مقدمة العساس | تشكلت مخاطر نقص المياه في فلسطين جرّاء عوامل عديدة، من بينها الاستهلاك المفرط وقلة الموارد المائية، مما أدى إلى استنزاف المخزون الجوفي المُتاح، إلا أن أهم هذه المخاطر يتمثل في الإجراءات الإسرائيلية المختلفة التي اجتازت حدود فلسطين إلى الجولان والأردن. وهنا تبرز أسئلة عدة، كيف ولماذا تستغل “إسرائيل” الموارد المائية للدول المجاورة؟ وما دور اتفاقية أوسلو في ذلك؟

هذا المقال يكشف سبب سعي “إسرائيل” الحثيث والمجحف إلى السيطرة على المياه في المنطقة، ويُوضح علاقة ذلك بسياساتها التي تشجع الهدر في سبيل تعزيز صورة التفوق الزراعي.

ترجمة العساس | تعمل “إسرائيل” على خلق حالة من الاعتقاد بأنها تعاني فترة جفاف، من أجل نهب المياه وتقسيمها بشكل غير عادل مع الفلسطينيين، تماشيًا مع الأزمة العالمية على مستوى المياه، وذلك بحسب ما ورد على لسان الباحث الهيدرولوجي الألماني كليمنس مسرشميد، ضمن تقرير مفصّل لصحيفة هآرتس عام 2008، قارن بين معدل هطول الأمطار في القدس ورام الله وبرلين وباريس.

وبيّن التقرير أن معدل هطول الأمطار السنوي في برلين كان 550 مم، مقابل 564 مم في القدس، و630 مم في باريس، بينما في رام الله وبين السنوات 1967-2004 كان معدّل هطول الأمطار 689 مم.

وأجرى مسرشميد بحثه على فلسطين الانتدابية من النهر إلى البحر، في ظل تضمن الادعاءات الإسرائيلية أن هذه الأرض بلا مياه وتعاني الجفاف المتكّرر، قائلًا: “إن أزمة المياه الموسمية هنا، التي تأتي كل خمس أو عشر سنوات، هي ظاهرة صنعها الإنسان، لأن إسرائيل تهدر المياه من أجل أسطورة قومية تسمى الزراعة”.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، يحتاج كل إنسان لـ 100 لتر يوميًا من المياه النظيفة والآمنة التي يمكن الوصول إليها، لكن في “إسرائيل” يهدر الأفراد 240-280 لتر يوميًا، على عكس الألمان مثلًا الذي يفكّرن بكيفية توفير المياه للأجيال القادمة.

بهذا الشأن يؤكد مسرشميد أن “أسلوب الإدارة الإسرائيلية لقطاع المياه يشبه أسلوب المقامرين، بالرهان دائمًا على مجيء شتاء ممطر، إلا أنه بعد كل شتاء جاف يزداد الاعتماد على مياه الآبار التي يتم إهدارها على الزراعة”، ليس هذا فحسب بل إن كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية لا تزال تتدفق إلى البحر الأبيض المتوسط، مما يجعل “إسرائيل” واحدة من الملوثين الرئيسيين للبحر.

وينص تقرير مراقب الدولة الصادر عام 2002 على: “أن السلطات التي تتعامل مع قضية المياه لا يوجد بينها ما يمكن تسميته بالتقسيم الواضح للوظائف والسلطة، وغالبًا ما توجد اختلافات كبيرة في الرأي، مما يؤدي إلى تضارب المصالح”.

ولم يتم استخلاص أي استنتاجات ولم يتم تعلم أي دروس من تقرير مراقب الدولة عن الإخفاقات وقصر النظر في إدارة قطاع المياه، بل إن الفشل المدوي هو من صنع الإنسان أساسًا.

الصحراء المزهرة، تعتبر أيضًا إحدى الأساطير الإسرائيلية، لأن معظم الأراضي المزروعة في “إسرائيل في الوقت الحالي كانت مزروعة بالفعل قبل عام 1948 بأيدي الفلسطينيين، ولكن طريقتهم كانت صديقة للبيئة وتعتمد الزراعة بالمدرجات الجبلية للحفاظ على المياه الجوفية ومنع الفيضانات وجرف التربة، أما الأراضي التي استصلحتها “إسرائيل” فهي الممتدة بين كريات جات وبئر السبع.

حاليًا، تصل إلى “إسرائيل” الكثير من البعثات الطلابية بهدف زيارة مستوطنة “ساديه بوكير” والاطلاع على “الاقتصاد الفائق الحديث”، إلا أن ما تفعله “إسرائيل” لا يمت بصلة للاقتصاد الفائق، بل هو تدمير صريح للبيئة.

وتعتبر “يوتفاتا” بمثابة المثال النموذجي لهدر المياه، باعتبار أن اخضرار الصحراء خرافة استعمارية متآكلة، وتصوّر بلا قيمة عند السكّان الأصليين، حتى جاء الرجل الأبيض وخلّصها، وما يغضب مسرشميد أن هذا الادعاء يمهّد لأسطورة جديدة تقول إن “الفلسطينيين غير موجودين”، رغم أن جميع الإنجازات الإسرائيلية العظيمة في قطاع المياه وتنمية الزراعة نابعة من حقيقة بسيطة تتمثل بأن فضل كل هذا يعود إلى المياه والأراضي المنهوبة من الفلسطينيين في عام 1948.

تحتكر “إسرائيل” المياه وتأخذها من جيرانها ومن الأراضي التي تحتلها في الجولان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلّة، فتستخدم مياه الجولان، وتمنع الأردن من السيطرة على مياه اليرموك، ولا تسمح للبنان باستخدام كميات معقولة من نهر الحاصباني.

وهنا يبرز سؤال مهم، ما الفرق بين “إسرائيل” وألمانيا، التي تعتبر هي الأخرى بمثابة المكان الذي تصب فيه الأنهار؟

تستخدم “إسرائيل” القوة العسكرية في كل مكان كانت فيه بمنطقة المصبّ، لضمان وصول معظم المياه المتدفقة إليها، ويظهر هذا باحتلال الجولان، والتهديد بالحرب في الضفة الغربية، واستخدام الأوامر العسكرية من أجل توقيف حفر الآبار، ولا يدور الحديث هنا عن تعاون مشترك، بل عن إملاءات مجحفة بتوزيع المياه، هل يمكن تخيّل ألمانيا تجبر بولندا على عدم استخدام نهر الراين؟

الحقيقة أنه من بعد عام 1967، لم تحفر أي آبار في الضفة الغربية لسدّ حاجة الفلسطينيين، أمّا مشروع حفر الآبار الذي بدأه الأردن أوقفته “إسرائيل” لاحقًا، وحددت شعار “الوضع الراهن في الاستهلاك”، الذي أدى إلى التوزيع غير العادل للمياه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ثم أتى اتفاق أوسلو وحافظ عليه بالكامل تقريبًا. 

هآرتس : https://bit.ly/2KRAITY