مقدمة العساس | الصدمة النفسية | خلال وبعد الحروب أو العمليات العسكرية نلاحظ في الإعلام الإسرائيلي إحصاءهم لعدد المصابين بـ “الهلع” إلى جانب المصابين جسدياً والقتلى من الإسرائيليين، لكن عند الحديث عن الإصابات بالهلع وتطوّره لإضطرابات نفسية وسط جنود الاحتلال، يبقى غامضًا رغم كونه يشغل حيزًّا جيدًا من النقاش داخل المنظومة الإسرائيلية. بعد عديد الحروب والاجتياحات، اتضح وجود تعداد ضخم نسبياً من الجنود المضطربين نفسيًا في جيش الاحتلال والذين يحاولون تحميل الدولة مسؤولية إصاباتهم، مما يشكّل عبئًا ماديًا على المنظومة.

فما هو هذا الاضطراب، وكيف تتعامل “إسرائيل” مع جنودها المضطربين؟ هذا ما سيحاول التقرير التالي توضيحه


 العسّاس |   

الصدمة النفسية وهلع ما بعد الحرب

بتعريفه العام، يُعتبر اضطراب ما بعد الصدمة نوع من اضطرابات الهلع/القلق الناتجة عن تجربة صادمة نفسيًا حدثت
لمرةٍ واحدة. مثل فقد شخصٍ قريبٍ (في 40% من الحالات المدوّنة) أو حادثة طرق أو الحضور كشاهد على معركة
أو عمليات تفجيرية أو هجمات صاروخيّة أو اعتداء جسدي/جنسي. بعد الحادثة تظهر عوارض الصدمة النفسيّة بعدة
صور: أولاً، تكرار الصدمة. إذ يعايش المصاب تجربته مرارًا، إما عن طريق استحضار الحدث أو في الأحلام. ثانياً،
الامتناع والتجنّب: يتجنّب المصاب بالصدمة التعرّض لأشخاص أو أحداث متّصلة بتجربته الصادمة. ثالثاً، التيقّظ
الجسدي. يظهر على شكل يقظة مُفرطة وصعوبة في التركيز وفقدان الاهتمام بالمحيط واضطرابات نوم وحساسيّة
للضوضاء واضطرابات داخليّة. رابعاً، الضيق النفسي وآثار فسيولوجية مثل التعرق والنبض السريع وارتفاع ضغط
الدم عند التعرض للمنبهات التي تذكر المصاب بالحدث. من المهم أن نذكر عدم وجود جيل محدّد يكون به الإنسان
محميًّا من الإصابة بالاضطراب، كما أنّ عوارضه قد تظهر وتتعاظم على مدار أشهر أو سنوات. بالإضافة لهذا،
يمكن أن تظهر عوارض الاضطراب أول مرةٍ بعد مدّة طويلة من وقوع الحدث الصادم. (زخوتي)

هلع ما بعد الحرب..نسب عالية في “إسرائيل”

يتعرّض العديد من الجنود، نظراً لطبيعة خدمتهم العسكريّة، لتجارب ومخاطر نفسيّة قد تُفقدهم السيطرة وتسبب بخللٍ
في عملهم. يسري الأمر على الجنود المتدربين في المعسكرات المختلفة قُبيل الحروب وعلى من يقاتل في المعارك
المختلفة. خلال الحروب/العمليات العسكرية قد يتعرّض الجنود لتجارب صادمة لها تأثير بعيد الأمد على بنيتهم
وصحتهم النفسية.

هلع ما بعد الحرب هو جزء من اضطراب ما بعد الصدمة الخاص بالجنود، وفي السياق الإسرائيلي لا يمكن حصر
عدد المصابين بدقّة. حيث أنّ المصاب ليس فقط من ظهرت العوارض لديه في ساحة الحروب، بل أيضاً من قد تظهر
العوارض عليه متأخرًا أيضًا. تتراوح نسبة المصابين بهلع ما بعد الحرب من الجنود الإسرائيليين، حسب المعطيات
خلال الحروب المختلفة، من %10-30% من كافّة المصابين (جسدياً ونفسياً) في الحرب. (زخوتي)

 

أثر حرب غزّة 2014 على الجنود

كشفت لجنة “الشؤون الخارجيّة والدفاع” في الكنيست عام 2017 عن 143 حالة هلع ما بعد الحرب لدى جنود
إسرائيليين نتيجة لمشاركتهم بالقتال في حرب غزّة 2014. كما كشفت المصادر كذلك عن وجود مجمل 4649 حالة
شبيهة لجنود تُعالجهم وزارة الجيش في عام 2017 فقط. وبيّنت أثر ذلك على سير حياتهم، حيث أن نسبة العاطلين
عن العمل من المصابين بهلع ما بعد الحرب تفوق نسبتهم من العامّة. في هذا السياق أشار رئيس قسم إعادة التأهيل أنّ 40% من المصابين في حرب غزّة 2014 يُكملون دراستهم الأكاديميّة بتمويلٍ من وزارة الجيش. وأضاف كذلك أنّ
مجال التأهيل النفسيّ للمصابين بهلع ما بعد الحرب “يخضع لإصلاحاتٍ شاملة”. (واي نِت)

الصدمة النفسية وجيش من “المعاقين” عبء مادي؟  

يمكن للجنديّ الإسرائيلي المصاب جسديًا أو نفسيًا من الحرب أن يطلب اعترافًا وتعويضًا ماديًا من وزارة الجيش.
المستفيد من التعويض هو الجنديّ فقط دون عائلته، رغم كونهم يتعرضون بشكلٍ أو بآخر لأثار الصدمة النفسيّة. وقد
يُغطي التعويض تكاليف علاجٍ نفسيٍّ زوجيّ في حال تأثّر العلاقة الزوجيّة من إسقاطات الاضطراب.

لكي يحصل الجنديّ على هذا التعويض عليه أولًا أن يفتح ملفًا في قسم إعادة التأهيل التابع لوزارة الجيش ثم يطلب مقاضاة ضابط المكافآت. عمليّة الحصول على التعويض تتضمن الوقوف أمام لجنة طبيّة وإثبات وجود صلة سببيّة بين الحالة النفسيّة والخدمة العسكريّة. في حال ثبوت الصلة يُعترف به كـ “جندي معاق في الجيش الإسرائيلي” مما يخوّله الحصول على أدوية وعلاجات طبيّة ومساعدات نفسيّة على حساب الدولة. على الرغم من أنّ قانون التعويضات يسري العمل به حتى ثلاث سنوات من الحرب فقط، لكنّ إثبات الصلة بين الحالة النفسيّة والخدمة العسكريّة، مدعّمًا بالملفات الطبيّة، يتغلّب على القانون في أيّ وقتٍ كان. (واللا)

نقد المنظومة السياسيّة للتعامل مع الجنود المصابين

برغم التعويضات والوعود بإصلاح منظومة العلاج النفسي للجنود، انتقدت زهافا غيلؤون، الرئيسة السابقة لحزب
“ميرتس” الإسرائيلي، بشدّة طريقة تعامل “إسرائيل” مع الجنود المضطربين نفسياً ووصفتها بسياسة “التخلّي والإهمال”. تقول غليئون إنّ “إسرائيل” لا تكتفي بجعل الجنود يواجهون تجارب صعبة في الحرب؛ بدلًا من مساندتهم عند عودتهم من الحرب تُرسلهم لخوض معركة جديدة من التحقيقات والإثباتات والانتظار. تضيف غيلؤون: “هذا ليس علاجًا، هذه إساءة من الدولة لمن ضحّى بالكثير من أجلها”. بناءً على ذلك، قدّمت غيلؤون مشروع قانون جديد يمنح الجنود المضطربين نفسياً دعمًا نفسيًا دون الحاجة لثبوتات ورقيّة بإصابتهم بالاضطراب أو لمعايير أوليّة لتلقي الدعم. (واي نت)

 

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

A post shared by العسّاس (@alassasnet) on