مقدمة العسّاس |

في مثل هذا اليوم، 19 رمضان الموافق 15 أكتوبر عام 1973، حدث ما عُرف باسم “ثغرة الدفرسوار”، من خلال عبور وحدات الجيش الاسرائيلي لقناة السويس، التي أدّت إلى تطويق الجيش الثالث المصري، محدثة تحوّلًا نوعيًا في ميزان حرب أكتوبر لصالح “إسرائيل”.

بعد عبور القوات المصرية خط بارليف بنجاح والاستقرار في حدود ما يقارب 15 كيلو شرق قناة السويس، حدثت الثغرة بعد تدخّل سياسي مباشر من الرئيس محمد أنور السادات وإصداره أمرًا بتطوير هجوم القوات المصرية والتحرّك من مواقعها شرقًا إلى المضائق في سيناء، بعكس الخطّة الموضوعة سلفًا.

واعتبر العديد من المؤرخين القرار تدخلًا واضحا للسياسة في الجانب العسكري، إذ أن قرار تطوير الهجوم اتخذ رغم معارضة قادة عسكريين على رأسهم، رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي، الذي حذّر مسبقًا من إمكانية حدوث الثغرة.

يقدّم العساس مادة معدّة ومستندة على ترجمة لأهم البروتوكولات المكشوف عنها من الأرشيف العسكري الإسرائيلي، التي تناولت التحضير والتخطيط وتنفيذ الثغرة. 

إعداد العساس |

بداية الحرب:

بحسب الإسرائيليين، كان اللواء 14 مدرعات أحد أهم أسباب وقف تقدم المصريين وقلب موازين المعركة رغم الخسائر الفادحة التي تكبدها في اليوم الأول والأيام التي تلته، لا سيما أنه كان في خط المواجهة الأمامية وانتشر على نحو 200 كيلومترًا على ضفة قناة السويس.

بالإضافة إلى كتيبة ” ناحال” التابعة لجيش المشاة، كان من المقرر أن يترك اللواء 14 خط بارليف يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد يومين من عبور القناة.

وضم اللواء 14 مدرعات نحو ألف جندي مقاتل وكتيبتي دبابات (56 دبابة) وكتيبة دبابات ثالثة تابعة للواء آخر (247)، حيث تكبّد خسائرًا فادحة مع عبور الجيش المصري للقناة واقتحام خط بارليف، حيث عمّت الفوضى كافة ألوية الجيش الإسرائيلي في سيناء، واضطر اللواء المذكور للانسحاب غربًا. 

واستمر اللواء في الانسحاب من يوم 6 تشرين الأول 1973 حتى الـ 15 من الشهر ذاته، وتمركز في مكان في سيناء سمي “الحظيرة الصينية”، وخططوا للعملية التي أطلق عليها اسم “فرسان القلب” (المترجم: افيري-ليف والتي تهدف الى عبور القناة غربًا ومحاصرة الجيش المصري من الخلف).

بعد ذلك، قاموا بمباغتة القوات المصرية المتقدمة وفصلها عن قوات الدعم، وبذلك صنعوا ثغرة بينهم أدت إلى قلب موازين المعركة، واستمر اللواء في التقدم حتى وصل تخوم مدينة الإسماعيلية، وتوقف فقط مع إعلان وقف إطلاق النار، وبلغت خسائره 302 جنديًا.

ورغم ما يصوره الإسرائيليون من بطولة، إلا أن قائد اللواء في حينه الجنرال أمنون راشاف، انتقد قيادة الجيش والقيادة السياسة لأنهم لم يقدروا بطولات جنود اللواء الذين “صدوا العدو بأجسادهم”، ولم يمنحوهم الأوسمة والمكافآت التي يستحقونها. (1)

فشل استخباراتي وعدم جاهزية

يقول قائد اللواء 14 مدرعات، أمنون راشاف، إن الجيش الإسرائيلي لم يكن جاهزًا للحرب: “علينا تذكر ليلة الحرب، كنا لا نزال نعاني نشوة انتصار حرب الأيام الستة وأخطأنا حينما استهنا بالعدو، قلنا لأنفسنا من هؤلاء حتى يعبروا القناة، رسخت في مخيلتنا صورة جنود مصريين يلوذون بالفرار”.

وأضاف “علينا معرفة الفرق بين الجهوزية التقنية والمادية وبين الجاهزية النفسية، لم نتمكن من ترسيخ إمكانية نشوب حرب قانية في نفوس الجنود، كان من الصعب التحول من الوضع النفسي السائد إلى الآخر وسط الذهول والفوضى، وهذا كان أحد الأسباب التي ساعدت المصريين، عندما قال الرئيس المصري أنور السادات أنه مستعد للتضحية بمليون جندي، لم ندرك المعنى الحقيقي لذلك”.

وأوضح “ظننا أنه يريد احتلال تل أبيب، ولم نعلم أن مخططات المصريين كانت الوصول إلى عمق 10 كيلومترات بعد الضفة الشرقية، وحتى خطتهم الأولى اقتحام كل سيناء تم التخلي عنها”، مؤكدًا أن الجنود أبلغوا القيادة عن تحركات مريبة للمصريين على الضفة المقابلة للقناة عشية عبورها وقبلها بأيام، لكن لم يحرك أحد ساكنًا. (2)

المحادثة المزيفة:

في الاجتماع الذي عقد ليل 13-14 تشرين الأول 1973، صدر قرار بدء عملية “فرسان القلب”، التي تهدف إلى صد الهجوم المصري وشن هجوم مضاد يعبر فيه الجيش الإسرائيلي قناة السويس ويحتل مساحات جديدة على ضفتها الغربية لينهي الحرب.

لهذا السبب نشرت يوم 14 تشرين الأول محادثات مزيفة لقائد أركان الجيش الإسرائيلي إليعيزر من مقره في “حفرة” (مقر إدارة الحروب الإسرائيلية – مكان سري)، مع قائد أركان الجيش السابق، حاييم بارليف، الذي يقود الجبهة الجنوبية منذ 5 أيام، هدفها تضليل المصريين وحثهم على تنفيذ هجوم يتيح للجيش الإسرائيلية تنفيذ هجوم مضاد وعبور القناة.

وقال إليعزير في حديث مع رئيسة الوزراء حينها غولدا مائير: “نعم نحاول تشجيعهم وسأتحدث بعد قليل مع حاييم بارليف من خلال اللاسلكي على موجة مفتوحة ليتمكنوا من التقاط المكالمة، سيقول لي أن وضعنا سيء وأنه يتمنى ألا يشن المصريون هجومًا جديدًا، وسأعطيه أمرًا بالانسحاب في حال هاجمه المصريون مرة أخرى، ومن المحتمل أن يشنوا الهجوم بعد الاستماع إلى هذه المحادثة، نحاول الخداع هنا، حاليًا يجب أن تعلمي أن الأمر يسير على ما يرام”.

وتمت المحادثة المزيفة وفق ما وصفها إليعيزر لرئيسة الحكومة، وفي نهايتها قال جنرال الاحتياط، عيزير فايتسمان “أبلغكم بخسارة الكامري” (تسمية عسكرية). (3)

الهجوم المضاد:

بعد هذه المحادثة، شن المصريون هجومًا يوم 14 تشرين الأول على طول الجبهة، وبحسب آفي كوبير، تكبد المصريون خسائر جمة، وبلغت نسبة خسائر الدبابات دبابة إسرائيلية لكل 25 دبابة مصرية.

لم تحقق مصر أي إنجازات على الأرض، وبحسب تقارير القوات والتقارير الاستخباراتية في ذلك اليوم، خسر المصريون نحو 80 دبابة في منطقة العبور المخططة، وقال قائد المنطقة في حينه، أريئيل شارون، لنائب قائد أركان الجيش ووزير الأمن الذين زاروا منطقته في ذلك اليوم: إنه “كان عليهم الموافقة على السماح له ولقواته بمطاردة المصريين، وإنه يجب أن نعيد المصريين إلى ما كانوا عليه، لأنهم لا يزالون ذات العرب”.

الطريق مفتوحة للعبور:

مع هبوط ليل 14 أكتوبر/تشرين الأول، التأمت الحكومة لنقاش خطة العبور والمصادقة عليها، ومع بداية النقاش، قال قائد الأركان: إن عبور القناة “بالنسبة لي هو عملية حاسمة لا علاقة لها بأي دوافع وأساس أخرى، هذه العملية هي الاحتمال الوحيد بنظري لحسم الحرب واحتمالاتها كبيرة، ويمكن من خلالها هزيمة الجبهة المصرية وإنهاء الحرب على الفور”.

بعد ذلك، تمت صياغة أهداف العملية من قبل الجيش الإسرائيلي، وكان من بين هذه الأهداف: “حسم الحرب مع الجبهة المصرية من خلال عبور القناة وتدمير مراكز قوة الجيش المصري”، وتم قبول توصية قائد أركان الجيش مع اعتراض واحد رئيسي أدى إلى تحديد مجال العمل في الضفة الغربية للقناة وضرورة مصادقة الحكومة مرة أخرى قبل إتمام مراحل العملية الأخرى.

وكتب في بروتوكول الجلسة “المصادقة على عبور الجيش الإسرائيلي القناة خلال الأيام المقبلة وفق توصية وزير الأمن وقائد هيئة أركان الجيش، بهدف تدمير مراكز قوة الجيش المصري، توقيت العملية مرهون بموافقة رئيسة الحكومة ووزير الأمن، وتسجل الحكومة أن العملية تنفذ لأهداف عسكرية بحتة، وفي حال ورود مقترح إضافي عند وصول القوات للضفة الغربية للقناة، يتم التداول فيها مرة أخرى في جلسة الحكومة للمصادقة عليها”.

وبعد قرار الحكومة، عرّف مقر القيادة العامة أهدافه للمرحلة القادمة كالآتي: “يتحول الجيش للهجوم على الجبهة المصرية، ويعبر القناة ويدمر الجيش المصري على جهتي القناة، ويواصل القتال من أجل إبادة الجيش السوري ويردع القيادة المركزية، إذ أن موعد البدء “151900” (15 تشرين الأول الساعة 19:00).

ومن الجدير بالذكر أن هذه الصياغة تعبر عن العقلية المختلفة التي بات يفكر بها قادة الجيش الإسرائيلي في هذه اللحظات، بعد أن كانت أهداف قائد هيئة أركان الجيش وبارليف متواضعة أكثر في بداية النقاشات والمباحثات، إذ أصر بارليف في البداية على خطة العبور كونها الحل الأفضل بين حلول سيئة عدّة، لا سيما بعد رفض اقتراح احتلال الضفة الشرقية للقناة مرة أخرى من أجل توفير القوة والموارد وبسبب الاعتراف بعدم القدرة على تنفيذ مثل هذا الأمر.

وكان فشل تطوير الهجوم المصري هو السبب في هذا التحول، إذ أعادت الروح القتالية لقادة الجيش وإيمانهم بالقدرة على النصر، وبحجم كل اليأس في البداية، كان التحول، وبلغت حدود غير واقعية في بعض الأحيان، وعبرت عن ذلك تصريحات الكثير من الضباط، منها “ستكون ضربة قاصمة للجيش المصري لم يسبق لها مثيل”، وأن “القاهرة باتت هدفًا قريب المنال”، لكن قيادة أركان الجيش الإسرائيلي لم تسمح بالمواصلة، وقررت أنه يمكن القيام بعمليات أخرى بعد ثلاثة او أربعة أيام، وكذلك لم تمنح الإذن للجنرال شارون بمطاردة القوات المصرية.

بعد زيادة احتمالات حسم الحرب، أصبح موشيه ديان، الذي لم يكن متفائلًا في البداية، داعمًا للخطة، وقال إنه “موافق على عبور اليهود” بعد زيارة للواء الجنوب وأخذه الانطباع بأن “الناس مسرورون ويريدون قتل العرب”. (4)

عملية “فرسان القلب”

قبل 5 دقائق من بدء عملية “فرسان القلب” يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول، ألقى قائد اللواء 14 مدرعات، أمنون راشاف، خطابًا أمام جنوده، وكان اللواء في خط المواجهة الأمامية وانتشر على نحو 200 كيلومترًا على ضفة قناة السويس، وبعد أن أبلغهم بالتطورات الإيجابية على الجبهة الشمالية وفي سيناء، قال “يوم أمس، ألحقنا خسائر فادحة في كتيبة مدرعات تابعة لهم، اليوم نريد شن هجوم شامل، من الأجنحة وفي قلب الجيش المصري، وبعد هجومنا ستدخل كتيبتا مدرعات كاملتان الأراضي المصرية”.

وأضاف “نحن واثقون أن الإسفين الذي سندقه في حنجرة العدو سيقتله ببطء، ليس بين يوم وليلة، لكنه سيقلب الموازين ويؤدي لانكساره شيئًا فشيئًا، وحدة المشاة شنت هجومًا جانبيًا رائعًا، بدقة تتوافق مع قواعد الحرب الناجحة، واليوم وحدتكم، وحدتنا، تقود الجيش الإسرائيلي في هذا القتال”. (5)

ثغرة الدفرسوار في الكتب الإسرائيلية
تحت عنوان “كتاب العبور: 60 ساعة في أكتوبر 1973″، وصف الكاتب النقاشات والاجتماعات لقيادة أركان الحرب الإسرائيلية، وافتتحها بوصف “الحيرة الكبيرة” التي كانت مع نهاية الأسبوع الأول للحرب.

من جهة أولى كانت تقديرات قائد سلاح الطيران في الجيش الإسرائيلي، هيني بيليد، التي تفيد بأن مواصلة استنزاف قدرات الطيران الحربي الإسرائيلي بهذا الشكل من شأنها أن تؤدي إلى وضع لا يقدر فيه الطيران على دعم عملية عبور واسعة.

أمّا من جهة ثانية، كان القلق من أن عبور المدرعات المصرية إلى الجهة الشرقية من القناة سيؤدي لفشل ذريع ووضع قد لا يملك فيه الجيش الإسرائيلي قوات كافية للدفاع عن “إسرائيل”.

وكان المجلس الوزاري المصغر لشؤون الحرب، الذي أقامته رئيسة الحكومة حينها غولدا مائير في حيرة كبيرة، ومال معظمه إلى الموافقة على وقف إطلاق نار فوري، وهذا يعني الاعتراف بالهزيمة على الجبهة الجنوبية.

عندها وصلت معلومات مفاجئة ومهمة من الموساد، تفيد بأن المصريين بدأوا التجهيزات لشن هجوم جديد، وصدر القرار بانتظار الهجوم وصده ومن ثم التحول إلى الهجوم المضاد، وكان صد الهجوم المصري يوم 14 تشرين الأول هو بداية الهجوم المضاد وعملية العبور المضادة.

 وواجه الهجوم المضاد الإسرائيلي عدة عقبات، منها عدم خبرة جنوده في اجتياز الألغام المائية، فخلافً لكل المخططات، بدأت العملية على بعد كيلومترات من ضفة القناة وليست من الخط المائي الأول، وكان الجهد الأساسي مصبوبًا على تدمير منظومات الدفاع المصرية وتمشيط محيط القناة، وبدأ التحرك نحو الجسر من خلال محور واحد، ما سبب أزمة سير خانقة.

في غضون ذلك، حاربت الوحدات المدربة على بناء الجسور المائية فوق القناة في مكان آخر، وواجه من حاولوا تنفيذ هذه المهمة تعقيدات كثيرة بسبب عدم الخبرة والتدريب عليها.

بسبب ذلك، تم وضع الجسر الأول فوق القناة بعد 48 ساعة من بداية العملية، والجسر الثاني بعد مرور 33 ساعة من وضع الجسر الأول. (6)

 

المصادر:

(1) “يسرائيل هيوم”: https://bit.ly/35TasAO
(2) “يسرائيل هيوم”: https://bit.ly/2xUr7Yf
(3) “واللاه”: https://bit.ly/2AniEOf
(4) “ميدا”: https://bit.ly/2yPnByW
(5) “يسرائيل هيوم”: https://bit.ly/3bnR8wH
(6) “هآرتس”: https://bit.ly/2y029a6