجتماعي، ستتحول هذه البلدات إلى أماكن مزدحمة وبلدات تسكنها البطالة ويسودها العنف والنشاط غير القانوني، وهذا وحسب دائرة الإحصاء المركزي تحلّ البلدات العربية فعليًا في أسفل السلم الاجتماعي الاقتصادي.

المصدر :

المعهد الإسرائيلي للديمقراطية: https://bit.ly/2XCjQqN