مقدّمة العسّاس |

يستغل الاحتلال الإسرائيلي الجغرافيا لصالحه ويحول حياة الفلسطينيين لجزر مغلقة بالحدود والحواجز والفصل العنصري، إلا أن ذلك لم يحدث فجأة بل على مدار عقود طويلة.

كيف حدث ذلك؟ وما هي تفاصيل تاريخ الاستيطان؟

 هذه المادة (مترجمة من مقال هآرتس و”سلام الآن”)، تلخّص تاريخ الاستيطان الإسرائيلي في أراضي 1967 الفلسطينية المحتلة حتى بداية حكومة نتنياهو الفاشية، وتذكر أبرز الأحداث في تلك الفترة.

ترجمة العسّاس | 

سنوات الستين:

بعد شهرين من النكسة عام 1967، تحدث وزير الأمن موشيه ديان للمرة الأولى بصورة علنية عن مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة قائلًا: ستتمسك “إسرائيل” بها حتى تُعقد اتفاقية سلام.

في تلك السّنة أيضًا، قدّم نائب رئيس الحكومة يغال ألون خطته لحلّ الصراع، إذ كان أساسها أنّ الحدّ الشّرقي لـ “إسرائيل” سيكون نهر الأردن، وسيحظى الفلسطينيون بحكم ذاتي.

أمّا في أواخر شهر أيلول أقيمت المستوطنة الأولى، مع استيطان كفار عتصيون من جديد، وبعد أن كان قد هُجِر في النكبة، ثم في آخر السنة اتُّخذ قرار 242 على يد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهو: “المطالبة بعقد السلام مع حدود معروفة وآمنة، والمطالبة بانسحاب “إسرائيل” من كلّ الأراضي المحتلّة عام 1967 في الحرب”.

 بالمقابل أقيمت حينها ما تسمى “الحركة من أجل “إسرائيل” الكاملة” (The Movement for Greater Israel) وهدفها الرئيس استيطان كل الأراضي المحتلة.

عام 1968:

 ليلة عيد الفصح اليهودي، يصل أوائل المستوطنين اليهود إلى الخليل ويقضون ليلتهم في غرفة استأجروها في أحد فنادق المدينة، ولم يرض الجيش والسياسيون عن هذه الخطوة غير أنّ الأطراف توصّلت إلى اتفاق بعد شهر من الحادثة يقضي بأن ينتقل المستوطنون إلى العيش في القاعدة العسكرية للجيش في الخليل.

خلال ذلك الوقت، أقيمت مستوطنة ناحال كاليا في الأغوار كجزء من الرؤية الأمنية لخطة ألون، وفيها أعلن رئيس الحكومة ليفي أشكول أنّ “نهر الأردن هو الحدّ الأمني لدولة “إسرائيل”.

كما أنه في السنين التالية، أقيمت مستوطنات ناحال عديدة على أراضي الضفة وغزة وقد استوطنت لاحقًا.

(مستوطنات ناحال هي مستوطنات أقيمت بالأساس على يد كتيبة ناحال، التي تعتمد على الاستيطان المشترك بين الجيش والمستوطنين للقواعد العسكرية ومن ثم تحويلها إلى مستوطنات).

 سنوات السبعين:

في عام 1972: أقيمت مستوطنة كريات أربع قرب الخليل، ثم في عام 1974 أقيمت حركة “غوش إيمونيم” الصهيونية الدينية وهدفها: إقامة مستوطنات في كل أجزاء “أرض إسرائيل”، إذ استوطن أعضاء الحركة وداعموهم في سبسطية خلافًا لموقف الحكومة، ثم بعد أربعة أيام أخلى الجنود المستوطنين من المكان بعد أن ربطوا أنفسهم بسلاسل حديدية.

ومع حلول عام 1975: استوطن أعضاء “إلون موريه” في منطقة جبال نابلس دون موافقة الحكومة التي قررت بعد نقاشات أن تخليهم من المكان.

وجاء الشاعر حاييم غوري بعد أسبوع ومعه مقترح لاتفاق من جهة الحكومة وفيه أنْ يُجلى المستوطنون من المكان إلى قاعدة عسكرية قريبة في مستوطنة كِدوم، ووافق المستوطنون على المقترح.

أمّا في عام 1977، اعتلى حزب الليكود السلطة وشكل مناحم بيغن الحكومة الجديدة التي قررت الاعتراف بالمستوطنات المقامة وراء الخط الأخضر.

 في هذه السنة وضع أريئيل شارون الخطوط العريضة لخطة استيطان واسعة وراء الخط الأخضر، كما أقيمت 15 مستوطنة جديدة من ضمنها مستوطنة نيتسر حزاني، وهي المستوطنة الأولى في قطاع غزة.

بعد عقد من النكسة وصل عدد المستوطنات في أراضي الضفة وغزة إلى 38 مستوطنة، وفي هذا العام أدانت الولايات المتحدة الأمريكية حركة الاستيطان.

بعد اللقاء التاريخي مع رئيس مصر أنور السادات عرض مناحم بيغن خطة للحكم الذاتي لفلسطينيي الضفة الغربية مما أخرج “غوش إيمونيم” و”الحركة من أجل إسرائيل الكاملة” إلى مظاهرات احتجاجية.

ثم في عام 1978: وقّعت “إسرائيل” على اتفاقية كامب-ديفيد، وفيها تلتزم “إسرائيل” بإخلاء سيناء مقابل السلام التام، إذ استمرت في مناقشة المصريين حول الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة وغزة، في المقابل توسّعت عمليات بناء المستوطنات في تلك الأراضي.

وأخيرًا في عام 1979: ألغت الحكومة الإسرائيلية منع اليهود من اقتناء الأراضي في الضفة.

سنوات الثمانين:

مع حلول عام 1980، قُتل ستة مستوطنين وأصيب 16 في هجوم لفلسطينيين على “بيت هداسا” في الخليل، حينها قام التنظيم اليهودي السري “همحتيرت” بعملية انتقامية أصيب فيها رئيس بلدية رام الله ورئيس بلدية نابلس بإصابات بالغة من عبوات ناسفة زرعت في سياراتهم، وفي هذه العملية أصيب أحد نقباء الشرطة بالعمى جراء انفجار إحدى العبوات عند محاولته فكّها.

ثم في عام 1981، استوطنت عائلتان يهوديتان البلدة القديمة في الخليل ما سجّل رقمًا قياسيًا جديدًا في عدد المستوطنات اليهودية المُقامة خلال سنة، وعددها 16، بينما في عام 1982 قرر “الجيش الإسرائيلي” إغلاق جامعة بيرزيت، وقامت بالمقابل احتجاجات ومقاومة في الضفة الغربية وغزة.

وفيه أثارت صور لمستوطنين يطلقون النار على فلسطينيين الانتقادات حول العالم، كما عزل الجيش الإسرائيلي رؤساء بلديات البيرة ورام الله ونابلس ردًا على أفعال المقاومة.

وفي هذا العام تجمع المستوطنون في مستوطنة “يميت” لمساعدة مستوطنيها في ردع عملية الإخلاء، وتحولت أغنية “على كل هذه” لنعومي شيمر لأغنية رائجة في أوساط المستوطنين بسبب جملة “لا تقلع مزروعًا”.

(المترجم: هذه أغنية إسرائيلية تصلّي فيها المغنية لله أن يحفظ لها “كل هذه” وتعدد أمورًا كثيرة. والجملة المذكورة تحمل إشارة مزدوجة للنبات المزروع ولليهودي “العائد” لأرضه)

بعد ذلك في عام 1983، تنحّى وزير الأمن أريئيل شارون من منصبه بعد توصية لجنة كوهن التي حققت في مذبحة صبرا وشاتيلا، ومن جهة أخرى عُيّن كوزير للإعمار والإسكان وباشر في زيادة البناء داخل المستوطنات.

وفي صيف هذه السنة قُتل “آشر أهرون غروس” أحد طلاب “اليشيفاه” بالخليل، خُلّدت ذكره في دوّار صغير سُمّي باسمه، وفي منطقة هذا الدوّار قُتل فلسطينيون كثر في السنوات التالية، وهاجم أعضاء التنظيم اليهودي السري الجامعة الإسلامية في الخليل ردًا على مقتل “آشر” فقتلوا ثلاثة فلسطينيين وأصابوا العشرات.

تبع ذلك في عام 1984، إحباط عملية تفجير في المسجد الأقصى خطط لها التنظيم اليهودي السري، وانكشف التنظيم الخارج من المستوطنات بعد أن أحبط الشاباك عملية تفجير حافلات فلسطينية، وأوقف 27 شخصًا من بينهم ضُبّاط احتياطي ذوي مناصب عليا، إذ تم اتهام ثلاثة من الموقوفين بالقتل.

ثم في عام 1987، قُتلت عوفرا موزس وأصيب أبناء عائلتها بحروق شديدة إثر زجاجة حارقة ألقيت على سيارة العائلة في شارع قلقيلية – ألفي منشي.

وفي شهر أيار بعد القتل حدثت مناوشات عنيفة بين المستوطنين والفلسطينيين، وفي نفس الفترة قتل الطفل رامي حفاه من مستوطنة ألون موريه.

أمّا في التاسع من كانون الأول من نفس العام انفجرت الانتفاضة الأولى، ولم تقم مستوطنات جديدة خلال السنة، وصل عدد المستوطنات في الضفة وغزة بعد عشرين سنة من احتلالها إلى 130 مستوطنة.

قبل دول العقد الجديد، وفي منتصف صيف عام 1988، أعلن الملك حسين أن الأردن ستتخلى عن الضفة الغربية حتى يقيم الفلسطينيون دولة مستقلة، وفي ليلة انتخابات الكنيست قُتلت راحيل فايس وأبناؤها الثلاثة وجندي آخر جاء لمساعدتهم عندما ألقي مولوتوف على حافلة إسرائيلية في أريحا.

سنوات التسعين:

في عام 1991، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب أن أموال الضمانات ستضخ لـ “إسرائيل” فقط في حال توقفت عمليات الاستيطان، إذ ساءت العلاقات مع الولايات المتحدة.

ثم في آخر السنة، أقيم مؤتمر مدريد وشارك فيه كل من “إسرائيل” وسوريا والأردن والفلسطينيين، وانتهى دون نتائج تذكر، كما استغلت “إسرائيل” موجة المهاجرين الجدد لزيادة البناء في المستوطنات.

ومع حلول عام 1992، وفي في منتصف تموز أقام يتسحاق رابين حكومة مركز-يسار-شاس بعد سنوات من حكم اليمين، وبعد ذلك في 1993، وافقت الحكومة على اتفاقية غزة-أريحا في آب بعد نقاشات سرية في أوسلو على إثرها خرج اليمين الإسرائيلي في مظاهرات صارخة.

بعد أسبوعين انعقد اتفاق أوسلو في البيت الأبيض، وفي أوائل تشرين الثاني أصيب الراف دروكمان وسائق سيارته في الخليل فخرج المستوطنون في أعمال شغب عنيفة.

أمّا في عام 1994، قتل الطبيب باروخ غولدشتاين من كريات أربع 29 مصليًا فلسطينيًا في الحرم الإبراهيمي، وارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 50 شهيدًا في المظاهرات التي خرجت بعد المذبحة، حينها أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن إقامة لجنة تحقيق في المذبحة، ثم في منتصف أيار أنهى الجيش الإسرائيلي إخلاء مواقعه من الأماكن المكتظة بالسكان في قطاع غزة.

بينما في عام 1995، هدد مجلس يشع (مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وغزة) بعصيان مدني احتجاجًا على نية تسليم بعض المناطق في الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية.

حينها أفتى 15 حاخامًا يمينيًا بحرمة إخلاء القواعد العسكرية في الضفة وغزة غير أنّ الجنود أطاعوا الضباط لا الحاخامات، ثم في آب أخلى الجيش الإسرائيلي المستوطنين من جفعات هداغان (جنوب بيت لحم).

بعد أيام من المناوشات أوقفت حركة “زو أرتسينو” (هذه أرضنا) حركة السير في عدد من الشوارع الرئيسية احتجاجًا على سياسة “حكومة أوسلو”.

وفي أواخر أيلول عقدت اتفاقية أوسلو الثانية وفيها تلتزم “إسرائيل” بالخروج من مراكز المدن الفلسطينية وتحرير أسرى، ولم تنجح المظاهرات الصارخة بوقف إخلاء الجيش الإسرائيلي لقواعده العسكرية، غير أنّها هيّأت الأجواء العامة لمقتل رئيس الحكومة يتسحاق رابين في الرابع من تشرين الثاني.

وظهرت نداءات لمراجعة ذاتية عند بعض المستوطنين وهتافات احتفاء عند بعضهم، ثم في أواخر السنة استمر الجيش الإسرائيلي بإخلاء بيت لحم والمدن الكبرى في الضفة والمستوطنون واليمين في حالة صدمة.

وفي عام 1997، وبعد عدة مرات من الرفض، وافقت حكومة بنيامين نتنياهو على “اتفاقية الخليل” التي تضمنت انسحاب الجيش الإسرائيلي من أجزاء من مدينة الخليل، وبعد أشهر من الاتفاق أوقفت الشابة تيتانيا سوسكين في الخليل بعد أن علقت ملصقات مسيئة للنبي محمد.

في هذا العام أٌقيمت المستوطنة الرسمية الأخيرة حتى يومنا هذا، مستوطنة منورا. بعد ثلاثين سنة من احتلال الضفة الغربية وصل عدد المستوطنات الرسمية إلى 143 مستوطنة وفيها يسكن أكثر من 156 ألف مستوطن.

وقبل الألفية الجديدة، وتحديدًا في عام 1998: قُتل دوف دريبان من مستوطنة معون في مناوشة مع رعاة أغنام فلسطينيين، وبعد موته صار رمزًا لمجموعات “ِنوعر هغفعوت”.

(أو “هغفعونيم”، “شباب التلال”، وهم مستوطنون يهود اختاروا أن يستوطنوا المناطق المفتوحة أو التلال غير المأهولة في الضفة).

خلال هذه السنة بدأت تظهر مستوطنات مخالفة للقانون الإسرائيلي على تلال الضفة حتى تحوّلت إلى موضوع خلاف بين الحكومة والمستوطنين.

ثم في عام 1999، فاز إيهود باراك على بنيامين نتنياهو في الانتخابات وصار رئيسًا للحكومة، وتوصل إلى اتفاق مع مجلس يشع يقضي بإخلاء 15 من بين 42 مستوطنة غير قانونية.

وتطوّرت عملية إخلاء مستوطنة معون، التي كانت رمزًا للخلاف بين المستوطنين وحكومة باراك، إلى نزاع عنيف بين ما يقارب الألف من الجنود والمستوطنين الذين كانوا يضربون بعضهم بعضًا أمام كاميرات التلفزيون.

سنوات الألفين:

مع دخول الألفية الجديدة، انتهت قمة كامب ديفيد دون اتفاق، وفي نهاية أيلول أصر رئيس المعارضة أريئيل شارون على اقتحام المسجد الأقصى وأشعل فتيل انتفاضة الأقصى.

وبعد ثمانية أيام من بداية الأحداث الأليمة استولى الفلسطينيون على منطقة قبر يوسف في نابلس بعد مواجهات عنيفة، ثم بعد 12 يوما أطلقت رصاصات على مستوطنين تجولوا في جبل عيبال في المنطقة.

أمّا آخر أيام السنة، قُتل رئيس حركة “كهانا حاي” بنيامين زئيف كهانا وزوجته تاليا بإطلاق نار.

بعد ذلك في عام 2001، فاز أريئيل شارون برئاسة الحكومة على إيهود باراك وأقام حكومة انضم إليها حزب العمل كذلك، في هذا العام قُتل ضابط أمن المجلس الإقليمي لمنطقة الضفة جلعاد زار، وهو ابن لعائلة مستوطنين من تجار الأراضي. قتلت مستوطِنتان أخريان في طريقهن إلى جنازته في ذات اليوم، وتحولت حياة المستوطنين إلى صراع يومي للبقاء خلال هذه السنة في شوارع الضفة.

وبعد سنة ونصف من مطالبات قيادات المستوطنين بأن تعطى الفرصة للجيش الإسرائيلي أن ينتصر، وتحديدًا في عام 2002، خرج الجيش الإسرائيلي بما يسمى عملية “الدرع الواقي” بعد موجة عمليات عنيفة في شهر آذار، لكن عمليات التفجير لم تتوقف.

وفي شهر تموز حدثت عملية التفجير الأخطر ضد المستوطنين في الضفة؛ عشرة قتلى في هجوم على مفرق عمنوئيل.

خلال السنة سُجّلت كذلك اعتداءات على الفلسطينيين من قبل المستوطنين، لولا ارتفاع الاستيطان في ثلاث مستوطنات لليهود الحريديم لسجلت لأول مرة نسبة هجرة سلبية إلى مستوطنات الضفة منذ بداية الاستيطان.

بعد انتخابات الكنيست في عام 2003، أوثق اليمين سيطرته على المنظومة السياسية، ومن القضايا البارزة في هذا العام: عدم الوضوح فيما إن كان جدار الفصل العنصري سيحيط مستوطنة أريئيل من الشرق أم لا، وكذلك إخلاء مستوطنات غير قانونية غير أن المستوطنين عادوا إليها بعد إخلائها. (1)

عقد من حكومة نتنياهو والمستوطنين

خلال ما يقارب عقد من انتخاب نتنياهو، منذ 2009 حتى 2017 بُني ما يقارب 20 ألف وحدة سكنية في المستوطنات، أي إمكانية لإسكان ما يقارب 14 ألف عائلة جديدة، 70% منهم فيما يسمى مستوطنات منعزلة، و35% شرقيّ جدار الفصل.

(مستوطنات منعزلة: أي تلك التي أشيع أن اسرائيل قد تخليهم ضمن تسوية شاملة).

وبحسب دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلية، ما يقارب 132 ألف مستوطن أضيفوا إلى المستوطنات بين 2008- 2017. (2) 

المصادر:

(1) “هآرتس”: https://bit.ly/3iVc4jL
(2) “سلام الآن”: https://bit.ly/32cgsVF