منذ بداية عام 2014؛ تحاول فرنسا جاهدةً تجديد العمل على تحقيق السلام بين دولة “إسرائيل” والفلسطينيين، وفي نهاية العام ذاته أعلنت فرنسا اعترافها -غير الملزم- بالدولة الفلسطينية حيث تم طرح المبادرة الفرنسية لحل القضية الفلسطينية، ومن ثم بدأ سعي رئيس الوزراء الفرنسي، فابيوس، لحشد دعم دولي يهدف إلى إصدار قانون يرسم خطة لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويلزم بالاعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب “إسرائيل”، وهو ما لا تتفق معه حكومة نتنياهو.

وفي هذا السياق يذكر أن فرنسا تحاول ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة بعد فشل محاولات الإدارة الأمريكية لتحقيق السلام واتخاذها قرارًا بالامتناع عن أي محاولات مستقبلية في هذا السياق. وعليه؛ انتشر في “إسرائيل” ادّعاء يقول إنّ المبادرة الفرنسية لحل القضية الفلسطينية هي مبادرة شخصية من وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، بهدف ترك بصمته الخاصة في السياسة الخارجية لدولته. إلا أنّ هذه المبادرة ظلّت مستمرة حتى بعد مغادرة فابيوس منصبه، وفي هذا إشارة إلى أن تلك المبادرة هي جزء من السياسة الداخلية لدولة فرنسا وليست متعلقة بشخص واحد فقط.

اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية

وفي نهاية عام 2014 اعترفت فرنسا بالدولة الفلسطينية، إذ أكد وزير الخارجية، لوران فابيوس، على ضرورة اتخاذ هذه الخطوة في حال لم تنجح محاولات إيجاد حل للقضية الفلسطينية. وفي شهر يناير من عام 2014 قررت فرنسا تقديم اقتراح قانون لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يحدد قائمة تواريخ لمفاوضات السلام، ويعين موعداً أقصى للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وقد جاء ذلك الاقتراح نتيجة قرار الفلسطينيين بالمطالبة بقانون آخر يقضي بإلزام “إسرائيل” على الانسحاب من الضفة الغربية خلال سنتين. وفي بداية عام 2015 أثير هذا الموضوع مجدداً بعد إعلان فرنسا عن نيتها بدء محادثات مجلس الأمن الرامية لاقتراح قانون جديد يلزم الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بالعودة الى المفاوضات.

وجاءت زيارة فابيوس في يونيو عام 2015 إلى “إسرائيل” ومناطق السلطة الفلسطينية ضمن المساعي لحشد دعم دولي للضغط على مجلس الأمن لإصدار قرار يتم بموجبه تحديد تفاصيل سير مفاوضات السلام، وتعيين جدول زمني للمحادثات التي ستجري بين الطرفين. وهنا يذكر أن بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلي، رفض الاقتراح وأكّد على موقف “إسرائيل” بالامتناع عن أية مبادرة يكون فيها تدخل خارجي.

الفلسطينيين والمبادرة الفرنسية لحل القضية الفلسطينية

وفي المقابل؛ شجّع الجانب الفلسطيني هذه المبادرة، فهي تخدم توجهه بقبول كل تدخل خارجي وتحديدًا تدخل الأمم المتحدة في مفاوضات السلام الجارية، كما أوضحت الولايات المتحدة عدم تدخلها في عمليات سياسية في الشرق الأوسط إلى حين الانتهاء من المفاوضات في الملف النووي مع إيران. وقد أكّد فابيوس على أهمية الموقف الأمريكي من الأمر وأنّ فرنسا لن تستمر في مبادرتها إذا تأكد لها أنّ الولايات المتحدة ستستخدم حق الفيتو لإسقاط القرار.

وفي فبراير عام 2016 أعلن فابيوس أنّ فرنسا تنوي إقامة لجنة في شهر يونيو  2016 لمناقشة المفاوضات بدعم من الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، ووزير الخارجية الجديد، جون مارك إيرو. الأمر الذي يدل على أن المبادرة تعكس سياسة فرنسا كدولة وليس فابيوس فقط. بالرغم من ذلك أبدى إيرو تغييراً في موقفه من اعتراف فرنسا المباشر بالدولة الفلسطينية، إذ قال إنها لن تعترف بفلسطين إذا فشلت اللجنة المزمع عقدها في يونيو 2016.

لكن إيرو يستمر في حشد الدعم الدولي للمبادرة، إذ عيّن سياسياً محنكاً وهو فير فيمنت، ليجري جولة في العواصم الأوروبية. إلا أن هذه الزيارة لم تجر كما كان مخططًا لها، فقد فشل فير في الإجابة على أسئلة مركزية تتعلق بالمبادرة وُجهت له في بعض تلك العواصم، ففضلوا عدم اتخاذ موقف إلى حين الحصول على إجابات واضحة مما أثّر على سير المخطط الفرنسي في إقامة اللجنة في صيف عام 2016.

وعليه، من الواضح أن المبادرة الفرنسية تتأثر بالكثير من العوامل وليست متعلقة فقط بقرارات فرنسا وسياستها، ومن هنا بدأت فرنسا ترى أن هذه المحاولة، التي اتبعتها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لن تجدي نفعاً، وأنّ عليهم محاولة حل القضية بطريقة أخرى سيكون في مركزها تقديم اقتراح قانون لمجلس الأمن في الأمم المتحدة يوضح تفاصيل حل الصراع، وإقامة دولة فلسطينية بجانب “إسرائيل”، ،يتم إنشاء لجنة دعم دولية ترافق الطرفين خلال المفاوضات.

فشل المبادرة الفرنسية لحل القضية الفلسطينية

ختامًا؛ فشل المبادرة الفرنسية لا يعني انتهاء المحاولات الدولية لحل القضية الفلسطينية، إذ ترى دول العالم أنّ السكوت عن هذا الخلاف سيؤدي لاستمرار المعركة. كما يؤكد الطرف الفرنسي على أن استمرار “إسرائيل” رفض كل محاولات تحقيق السلام سيولّد باستمرار مبادرات واقتراحات جديدة غير مناسبة لها، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية لن تستخدم حقها في الفيتو لصالح “إسرائيل” عندما ترى استنكارًا دوليًا من موقف “إسرائيل” الرافض للسلام. لذلك فإن الحل الأمثل هو أن تبادر “إسرائيل” بحل القضية بنفسها وأن تعمل على تجديد عمليات السلام والمفاوضات، وتتخذ خطوات أحادية الطرف تجاه تحقيق حل مناسب لها.

المصدر : http://heb.inss.org.il/index.aspx?id=4354&articleid=11700