مقدّمة العسّاس |
في ديسمبر الماضي، استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بشكل شخصي، أول طائرة تحمل الشحنة الأولى من لقاح كورونا، أعقبها كميات وصفت وتيرة وصولها بأنها الأسرع في العالم، في وقت تعاني فيه دول أكثر ثراءً من الحصول على إمدادات اللقاح.
كيف تمكنت “إسرائيل” من تحقيق ذلك؟ وما هو اتفاق نتنياهو مع شركة فايزر؟
هذه المادة تكشف تفاصيل اتفاق نتنياهو مع شركة فايزر المصنعة للقاح كورونا، وتبيّن أسباب سرعة توزيعه غير المسبوقة في الأراضي المحتلة.
إعداد العسّاس |
في اليوم العاشر من يناير/كانون الثاني 2021، استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طائرة تحمل شحنة لقاحات ضد فيروس كورونا تتبع لشركة “فايزر” للأدوية في مطار اللد برفقة وزير الصحّة “يولي أدلشتاين”، وبذلك عبّرا عن فخرهما كون “إسرائيل” هي الدولة الأولى التي سوف تمنح “مواطنيها” تطعيمات تصل إلى 170 ألف تطعيم في اليوم، وستصل لخمسة ملايين متطعّم حتى منتصف مارس/آذار القريب.
هذا الأمر يجعلها مثالًا عالميًا للنجاح في التغلّب على الجائحة من الناحيتين الصحّية، ومن ثم الاقتصادية، بحيث أن زيادة عدد المواطنين من متلقي اللقاح سوف تساعد في تحسين الاقتصاد وإعادة تشغيل سوق العمل.
كما ذكر “نتنياهو” أنه قد اتفق مع مدير شركة فايزر، ألبرت بورلا على تلقي الشحنات واحدة تلو الأخرى حتى أعلن أنه عقد اتفاقه مع الشركة مقابل معلومات الدولة الطبّيّة وأنّ “إسرائيل” ستكون “بمثابة تجربة” من أجل تطوير اللقاح. (1)
بحسب مصادر من كبار موظفي وزارة الصحة، فإنّ “إسرائيل” تتميّز إستراتيجيّا بثروتها السكّانية وذلك بسبب التنوّع العرقيّ والعُمريّ فيها، كما وأنّها تعتمد على أربعة صناديق مرضى ينقسم جميع “المواطنين” بينها لتلقي الخدمات الصحّيّة، التي بدورها تحفظ المعلومات الطبّيّة المفصّلة لكل شخص بشكل محوسب منذ ثلاثة عقود؛ الأمر الذي يجعل منها فئة جديرة وقيّمة للبحث.
تعليقًا على الأمر، قال نتنياهو: “سوف نتقاسم مع فايزر المعطيات الإحصائيّة الطبّيّة للمواطنين متلقّي اللقاح بهدف تطويره والقضاء على الجائحة، وباستطاعتنا ذلك لأننا نملك واحدة من أكثر المنظومات الصحّيّة تطوّرًا في العالم”.
بذلك سوف تتلقى فايزر معلومات طبّيّة أساسيّة حول كل من يتلقى التطعيم. (2)، وبسبب مخاوف المسّ بالخصوصيّة بعد الإعلان عن الاتّفاقية قامت وزارة الصحّة بنشر بنود اتفاقيّتها مع فايزر بعد موافقة الأخيرة وبعد فرض رقابة على أجزاء منها؛ فبحسب الاتّفاقية: “المعلومات التي سوف تمررها “إسرائيل” للشركة ستكون مجهولة الهوية، بحيث أنها ستتلقّى إحصائيّات حول أعداد المصابين أسبوعيًا، المصابين المتعالجين في المستشفى، والمصابين الذين يحتاجون لأجهزة تنفّس، ومعلومات عامة أخرى عامة ولا تمس بخصوصيّة متلقّي اللقاح كالعمر ومكان السكن.”.
كما أنّ الاتفاقية تهدف إلى استعمال المعلومات لتحليلها ومعالجتها حتى يكون من الممكن الإشارة إلى المرحلة التي ستتواجد فيها “مناعة قطيع” في المجتمع.
إضافة إلى ذلك، تهدف الاتفاقية بالأساس إلى ضمان توفير سريع للّقاحات وملاءمة المعلومات، إذ قال المؤسّس والرئيس العام لمجموعة “أرليخ” المتخصّصة في تسجيل الاختراعات والملكيّة الفكريّة في “إسرائيل”، جال أرليخ: “في حين وجود مأزق عالميّ مثل جائحة كورونا، ليس من المحبّذ فقط على الدولة المشاركة بملكيّتها الفكريّة فحسب، بل من الضروريّ من أجل إمكانية التعلّم منها والتطوير بمساعدتها علاجات في المستقبل”.
وأضاف أرليخ: “اختارت “إسرائيل” مشاركة ملكيّتها الفكرية والخوارزميّات وأساليب التطعيم ووسائل جمع المعلومات لتمكّن علماء وأطبّاء من دول أخرى بالاستعانة بها”. (3)
ورغم من أنّ واجب “إسرائيل” القانونيّ هو تطبيق حقّ السلامة لجميع من هم تحت سيطرتها، واتّفاقية أوسلو تشمل التعامل مع الأمراض المعدية وواجب التعاون بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية من أجل ذلك.
وكانت قد توجهت منظمة الصحة العالمية بطلب لـ “إسرائيل” لتوفير اللقاحات للفلسطينيين في الضفة الغربية، إلا أنّ الحكومة رفضت وأعلنت، في الأسبوع الأول من عام 2021، أنهّا في الوقت الحاليّ لا تنوي إرسال أيّ لقاحات للسلطة الفلسطينيّة لأنّ أولويتّها توفير اللّقاح للإسرائيليّين.
وعلٌقت وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة على ذلك: “إسرائيل” تتجاهل واجباتها كسلطة احتلال، وتمارس تمييزًا عرقيًّا ضد الفلسطينيّين، وتمنع عنهم حقّهم في السلامة”. (4)
وقد حذّرت من خطورة الأمر أكثر من جهة في وزارة الصحّة الإسرائيليّة، لأنّ هناك ما يقارب ال 10 آلاف عامل فلسطيني في “إسرائيل”، الأمر الذي من شأنه نقل العدوى والمخاطرة بصحة الإسرائيليّين، بالإضافة إلى أنّ هناك إسرائيليين يذهبون للضفة.
كما أنّ الحكومة أعلنت رفضها (أو تأجيلها) ردّا على المحكمة العليا بعد تقديم عائلة الجندي “هدار جولدين” التماس من المحكمة العليا مطالبة فيها الحكومة بالامتناع عن نقل أيّ بضائع، أدوية، لقاحات أو حتى أشخاص إلى قطاع غزة حتى تعيد لهم حماس جثة ابنهم المحتجزة هناك منذ ستّ سنوات. (5)
ويأتي هذا بالإضافة إلى إعلانها عدم استقبال أي مريض كورونا من قطاع غزة أو الضفة الغربية حتى الآن.
وقبل أيام، أعلن وزير الأمن الداخليّ “أمير أوحنا” عن قراره بعدم تطعيم الأسرى والمعتقلين في السجون، الأمر الذي جعل الرئيس الإسرائيلي، رؤوفلين ريفلين، يعرب عن موقفه المعارض للوزير أوحنا، وذلك “لأن الأمر يتعارض مع قيم الدولة اليهودية “الديمقراطية”.
وقال إنه توجّه لوزير الصحّة بطلب لمنح الأسرى التطعيم، حفاظًا على صحّتهم وصحّة العاملين في مصلحة السجون. (6)
“أحضرنا ملايين اللقاحات، أكثر من أي دولة في العالم نسبة للفئة المطلوبة، وأحضرناها للجميع، لليهود، للعرب، للمتديّنين وللعلمانيّين”، هذا ما قاله نتنياهو خلال زيارته لمقرّ التطعيم في مدينة الطيرة، ضمن حملة تشجيع لزيادة اللّقاحات في المجتمع العربيّ، التي كانت الزيارة الأولى لبلدة عربيّة منذ زيارته لمدينة طمرة في فبراير شباط 220 بهدف انتخابات الكنيست، وتلتها زيارات لمدينتيّ أم الفحم والناصرة.
وبعد شرحه لأهمّية تلقّي اللّقاح وزيادة الفئة المطعّمة من أجل إنهاء الإغلاقات وإعادة تشغيل وفتح الأماكن العامة، صرّح لموقع “واينت” في مقابلة خلال زيارته لمقرّ التطعيم في أمّ الفحم أنّه يرغب في “زيادة دعم وعدد المصوّتين له من المجتمع العربي في الانتخابات القريبة”، وأكّد أنه سوف “يضاعف الجهود لاستئصال العنف المستشري في المجتمع العربي”. (7)(8)
وأضاف نتنياهو: “هل ترون أحضان اليهود والعرب في دبي والبحرين؟ لماذا لا يكون هذا هنا؟ الشيء نفسه هنا”، وطلب من الجمهور الوصول إلى محطّات التطعيم وتلقّيه من أجل معالجة الأمور بالتدريج: كورونا والقانون والنظام (العنف) والبنى التحتية.
وقال إنه رئيس الوزراء الأول الذي يقدم خدمات لتطوير المجتمع العربي وتقليص الفجوات بتخصيص ميزانية 15 مليون شيكل، واستغلّ أيضا مقابلته للتلميح عن فشل الإغلاق الثالث في “الدولة” منذ انتشار الجائحة بسبب خصمه السياسي بني غانتس، وزير الأمن من حزب ازرق أبيض، إذ ألقى عليه اللوم بسبب قرارات تتعلق في الإغلاق العام ويطلب منه “الاستيقاظ”. (8)
أخيرًا عند زيارته للناصرة، استعمل نتنياهو كورونا لمصلحته الانتخابية، ووسط إقامة مظاهرة غاضبة معترضة على زيارته، التي اندلعت بموجبها مواجهات بين المتظاهرين والشرطة وشرطة الحدود الإسرائيلية التي اعتقلوا فيها 19 متظاهرًا، قال نتنياهو إنه “يسعى لإنشاء عهد جديد في العلاقات العربية اليهودية في “إسرائيل” ومساواة في الاحترام والفرص والقوّة”. (9)
المصادر:
(1) “هآرتس”: https://bit.ly/2XOP1xN
(2) “زمان”: https://bit.ly/38Tstm0
(3) “ماكو”: https://bit.ly/2Knbf6P
(4) “إن 12”: https://bit.ly/3sCbmN2
(5) “جلوبس”: https://bit.ly/3inZw4x
(6) “والا”: https://bit.ly/3nP8Wax
(7) “هآرتس”: https://bit.ly/2M7K0h1
(8) “واينت”: https://bit.ly/2XQMMtK
(9) “معاريف”: https://bit.ly/3ioFsPn