مقدّمة العسّاس |

لم يكن النقاش حول فكرة “الضم” جديدًا، من حيث المبدأ، على السياسية الإسرائيليّة، فمع انتهاء النكسة في حزيران/يونيو من عام 1967، كان على “إسرائيل” التعامل مع واقع جديد نشأ نتيجة استيلاء الجيش الإسرائيليّ على مناطق واسعة للغاية، يكتظ قسم منها بالسكّان المدنيّين “المعادين” لها. وقد خلق الوضع الجديد حاجة لتنشيط حكم عسكريّ من أجل إدارة حياة السكّان الذين أصبحوا تحت السيطرة الإسرائيليّة، وبالتالي تحت مسؤوليّتها.

هذه المادة المترجمة (المنقسمة على ثلاثة أجزاء)، تعرض نقاط الخلاف والنقاش الذي حدث في “إسرائيل” بعد انتهاء النكسة، على كيفية التعامل مع الأراضي التي تم احتلالها، سواء بضمها أو المساومة عليها.
في الجزء الثاني تتطرق المادة إلى المنطق الاستراتيجي بالمفهوم الاسرائيلي وراء خطّة ألون وكيف أصبحت عمود أساس منطق الضمّ الزاحف.

ترجمة العسّاس | 

الجدل التاريخي في “إسرائيل” بشأن مستقبل الأراضي المحتلّة (جـ 2) : خطّة ألون وحجر أساس الضم

في تاريخ 31 أكتوبر من عام 1968، اتّخذت “إسرائيل” قرارًا مشابهًا للذي ذكر أعلاه (راجع مادة الجزء الأول)، فيما يتعلّق بالجبهة الجنوبية، حيث قرّرت الحفاظ على سيطرتها في شرم الشيخ كأمر مفروغ منه.

ومن أجل دحض أيّ مجال للشك، قامت بالتشديد في القرار على أنّه قرار بديل لذلك القرار الذي صدر في 19 حزيران 1967 (في جلسة الحكومة الإسرائيليّة)، وقد سبق اتّخاذ القرار سلسلة من المشاورات من قبل لجنة وزاريّة، وسلسلة من الاجتماعات التي استمرّت لساعات طويلة.

خلال النقاشات، عبّر ألون عن وجهة نظره قائلًا: “حتّى السياسة الخارجيّة عليها أن تكون ديناميكيّة وليست سياسة استراتيجيّة عسكريّة وحسب، إذا لم نحدّد حقائق قانونيّة واستيطانيّة، فأنا لست على يقين ما إذا كنّا لن نعود إلى ما كان هنا قبل الحرب أم لا”.

بناءً على ذلك، قام ألون باقتراح أن يضمّ إلى “إسرائيل” جبل الخليل كلّه، بما في ذلك العرب الموجودين فيه بوضع مماثل لفلسطيني الداخل، ذلك إلى جانب القدس الكبرى.

وقد فسّر ألون ضرورة تحقيق هذا الأمر من أجل “توسيع بقعة الأراضي الإسرائيليّة، ومن أجل ضمان مستقبل القدس والسيطرة على شاطئ البحر الميت حتّى شمال البحر الميّت”.

بالإضافة إلى ذلك اقترح ضمّ غور الأردن، من غور بيسان وحتّى البحر الميّت، بهدف الحفاظ على اتّصال جغرافي بين شمال الدولة وجنوبها، ليس فقط على طول الساحل وإنّما في غور الأردن كذلك، بعرض معقول والذي يمكّن “إسرائيل” من تشكيل حزام أمنيّ يوفّر الحماية لها.

من أجل فرض السيطرة والاستحواذ على المناطق المذكورة أعلاه اقترح ألون القيام بذلك من خلال خلق حقائق استيطانيّة، لأنّه لا يمكن اعتبار أنّ “إسرائيل” قد استولت على منطقة ما من دون الاستيطان فيها (يغئال ألون في جلسة الحكومة).

يعكس كلام ألون وزملائه البُعدين اللذين صاحبا هذه الاجتماعات والقرار الذي اتّخذ في إطارها: السياسيّ التكتيكيّ والدبلوماسيّ المستعجل، والاستراتيجيّ السلميّ الأكثر حذرًا والأكثر تعقيدًا.

 معاينة وفحص بروتوكولات هذه الجلسات قادت الباحثين إلى استنتاجات مختلفة، على سبيل المثال: قام يوؤاف جلبر بعرض مُقنع لإمكانيّة أن يكون النقاش والقرارات التي اتّخذت في أعقاب القرار السرّيّ لم تعكس بالضرورة وجهة نظر وموقف جوهريّ لديهم، وإنما جاءت كلّها نتيجة للوضع السياسيّ في تلك الساعة، أيّ الخوف من أن تدفعهم الضغوطات الأمريكيّة للقيام بانسحاب من جانب واحد فقط كما حدث عام 1957، فيما يعتقد آفي راز أنّ “القرار السرّيّ” كان فقط بهدف المناورات السياسيّة.

كان الهدف من الجدل بين ديّان وألون حول مستقبل الضفّة الفوز بدعم الولايات المتّحدة الكامل ضدّ الاتّحاد السوفييتيّ ومطالبتهم وزارة الأمن الإسرائيليّة بالانسحاب غير المشروط من جميع الأراضي المحتلّة عام 1967.

أمّا جوهر الانسحاب كما تحدّث عنه إشكول فعليه “أن يكون انسحابًا في مقابل سلام كامل، وإن كان الانسحاب غير ذلك هذا يعني استمرار الوجود الإسرائيليّ في المناطق المحتلّة عام 1967”.

لقد تحدّث إشكول عن “تنازلات دراميّة”، وهو مصطلح غامض، قد يكون “الانسحاب الكامل” أحد تفسيراته، لكنّ هذا التفسير ليس ضروريًا وليس واحدًا فقط، لذلك من غير الواضح لم اعتقد جولدشتاين أنّ إشكول كان يتعامل وحتّى أيّامه الأخيرة مع “القرار السرّيّ” على أنّه يعني سلام كامل مقابل إعادة كلّ الأراضي التي احتلّت خلال النكسة.

قبل وفاته، قال ألون إنّ القرار السرّي لم يكن إلّا قرارًا أحمقًا، وبالفعل، منذ الثالث عشر لتمّوز 1967، اقترح ألون تطبيق القانون الإسرائيليّ، حتّى السيادة منه، في الجولان، إلّا أنّ الحكومة رفضت اقتراحه السياسيّ هذا، بسبب المعارضة الجارفة لاقتراحه من قبل آبا افن، وزير الخارجية آنذاك.

مع ذلك تبنّت الحكومة خطّته المعروفة والتي حملت اسمه وتأسست عليها سياسات الاستيطان الإسرائيليّة بشكل غير رسميّ حتىّ عام 1977.

اعتمدت “خطّة ألون” على عنصرين اثنين: العنصر الأوّل كان عنصرًا أمنيًّا والثاني كان عنصرًا ديموغرافيًّا. وقد كان على سياسة الاستيطان أن تشمل كلا العنصرين، أيّ على “إسرائيل” أن تستوطن المناطق التي تحتاجها لغايات أمنّية وفي نفس الوقت الكثافة السكّانية الفلسطينيّة فيها منخفضة، والعكس صحيح.

وهذا يعني أن “إسرائيل” لا تستوطن المناطق التي فيها كثافة سكّانية فلسطينيّة مرتفعة، وإن كانت مناطق هامّة من الناحية الأمنيّة، كما ولن تسعى “إسرائيل” للاستيطان في مناطق خالية من الفلسطينيّين وهي غير ضروريّة أمنيًّا. على سبيل المثال: “إسرائيل” تدعم الاستيطان في مناطق مثل بقعه، “صحراء يهودا” باتجاه مستوطنة معاليه أدوميم المقامة على أراضي بلدة أبوديس، ومستوطنة كريات أربع (تقع شرقي وعلى مشارف الخليل في منطقة جبال يهوذا في الضفة الغربية)، سيناء وشواطئ البحر الأحمر.

أمّا المناطق التي وبحسب خطّته لا يجب السعي للاستيطان فيها، فهي: رفيديم (وهي واحدة من الأماكن التي مرّ عليها بنو إسرائيل وفقًا للعهد القديم أثناء فترة التيه بعد الخروج من مصر، تقع بين برية سين وبرية سيناء)، ونابلس.

بالنظر إلى أنّ “إسرائيل” اتّبعت خطّة ألون بصورة عامّة، كان ديّان قد اقترح اقتراحًا مضادًّا: إقامة أربع مدن يهوديّة المكوّنة من عشرين ألف نسمة، كل واحدة منها ستقام على الجزء الخلفيّ من الجبل، بالقرب من مدن الخليل، ورام الله ونابلس وجنين الفلسطينيّة.

وقد قام روبن فادهتسور بتلخيص محدوديّة خطّة ديّان، التي وفقًا لرأيه لم تحاول التعامل مع المعضلة الديموغرافيّة ولم تقترح حلًّا لها، وإنّما حاولت الالتفاف عليها.

حينها قام ديّان بعرض تصوّره لمستقبل المناطق المحتلّة بعدد لا يحصى من الخطابات، المقابلات والمقالات التي نشر عدد كبير منهم بعد سنتين من الحرب، وبرزت فيهم سياساته بصورة أكثر وضوحًا.

اعترض ديّان على تثبيت “جدار برلين” كما عرّفه في قلب “أرض إسرائيل”، لأنّه اعتقد أنّ مثل هكذا فعل سيضرّ بالعلاقات الإسرائيليّة العربيّة التي شبهها بالأمواج التي تغزو اليابسة، واليابسة التي تدخل الأمواج.

في مرحلة ما، كان ألون مقتنعًا أنّه طالما لا يوجد اتّفاق سياسيّ أو حتّى جزئي مع الأردن والفلسطينيّين، على “إسرائيل” تحديد حقائق استيطانيّة في المناطق الحيويّة من الناحية الأمنيّة.

كما أن اقتراح ديّان هدف إلى خلق ظروف التي تضمن استحالة التسوية السياسيّة، وقد شهد شلومو غازيت، وهو اليد اليمنى لديّان والمنفّذ لخططه في الضفّة الغربيّة، أنّ ديّان قد قال للشاعرة الفلسطينيّة الراديكاليّة فدوى طوقان، التي كتبت في إحدى قصائدها عن رغبتها في تناول كبد جندي يهوديّ: “إنّ وضعنا اليوم مشابه للعلاقة المعقّدة والمركبة بين رجل بدويّ والشابة التي اختطفها ضدّ رغبتها. ولكن عندما يولد لهمت أطفال، سيعترف الأطفال بهذا الرجل كأبيهم، وهذه المرأة كأمهم، وسيكون فعل الاختطاف الأوليّ بلا أيّ معنى لديهم. أنتم أيها الشعب الفلسطينيّ لا ترغبون بنا اليوم، ولكننا سنغيّر موقفكم من خلال فرض وجودنا عليكم”.

الجزء الأول: منطق ديّان في مواجهة منطق ألون

الجزء الثالث: رسم السياسات المتعلّقة بالقدس والاستيطان

المصادر:

(1) “جامعة أرئيل”: https://bit.ly/2OBopf3

 

View this post on Instagram

 

A post shared by العسّاس (@alassasnet) on