مقدمة العساس | شكّلت منطقة الجولان السورية منذ احتلالها عام 1967 خلال حرب حزيران، مقاومةً مستمرّةً لكل مظاهر الأسرلة، وظلّ الانتماء السّوريّ غالبًا على أهلها، رغم محاولات توطينهم وضمّهم إلى “المجتمع الإسرائيلي”، وبعد أكثر من خمسين سنة، ما زال أهل الجولان يؤكّدون على هويّتهم السّوريّة، وعلى هويّة أرضهم المحتلّة.

هذه المادة تتحدث عن منطقة الجولان المحتلة منذ أكثر من 50 سنة، وتشرح أبعاد ومخاطر استمرار السيادة الإسرائيلية عليها، لا سيما فيما يتعلق بالسكان السوريين.

إعداد العساس | مرّ الجولان السّوريّ المحتلّ بمراحل عدّة لمحاولة توطينه، وعلى مدى نحو 14 عامًا بقي تحت حكم عسكرٍّي شهد خلاله حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، الّتي حاول فيها الجيش السّوريّ استعادة السيادة على الجولان، إلا أنّ “إسرائيل” استطاعت في النهاية الحفاظ على احتلالها، بل والتوغّل أكثر في الأراضي السّوريّة، قبل أن تتوصل بعد عام تقريبًا إلى اتفاقية مع سوريا بموجبها تعود إلى حدود 1967 مقابل وقف إطلاق النار. (1)

مع حلول عام 1981، انتهت فترة الحكم العسكرّي في الجولان بسنّ قانون “هضبة الجولان” الّذي أكّد على “السّلطة الإسرائيلية وسريان القانون الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل”، وأتاح الحصول على الجنسيّة الإسرائيليّة، إلا أنه لقي رفضًا قاطعًا من قبل السكان الأصليين. (2)

واعتبرت المعارضة الإسرائيلية، الّتي تمثّلت بـ 21 عضوًا (من حزب الـ “معراخ”، والجبهة، وحزب “حركة التجدد القومي” المسمّاة “تيلم”)، آنذاك القانون بمثابة إنهاء للمحادثات مع سوريا (3)، كما كان محطّ انتقادات دوليّة، فلم تعترف به العديد من الدّول.

لذلك، أعلن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 425، الذي أكّد سريان اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في مناطق الحرب، معلنًا بذلك أن الجولان منطقة محتلّة، إضافة إلى ذلك تسبّب القانون بأزمة إسرائيلية أميركيّة أدّت إلى إلغاء اتّفاقيّة للدّعم الإستراتيجي بين الطرفين، من قبل الرئيس الأميركي حينها، رونالد ريغن. (4)
رغم الجدل وقرار مجلس الأمن، توقفت السّلطات الإسرائيليّة عن معالجة شؤون السكان الصّحيّة والاجتماعيّة، إلى حين تجنيسهم، مع ذلك أصرّ أهل الجولان السّوريّين على رفض القرار، وأصدروا بيانًا طالبوا فيه باحترام انتمائهم الوطني السّوريّ وعدم فرض الجنسية الإسرائيليّة عليهم أو على أرضهم، وهذا قبل إعلان إضراب عام في 14 شباط/ فبراير 1982، احتجاجًا على قرار الضّم، ليستمرّ الإضراب والمظاهرات رغم الحصار الإسرائيليّ مدّة ستّة أشهر.

عقب ذلك، أعلنت الحكومة الإسرائيليّة التّراجع عن قرارها بفرض الجنسيّة الإسرائيليّة على أهل الجولان في 22 تمّوز/ يوليو من العام نفسه، وبدلًا من ذلك وزّعت بطاقات تحمل “جنسيّة غير معرّفة” عليهم. (5)

بهذا الشأن، حال الموقف الدّوليّ وقرار الأمم المتّحدة دون تطبيق قانون “هضبة الجولان” على أرض الواقع، إلّا أنّ إضفاء الشكل القانوني لاحتلال الجولان أخذت بعدًا جديدًا عام 1999، عندما تمّ سنّ قانون يوضح حدود “إسرائيل” ويعلن الجولان حدًّا شماليًّا للبلاد ويضمّها إلى حدود الدولة.

وبموجب هذا، فإنّ قرار أيّة حكومة إسرائيلية بـ “التّنازل” عن مساحة من أراضي الدّولة (ومن ضمنها الجولان)، يحتاج لموافقة الأغلبيّةٍ ضمن استفتاء عام، يشمل جميع المواطنين النّاخبين في “إسرائيل”. (6)

رغم ذلك، لم تشكّل ردود الفعل السّوريّة الرسمية على سنّ القانونين تهديدًا عسكريًّا وأمنيًّا لـ “إسرائيل”، إذ كانت القوّة العسكريّة السّوريّة أضعف من الإسرائيليّة، لكنّ التّخوّفات كانت أكبر من ردّ الفعل السّوريّ على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسّيادة الإسرائيلية على الجولان، في آذار/ مارس 2019، إذ توقّع الخبراء أن تزداد رغبة سوريا في القيام برد فعل عسكري على الخطوة، خاصّة مع العمليّات العسكريّة الّتي تقوم بها “إسرائيل” في سوريا، وأنّ هذا الرّد سيتمثّل بدعم النّظام السّوريّ بشكل أكبر لـ “حزب الله” في لبنان، فيما أثارت خطوة ترامب جدلًا دوليًّا واستنكارًا لشرعيّة الخطوة. (7)

الأهمّيّة الإستراتيجيّة

تعتبر مساحة مرتفعات الجولان صغيرة نسبيًّا (حوالي 1200 كيلومتر مربع)، إلّا أنّ أهمّيّتها الأمنيّة لدى الاحتلال الإسرائيلي كبيرة جدًّا، إذ يضمّ الجولان الوديان الثّلاثة الّتي تصبّ في نهر الأردن وبحيرة طبريا، ما يعني سيطرة على مصادر المياه العذبة في المنطقة.

هذه الميزة الجغرافية تجعل منطقة الجولان مهيمنةً على الجليل ومنطقة غور الأردن وسفوح دمشق، لا سيما من حدودها الشّماليّة المتمثّلة بجبل الشّيخ، الّذي يعدّ نقطة إطلالة إستراتيجيّة على المنطقة.

ومن وجهة نظر عسكرية، يرى الإسرائيليّون الانسحاب من مرتفعات الجولان خطأً فادحًا، إذ يوفّر التحكم في هذه المرتفعات مزايا مهمة لـ “إسرائيل”، بينها ما أثبتته حرب أكتوبر 1973 المفاجئة من جهة سوريا، حيث سمحت لها لاحقًا بالحفاظ على الاستقرار على طول الحدود السورية الإسرائيلية منذ ذلك الحين.

وأصبحت الحدود بين “إسرائيل” وسوريا حدودًا هادئة منذ عام 1974 تقريبًا، على الرغم من عدم وجود اتفاقيّة سلام معتمدة، ورغم الاشتباكات العسكرية بين الطرفين خلال حرب لبنان عام 1982.

كما أن الحدود الموجودة حاليًّا والّتي يقع فيها الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي، تعدّ أفضل خط دفاع ضد أي هجوم عسكري من الشرق، إذ يتعيّن على هجوم كهذا أن يتغلب على الأولويّة الطّوبوغرافية الّتي تكفلها التلال على الحدود، حيث يجبر السطح الجانب المهاجم على توجيه قواته بين التلال، والطّريق الّذي يتضمن اختناقات طبيعية، يجعل من صدّ الهجوم مهمّة غير صعبة، كما يساعد في كسب الوقت لجلب التعزيزات العسكريّة إذا لزم الأمر.

إضافة إلى ذلك، فإن السيطرة على مرتفعات الجولان تساعد “إسرائيل” أيضًا في حماية أمن منطقة خليج حيفا الإستراتيجية، وذلك بزيادة بُعدِها عن المواقع السورية الأقرب، من 70 كلم إلى 90 كلم، نظرًا لأهمّيّة خليج حيفا الصناعيّة ، لكونه أحد الموانئ الرئيسية في البلاد، وهو جزء من “المثلث الإستراتيجي الحيوي” لإسرائيل (حيفا – القدس – الخضيرة)، حيث تقع معظم البنى التحتية ويعيش معظم السكان. (8)

“سوريّون مهما قالت الخرائط”

رّغم إتاحة الجنسيّة الإسرائيلية للجولانيّين من 1981، إلّا أنّ موقفهم كان واضحًا ورافضًا للتّجنّس، ومع ذلك، يشهد الجولان مؤخّرًا حملة تجنيس لأبنائه، ووفق معطيات لوزارة السّكان والهجرة الإسرائيلية، في عام 2010 تجنّس اثنان فقط من الجولان، ولكن في الأشهر الستة الأولى من عام 2016 تجنّس 83 شخصًا ممن يعيشون في الجولان.

وتصل نسبة حاملي الجنسية الإسرائيلية من بين 27 ألف جولانيّ، نحو 10 بالمئة، وعلى الرّغم من ضآلة النسبة، إلّا أنّها موجة لا يمكن تجاهلها. (9)

على مدى سنوات طويلة، أصرّ أهل الجولان على هويّتهم السوريّة، وهو ما كفلته لهم الاتفاقيات مع الاحتلال، وسمح لهم بموجبها بزيارة سوريا لثلاثة أغراض: الدّراسة؛ وخروج الشيّوخ لزيارة مقام دينيّ، وعلاج المرضى.

وأظهرت بيانات لمركز البحث والمعلومات في الكنيست الإسرائيلي، تضاؤل عدد الطّلاب الّذين يذهبون إلى سوريا للدّراسة سنويًّا، منذ عام 2003 وحتّى 2009. (10) ولاحقًا، تسببت الأحداث في سوريا بعد الثّورة بعودة غالبية الطلاب دون إنهاء دراستهم، وتراجع أعداد الطلاب الذين يدرسون في سوريا من الجولان، وفي عام 2016 تقريبًا، عاد الفوج الأخير من الجامعات السورية بعد إنهاء الدّراسة. (11)

يرى بعض المحلّلين أنّ زيادة عدد ونسبة طالبي الجنسية الإسرائيلية من أهل الجولان، مرتبط بالأوضاع في سوريا منذ اندلاع الثّورة، فقد راهن أهل الجولان حتّى ذلك الوقت على عودتهم إلى السيادة السورية، وامتنعوا عن الاندماج في “المجتمع الإسرائيلي”، إلا أن الأمور باتت أقلّ وضوحًا بعد الثّورة وتضعضع نظام الأسد. (12)

كما تراجع الارتباط الأكاديميّ بسوريا، بعد سيطرة جبهة النّصرة على معبر القنيطرة الّذي كان يشكّل همزة الوصل بين الجولان وسوريا، وشكّل سقوط المعبر بيد المقاتلين نقطة تحوّل دفعت شباب الجولان إلى التّوجّه للدّراسة في الجامعات الإسرائيلية، بينما توجّه عديدون للدّراسة في الدّول الأوروبية. (13)

بعد “الانقطاع” الّذي شهدته علاقة الجولان بسوريا في ظلّ الأحداث بعد الثّورة، الّتي أدّت لانقسام الصفّ الواحد في الجولان بسبب الموقف السياسي حيال نظام الأسد والثورة، ومع تزايد عدد طالبي الجنسيّة الإسرائيليّة، واجه سوريّو الجولان مشاريع ومخطّطات تهدف لدمجهم، كونهم دروز، في الخدمة العسكريّة في الجيش الإسرائيلي.

في عام 2014 مثلًا، تمّ إطلاق مشروع “منحة” في مجدل شمس، على اسم ضابط سوري عمل لصالح الجيش الإسرائيلي، يدعى سليم شوفي، حيث تقدّم هذه الـ “منحة” للجنود المسرّحين من الجيش، أو من أنهوا “الخدمة الوطنيّة/ المدنيّة” الّتي شكّلت مشروعًا بديلًا للمجتمع العربي عن الخدمة في الجيش، مبلغًا يغطي جزءًا كبيرًا من الأقساط الجامعيّة. (14)

رغم هذا التّراجع في الارتباط بسوريا، ورغم مشاريع الأسرلة المتعدّدة والمتكرّرة، إلّا أنّ إصرار أهل الجولان على سوريّته لم يتراجع، ففي تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي 2018، قرّرت لجنة الانتخابات الإسرائيلية فرض انتخابات للسلطات المحليّة في الجولان، وفتح صناديق اقتراع في قرى الجولان السّوريّة الأربع، إلّا أنّ هذا القرار واجه هبّةً شعبيّة ومظاهرات احتجاجيّة تؤكد على سورية الجولان وأنّه منطقة محتلّة. (15)

نجح الحراك في إلغاء الانتخابات في كلّ من بلدتي بقعاثا ومسعدة، بعد انسحاب جميع المرشّحين في الانتخابات (16) بينما شهد يوم الانتخابات الّتي أقيمت في عين قنيا ومجدل شمس، مقاطعة شبه تامّة كانت فيها نسبة التّصويت أقلّ من واحد بالمئة. (17)

عادت لجنة الانتخابات خلال الدورة البرلمانية الإسرائيلية الّتي عقدت في نيسان/ أبريل 2019، وقرّرت ضمّ الجولان ضمن مناطق الانتخابات بوضع صناديق اقتراع للبلدات السوريّة فيه، رغم من أنّ معظم الجولانيّين مقيمون دائمون في “إسرائيل”، وليسوا مواطنين، ما يعني أنّ الغالبيّة العظمى منهم، لا يملكون حقّ التّصويت في انتخابات الكنيست.

وجاء قرار اللّجنة هذا بعد أشهر قليلة من الاحتجاجات الّتي شهدها الجولان على فرض الانتخابات المحلّيّة، حين هدّد مشايخ الطّائفة الدّرزيّة في الجولان كلّ من يشارك في الانتخابات: مرشّحًا أو مصوّتًا، بالمقاطعة التّامّة والنبذ ​​الاجتماعي والديني، وهو أحد أسباب نجاح المقاطعة للانتخابات بشكل منقطع النّظير.

لكنّ قرار اللّجنة في انتخابات الكنيست، لم يلقَ الاحتجاجات نفسها، باعتبار أنّ وضع الصّناديق لن يؤثّر على مشاركة أهل الجولان في الانتخابات، إذ أنّ المصوّتين باتوا معروفين، وهم من اختار من الجنسيّة الإسرائيليّة، وهؤلاء بات قرار مقاطعتهم الاجتماعيّة، و”نبذهم” واضحًا قبل الانتخابات الأخيرة، الّتي كانت بمثابة “تصويت متجدّد لحجب الثّقة” عن السّلطة ومحاولات فرض السّيادة الإسرائيليّة على الجولان السّوريّ (17). إذ بلغت أعلى نسبة تصويت، وكانت في كل من عين قنيا ومسعدة 25%، في حين كانت 20% في مجدل شمس، 19% في بقعاثا. (19)

 

المصادر:

(1) ويكيبيديا العبريّة: https://bit.ly/2PcJufH
(2) موقع “الكنيست”: https://bit.ly/2DHcl6D
(3)  أرشيف “إسرائيل”: https://bit.ly/2rdnVUj
(4) ويكيبيديا العبريّة: https://bit.ly/33Lvuio
(5) 
 القناة السابعة: https://bit.ly/2OMfqbR
(6) موقع “الكنيست”: https://bit.ly/2PhHvXo
(7) معهد أبحاث الأمن القومي: https://bit.ly/34Zx0yV
(8) معهد “القدس” للإستراتيجية والأمن: https://bit.ly/34QXGl0
(9) موقع “وحدة من أجل الجولان”: https://bit.ly/33Qc6AA
(10) موقع “الكنيست”: https://bit.ly/2OO3iXJ
(11) ماكو: https://bit.ly/2YfgSXn
(12) يسرائيل هيوم: https://bit.ly/2Yimtwc
(13) واللا: https://bit.ly/2PgpOrv
(14) يسرائيل هيوم: https://bit.ly/2Rl287Y
(15) معاريف: https://bit.ly/2Ye2EWL
(16) ماكور ريشون: https://bit.ly/2Ygf1S0
(17) واللا: https://bit.ly/2Pgq75D
(18) ماكور ريشون: https://bit.ly/2Lm8GiM
(19)  واينت: https://bit.ly/2Rj8uoc