مقدّمة العسّاس |

لم يكن النقاش حول فكرة “الضم” جديدا، من حيث المبدأ، على السياسية الإسرائيليّة، فمع انتهاء النكسة في حزيران/يونيو من عام 1967، كان على “إسرائيل” التعامل مع واقع جديد نشأ نتيجة استيلاء الجيش الإسرائيليّ على مناطق واسعة للغاية، يكتظ قسم منها بالسكّان المدنيّين “المعادين” لها. وقد خلق الوضع الجديد حاجة لتنشيط حكم عسكريّ من أجل إدارة حياة السكّان الذين أصبحوا تحت السيطرة الإسرائيليّة، وبالتالي تحت مسؤوليّتها.

هذه المادة المترجمة (المنقسمة على ثلاثة أجزاء)، تعرض نقاط الخلاف والنقاش الذي حدث في “إسرائيل” بعد انتهاء النكسة، على كيفية التعامل مع الأراضي التي تم احتلالها، سواء بضمها أو المساومة عليها.
في الجزء الأول نتطرق إلى محاور الخلاف الأساسية بين خطة ومنطق موشيه ديّان مقابل خطة “ألون” التي يرى كثيرون أنها باتت المرجع الأساس لسياسة الضمّ.

ترجمة العسّاس | 

الجدل التاريخي في “إسرائيل” بشأن مستقبل الأراضي المحتلّة (جـ 1) : منطق ديّان في مواجهة منطق ألون

تمحور الجدل الإسرائيليّ العامّ منذ النكسة حول وضع الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة- كلاهما جزء من مساحة فلسطين الانتدابيّة، التي كانت عبارة عن وحدة جغرافيّة دون تسمية دولة أو اعتبارها بمكانة دولة.

ولقد انقسم الجمهور الإسرائيليّ بهذا الشأن إلى حركتين: الحركة الأولى ترى أنّه على “إسرائيل” الاحتفاظ بهذه المناطق من أجل استغلالها كورقة مساومة بهدف تحقيق اتّفاقيّات سلام مع الدول العربيّة والكيان الفلسطينيّ وفقًا لبنود الهدنة، مع إدخال بعض التعديلات اللازمة عليها.

أمّا الحركة الثانية، هي حركة أرض “إسرائيل” الكبرى، وهي حركة قوميّة تعتقد أنّ النكسة سمحت للشعب اليهوديّ بالاستقرار من جديد في أرضه، كما تعتقد أنّه لا توجد هناك أيّة قيود سياسيّة أو قانونيّة يمكنها أن تمنع هذا الاستقرار- أيّ أنّ هذه الحركة تؤمن أنّ على “إسرائيل” الانتشار على “أرض إسرائيل الكبرى”، من البحر الأبيض المتوسّط إلى نهر الأردن.

وأدّت الاضطرابات السياسيّة التي مرّت بها “إسرائيل” في عام 1977 إلى تغيير في سياسة حكومات إشكول، ومئير ورابين، كما وقّع رئيس الوزراء مناحيم بيجن على اتفاقيّة سلام مع مصر، نصّت على عودة “إسرائيل” إلى الحدود الانتدابيّة، وإخلاء سيناء من كلّ وجود مدنيّ أو عسكريّ إسرائيليّ فيها.

على الرغم من ذلك، رفض بيجن خلال المفاوضات بشأن الاتّفاقيّة، السماح بأيّ وجود مصريّ -بغضّ النظر عن طبيعته- في قطاع غزّة، وذلك قبل نسفه للمحادثات مع مصر بشأن الفترة التجريبيّة التي كان من المفترض أن تمنح خلالها الأراضي المحتلّة استقلاليّة فلسطينيّة، استعدادًا لإقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة.

ولم تشكّل هذه السياسة عائقًا فيما بعد أمام الحكومة الإسرائيليّة بقيادة أرئيل شارون لاتّخاذ قرار أحاديّ الجانب بشأن الإخلاء الكامل لقطاع غزّة من أيّ وجود عسكريّ ومدنيّ إسرائيليّ عام 2005، وهو قرار كان قد اتّخذ بدون أيّ اتّفاق سياسيّ مُسبق.

هذا يشابه الحالة التي لم يمنع فيها قانون “تطبيق القوانين الإسرائيليّة على هضبة الجولان لعام 1981” رؤساء الوزراء الإسرائيليّين، بما فيهم نتنياهو من حزب الليكود، من التفاوض مع الحكومة السوريّة حول اتّفاقيّة سلام وهي التي تنصّ على إخلاء كلّ أو معظم هضبة الجولان

(معهد أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ).

الاختلافات في الرأي بين سياسة موشيه ديّان ويغئال ألون 

في حين اعتقد ألون أنّه كان على “إسرائيل” اغتنام الفرصة في حالة الحرب لتغيير الوضع السياسيّ بشكل جذريّ من خلال إنشاء حدود يمكن الدفاع عنها، واستغلال الأراضي بهدف تحقيق عمليّة السلام، مكّن دخول ديّان إلى الحكومة في عشيّة النكسة أتباع “الوضع الراهن” من التمتّع بمكانة ذات قوّة كبيرة.

وفي الأوّل من حزيران 1967، اقترح شمعون بيريز تفجير منشأة نوويّة في الجنوب، وبالتالي إيقاف الحرب وإلغاء الغموض أو التعتيم النوويّ، الذي يعتبر أحد إنجازات أشكول السياسيّة العظيمة عندما نجح من خلال مناقشاته مع الرئيس جونسون في العاشر من آذار عام 1965، في التوقيع على ما سيعرف لاحقًا بـ “العلاقات الخاصّة” بين “إسرائيل” وأهمّ قوّة في العالم.

 لم ينتظر بيريز حتّى الأوّل من حزيران لعام 1967 ليعبّر عن موقفه من تصريحات أشكول، حيث كان قد قال في خطاب له، الذي ألقاه من مقاعد المعارضة، في 23 أيّار 1966، أيّ قبل أكثر من سنة من وقوع النكسة، أنّ أشكول “أخطأ عندما اعتقد أنّه من المناسب الإعلان أنّ “إسرائيل” لا تمتلك أسلحة نوويّة، وبأنّها لن تكون أوّل من يدخلها إلى المنطقة، ماذا كان الهدف من وراء هذا القول؟”.

قام بيريز بالحديث عن الاقتراح الغريب في عشية وقوع النكسة، قائلًا: “بعد أن أصبح ديّان وزيرًا للأمن، عرضتُ عليه اقتراحًا، كان بإمكانه أن يردع العرب ويمنع الحرب من الوقوع”.

بالرغم من ذلك كلّه، كانت جماعة مؤيّدي التعتيم النوويّ هي من تقود “إسرائيل”، فيما لم يُطرح اقتراح بيريز على الإطلاق للنقاش، إلّا أنّ جهود مدرسة “الوضع الراهن” لم تتوقّف عند تلك النقطة، حيث قام ديّان خلال الحرب بأمر الجيش الإسرائيليّ، بالتقدّم حتّى 30 كم من قناة السويس لا أكثر (إلّا أنّ أمره لم يتمّ تنفيذه ووصل الجيش إلى القناة). ولو كان الأمر متعلّقًا به فقط، لبقي الجولان في أيدي السوريّين.

أمّا ألون، بعكس ديّان، اقترح أن يتقدّم الجيش حتّى مدينة السويداء في جبل الدروز، ليدفع الشعب المُطارد إلى إقامة دولة مستقلّة خاصّة به لتفصل بين “إسرائيل” وسوريا.

وصرّح ألون مع نهاية الحرب: “أنّه الآن فقط يمكننا القول أنّ حرب التحرير قد انتهت، بعد عشرين سنة تقريبًا من قيام الدولة، عندما يقف جيشنا في الأردن، وبجانب قناة السويس، في الهضبة السوريّة”، وهو الذي أقرّ قبل ثمانية عشرة سنة من هذه اللحظة أنّ “إسرائيل” لم تحدّد لنفسها حدودًا يمكن الدفاع عنها. أيّ أنّ الهدف لم يكن توسّع إقليميّ كما عرّفه ألون، وإنّما إنشاء حدود يمكن الدفاع عنها، واستغلال المناطق المحتلّة عام 1967 بغية تعزيز عمليّة السلام.

في الفترة التي تلت الحرب، قامت “إسرائيل” بمعاينة الاحتمالات المتاحة أمامها في المستقبل، وقد أطلق لاحقًا على القرارات التي اتّخذت لقب “القرار السرّيّ”، الذي تمحور حول مبدأ الانسحاب الكامل من الجبهة الجنوبيّة والشماليّة لقاء معاهدة سلام كاملة. أمّا فيما يتعلّق بالجبهة المركزيّة – الضفّة الغربيّة- فقد اتُّفِق على عدم اتّخاذ قرار يتعلّق بها بعد، حيث كانت الحكومة حكومة وحدة، وقرار مثل قرار الانسحاب من الجبهة المركزيّة يستدعي القيام بانتخابات.

بجميع الأحوال، تمّ الاتّفاق أنّ الحدود الإسرائيليّة مع الأردن ستكون نهر الأردن طالما لم توقّع معاهدة سلام بين البلدين والتي تنصّ على غير ذلك.

وقد تماشى هذا الإجماع مع الاتّفاقيّة الأوسع التي نصّت على أنّه وحتّى “إبرام معاهدة السلام.. ستحتفظ “إسرائيل” بالأراضي التي تتموضع فيها حتّى الآن”. وقد أخرجت المناطق السوريّة المحتلّة من هذا القرار في 31 كانون الأوّل لعام 1967.

في ذلك الوقت، برّر آرييه شاليف، المتحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ، والباحث الكبير حول الموضوع في الفترة التي تلت تسريحه، قائلًا: ” في جلسة الحكومة في الواحد والثلاثين من كانون الأوّل لعام 1967 صرّح الوزير “جليلي” أنّ أعضاء الحكومة جميعهم كانوا قد توصّلوا إلى قرار فيه اتّفق الجميع أن لا مجال لإعادة هضبة الجولان إلى السلطة السوريّة، وأنّ الحدود الدوليّة لا يمكنها أبدًا أن تكون حدودًا للسلام”.

وأضاف “جليلي” إلى ذلك، أنّه يريد أن “نحرّر أنفسنا من قرار التاسع عشر من حزيران فيما يتعلّق بمصر وسوريا”. وقد صرّح رئيس الحكومة ليفي إشكول: ” أمّا بالنسبة لسوريا، فقد تغيّر رأينا”.

الجزء الثاني: خطّة ألون وحجر أساس الضم

الجزء الثالث: رسم السياسات المتعلّقة بالقدس والاستيطان

 

المصادر:

– “معهد أبحاث الأمن القومي”: https://bit.ly/3fH79kk

 

View this post on Instagram

 

A post shared by العسّاس (@alassasnet) on