ترجمة العساس | تحررت الهند من الاستعمار عام 1947، لكن استقلالها لم يعطها الفرصة والمجال لأخذ دورها على المستوى العالمي. فازدهار اقتصادها وطموحها للوصول لأعلى مراكز القوى الاقتصادية في العالم جعل السياسة الخارجية الهندية تتبع المدرسة الواقعية. وعليه، تبحث هذه الدراسة علاقة الهند بالقضية الفلسطينية-الإسرائيلية وتغيّر هذه العلاقة منذ تولّي الرئيس الهندي مودي ناريندارا للحكم عام 2014.

عند استقلالها، ربطت الهند مصيرها بفلسطين، ولم يكن بناء العلاقات مع “إسرائيل” عام 1992 ليغير موقف الخارجية الهندية تجاه فلسطين. ومع ذلك، سرعان ما توجهت الأكاديميا والإعلام إلى تصوير رئيس الحكومة مودي ناريندرا كصديق مقرب من “إسرائيل” منذ استلامه للحكم.

الهند وفلسطين.. تاريخ من التعاطف

شكّلت مركبات كثيرة علاقة الهند بفلسطين على طول السنين، ومن بين هذه المركبات: الدين ومناهضة الإمبريالية ومقاومة الاستعمار، إضافة لسياسات عامة أخرى. ففي بداية الصراع بين الحزب الوطني الهندي والتيار الإسلامي هناك، تم تسخير المجتمع الإسلامي لدعم القضية الفلسطينية. ومع طرح سؤال دولة اليهود في مجلس الأمم المتحدة كان للهند دور مهم خلف الكواليس، إذ أحبطت مسعى المقاطعة التي دعت لها دول جامعة الدول العربية مما كان سيصعب أمر إعلان دولة إسرائيل وقبولها.

ويذكر أن “إسرائيل” قدمت الدعم للهند في حربها مع باكستان وبنغلادش وأمدتها بالذخيرة والسلاح. ومع تعاظم قوة حزب الهنود ترسخت فكرة ضرورة التحالف الهندي-الإسرائيلي الذي بدأ يعتبر أمراً طبيعياً خاصة بعد انتصار “إسرائيل” في حرب 1967، وانتصار الهند في حرب 1965. على الرغم من ذلك لم تتغير سياسة الهند الخارجية في ذلك الوقت، إذ حاولت تسجيل عضوية في منظمات إسلامية مختلفة ووقفت بجانب من تحاربهم “إسرائيل”، وأرسلت المعدات الطبية لغزة والضفة بعد الهجمات الإسرائيلية، كما دعمت دخول منظمة التحرير إلى الأمم المتحدة عام 1974، كما انضمت لقرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية عام 1975.

لكن في عام 1989 تغيّر المشهد مع دخول حزب جديد إلى المعترك السياسي الهندي والذي ساهم في تقريب العلاقات الإسرائيلية الهندية. لكن العلاقات الهندية الفلسطينية استمرت في الوقت نفسه على شكل دعم اقتصادي هندي للسلطة الفلسطينية حتى بعد محادثات مدريد وبقيت القضية الفلسطينية حاضرة في الهند.

التحولات في السياسة الخارجية الهندية تجاه الفلسطينيين

شكل صعود مودي لسدة الحكم عام 2014 في الهند تغيرات أدت إلى تقارب العلاقات الإسرائيلية الهندية، وذلك من خلال إمداد الهند بالأسلحة الإسرائيلية، إذ صُنفت “إسرائيل” كرابع دولة تزود الهند بالسلاح لتسدّ الأخيرة حاجتها للحفاظ على أمنها القومي. وانعكس تعزز علاقة الهند بـ “إسرائيل” من خلال عقد الصفقات وتبادل زيارات دبلوماسية، إضافة لتغيّر بسلوك الهند في الأمم المتحدة بالتصويت على قرارات بشكل يصب في صالح “إسرائيل”. هذا إلى جانب النقاشات المشتركة حول آليات التصدي للخطر الإيراني.

اقرأ أيضًا.. العواقب الاقتصادية والدوليّة لعلاقات إسرائيل و باراغواي

وهنا يذكر أنه في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 قام مودي بزيارة تاريخية إلى “إسرائيل” تحديدًا أثناء عدوان “الجرف الصامد” على غزة. وفي ذلك الوقت عملت الخارجية الهندية على عدم تجريم “إسرائيل” بسبب شنها لهذه الحرب، الأمر الذي رسم الابتسامة على وجوه القيادة الإسرائيلية في القدس.

وفي تلك الأثناء، علت أصوات في الهند تدين دعم الهند لـ “إسرائيل” في حربها على غزّة، وعليه قامت الهند بالتصويت على إقامة لجنة تحقيق بعملية “الجرف الصامد” تقودها لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. لكن في نهاية المطاف امتنعت الهند ودول أخرى عن المشاركة بالتصويت الذي يدين عدوان “إسرائيل” على غزة. وعلى أثر ذلك صرّح السفير الفلسطيني في الهند، عدنان أبو الهيجة، قائلاً إن الصفقات العسكرية بين “إسرائيل” والهند تجبر الأخيرة على خذلان الفلسطينيين والاصطفاف ضد غزة.

من ناحية أخرى، تكرّر الهند دائمًا أنها توافق وتقبل بقيام دولة فلسطينية على حدود 67، كما أن دعم الهند للقيادة الفلسطينية بدأ يخفت منذ تولي مودي الحكم، الأمر الذي يفسر وقوف الهند بجانب “إسرائيل”.

أسباب تحول السياسة الخارجية الهندية

بعد الانهيار الاقتصادي عام 1991 والذي أدى إلى انضمام السوق الهندي إلى السوق الاقتصادي العالمي، تغيرت السياسة الخارجية الهندية بشكل ملحوظ. فبالإضافة إلى أن الهند سعت كثيرًا لإزالة أثر الاستعمار عن نفسها طوال السنين الماضية، يشير البحث إلى أن هناك أربعة عوامل رئيسية ساهمت في تحولات السياسة الخارجية للهند.

العامل الأول كان بعد انتهاء حقبة الاستعمار والسعي لإعادة بناء أمجاد الهند كدولة عظمى. فمجرد كون الهند دولة حديثة العهد تخلصت حديثًا من الاستعمار، فقد عانت من وضع اقتصادي هشّ دفعها لدخول السوق العالمي وتحقيق الازدهار والتطور.

العامل الثاني وهو ما عبّر عنه الباحث باسم “شكل الأمة” الهندية، إذ سعت الهند نحو إيصال رسالة للعالم مفادها أنها دولة قادرة ومتطورة وتستطيع منافسة الدول العظمى، لكن العالم لم يعطها الاحترام والمكانة التي توقعتها لنفسها، فقد تم التعامل معها على أنها دولة من العالم الثالث وبحاجة إلى مساعدات الدول الأخرى. ومع تصاعد قوتها الاقتصادية والعسكرية وتطورها على المستوى التكنولوجي والرقمي والخدماتي تعززت علاقاتها مع “إسرائيل”، بسبب العوامل المشتركة بين الدولتين.

أما السبب الثالث فكان تفاقم الأوضاع واختلاف موازين القوى وانتشار الإرهاب في كافة أرجاء الشرق، بالإضافة إلى التهديد الإيراني. وهنا يذكر أن الهند تعتمد بنسبة 68% على النفط المستورد من دول الخليج ومن إيران. وعليه فإنها تضع نفسها رهينة الموازين الدولية، ومن ثم سعت لمضاعفة تسليح نفسها عن طريق “إسرائيل”، إذ عقدت صفقات سلاح بقيمة 695 مليون دولار.  ويتمثل العامل الرابع بالرئيس الهندي الجديد نفسه، إذ يعتبر مودي صاحب الحصة الأكبر في تبرير علاقة بلاده بـ “إسرائيل”، إذ يرى هو وحزبه أن العلاقة طبيعية ومهمة وضرورية لخدمة القضايا الداخلية الهندية وللأمن القومي الهندي.

المصدر : http://www.inss.org.il/uploadImages/systemFiles/Oshrit%20B..pdf