مقدمة العساس | ضجّت وسائل الإعلام بخبر استقالة ليبرمان وزير الأمن الإسرائيلي، الذي صرّح بدوره أن استقالته جاءت بعد فشل نتنياهو بالتعامل مع التصعيد الأخير على غزة، معتبراً أن “إسرائيل” بوقفها لإطلاق النار خضعت لحماس ولفصائل المقاومة. لا تخلو استقالة ليبرمان من حسابات سياسية وانتخابية، فعادةً ما يستعمل ليبرمان هذه الخطوة للحفاظ على قوته السياسية في الساحة الإسرائيلية. تقرير عاموس هرئيل المحلّل العسكري في صحيفة هآرتس يعرض أسباب الأزمة ومآلاتها.
ترجمة العساس | نضج قرار استقالة وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، من منصبه خلال الأسابيع الأخيرة، عندما بدأت فترة التصعيد في غزة، أي منذ بداية الاحتجاجات على السياج نهاية مارس/آذار 2018، حيث كان على نفس الخط مع نتنياهو، الذي اعتقد حينها أن الحرب ضد إيران في سوريا هي الأمر الملحّ، وكذلك اقتنع برأي الجيش أنه لا يمكن أن تُدار حملتان كبيرتان نسبياً على جبهتين متوازيتين.
نتنياهو ودعم الجيش
نشب الخلاف في نهاية الصيف عندما بدأ نتنياهو بدعم من الجيش والشاباك بالسير قدماً نحو تسوية مع القطاع،
عارض ليبرمان الأمر في البداية، وانتقلت معارضته تدريجياً من غرف النقاشات إلى الإعلام في عدة ملفات، فقد كان
ضد الوقود القطري للقطاع وضد التهدئة السريعة وطبعاً ضدّ ضخّ الأموال، هذه كانت أبرز النقاط التي تحدث بها.
لكن نتنياهو لم يهتم بموقف ليبرمان، وبالمقابل عقد حلفاً مع رئيس هيئة أركان الجيش، جادي ايزنكوت، الذي جعل من
رئيس الحكومة وزير أمنٍ فعليّ. فعندما حاول ليبرمان وقف ضخ الوقود لغزة، تدخّل نتنياهو وقيّد صلاحياته، وقد اعترف ليبرمان في المقابلات الصحفية، أنه لا يوجد له أي تأثير على السياسة بالقطاع.
اتضحت الأمور جيداً هذا الأسبوع بسعي نتنياهو لوقف اطلاق النار في غزة، على الرغم من الصواريخ والنقد
الشعبي. في اجتماع الكابينت البارحة (الثلاثاء)، فرض نتنياهو إرادته على الوزراء ولكن المحيطين برئيس الحكومة
لم يكتفوا بذلك، حيث تم نشر تسريب كاذب أن الاتفاق كان بالإجماع مع ليبرمان ونفتالي بينيت.
استغل ليبرمان، المحبط من الوضع الحالي، ذلك كتفسير لاستقالته، وبالطبع كان هناك حساب سياسي لم يعد من
الممكن فيه التوفيق بين لغة ليبرمان الخطابية الشديدة فيما يتعلق بغزة، وقبوله القسري لسياسة الاحتواء التي تتخذها
“إسرائيل” على الأرض فعليًا. إذن، من الجائز القول أن المعركة الانتخابية التي تستمرّ معها وقوع الصواريخ بشكل
أسبوعي بمستوطنات الغلاف وهو في منصبه، من شأنها أن تهدّد فرصه في الفوز بل حتى عبوره نسبة الحسم.
ليبرمان: نبتة غريبة في الهرم الأمني
دخل ليبرمان وزارة الأمن في نهاية مايو/أيار 2016، بعدما أقال نتنياهو موشيه يعالون من منصبه على خلفية خلاف
بينهم بشأن قضية أليور أزريا، في نفس الوقت رأى نتنياهو أن ليبرمان أداة في حربه ضدّ النخب العسكرية المعارضة
له، حيث كان نتنياهو دائماً على علاقة متوترة مع مسؤولي الرتب الأمنية، وظنّ أن ليبرمان سوف يساعده لوضع الجنرالات في أماكنهم.
لم يتحقق هذا السيناريو، ولم يقم ليبرمان بأي هجوم على النخب العسكرية في الحكومة، بل بالعكس اتضح من خلال
اتصالاته الشخصية مع كبار الضباط أنه رجل “نبيل” يقدّم الدعم الخارجي لهم. فلم يحاول خنق خطوات آيزنكوت،
على الرغم من اختلافه معه على العلن بشأن قضية أزريا، أي حول أوامر إطلاق النار على منفذي عمليات الطعن،
رفض رئيس هيئة الأركان العقاب الجماعي كردّ على العمليات في الضفة.
ولكن بنفس الدرجة استصعب ليبرمان وضع بصمته، كونه وزير أمن آخر يأتي من خلفية مدنية. وهنا قال عمير
بيرتس إنه يبدو أن ليبرمان اُعتبر نبتة غريبة في الهرم الأمني، إذ لم يمتلك المؤهلات العادية من تجاربه ومناصبه
السابقة، وقد منحته المؤسسة العسكرية ذات المعاملة التي أعطاها للوزراء المدنيين السابقين حيث احتضنه ومضغه
ورماه- ولم يكن معروفاً أنه تقرب منه، وأضاف أن الوزير المستقيل سيفارق الجيش بطقس رسمي يوم الجمعة،
وستعلق صورته في الأيام القادمة إلى جانب الوزراء السابقون ولكنه لم يكن وزيراً.
بعد استقالة ليبرمان من سيخلفه
لم يُحدث ليبرمان أي أضرار كما بيرتس الذي كان يقف وراء الهزيمة الإسرائيلية في حرب لبنان الثانية، ولكن بيرتس سيكون محمياً في القبة الحديدية التي عزّزها رغم معارضة الجيش وسيبقى يفاخر بها. حاول ليبرمان القيام بالأمر ذاته مع بناء منظومة صاروخية ولكن المنتج لم يحقق ذات الصخب، وأهميته على الأمد الطويل لم تتضح بعد، وعندما أجاب عن السؤال الصحفي الاستفزازي عن إنجازته بالمنصب كانت إجابته أنه أنشأ موقعاً إلكترونياً ناطقاً بالعربية موجّهاً للفلسطينيين، وهذا كان إنجازه الذي لن تذكره الأجيال.
في صراع القوى بينهم سجّل ليبرمان انجازاً مهماً وهو طرحه تعيين أفيف كوخافي كرئيس الأركان القادم، على الرغم
من تسويف نتنياهو إلا أن ليبرمان استفاد من حقيقة أن رئيس الوزراء كان في زيارة إلى عُمان وبالتالي لم يتم التنسيق
للإعلان عن التعيين، إذن يبدو أنه ليس هناك أي فرصة ليحاول نتنياهو تخريبها الآن، ولكن سيتم إعادة فتح مسألة
نائب رئيس الأركان، فقد حاول نتنياهو الدفع تعيين اللواء إيال زامير، برغم اعتراض ليبرمان.
السؤال الأكثر أهمية والحاحاً هو: من سيخلف ليبرمان؟ فطبيعة الحال، من الصعب على نتنياهو تولي ثلاثة مناصب
معاً، وزير الخارجية والأمن ورئيس الوزراء. من جانبه أبدى نفتالي بينت رغبته في المنصب، وقد يفرض تعيين
بينت على نتنياهو في إطار جهود المحافظة على الائتلاف لبضعة أشهر قادمة، ولكن هذا آخر ما يريده نتنياهو.
تتحدث بعض الإشاعات أن هناك تحرّكاً محتملاً في الساعات الأخيرة لتعيين رئيس أركان الجيش السابق بيني جانتس
لهذا المنصب، سياسياً: جانتس سيكون المرساة المركزية التي تبني المعارضة عليها جهودها لمنافسة نتنياهو في
الانتخابات القادمة. إذ يعتبر جانتس شخصاً مهنياً ونزيهاً، من جهة أخرى يقول جانتس أنه لا يسهل على نتنياهو بأي
صورة من الصور إدارة ائتلاف من 61 عضواً فقط، الأمر الذي سيحبط بقية المرشحين، إلا أن الأمر الإيجابي هو
ترك ملف الأمن في يد نتنياهو وترك وزارة الخارجية.
باختصار، من المتوقع أن يرتبك نتنياهو وأن يتعرض لمناورات سياسية، أما هيئة أركان الجيش فسوف تعمل على
مراقبة الوضع، ولكن من الصعب القول أن مغادرة ليبرمان ستترك الأجواء دون صدمة وخوف مثلما فعلت استقالة يعالون قبل سنتين.
المصدر: هآرتس
تاريخ النشر: 14.11.2018
رابط المادة: https://bit.ly/2Pqum16