مقدمة المترجم : يحاول المقال بحث حلّ “دولتين لشعبين” المطروح للصراع الفلسطيني-الإسرائيليّ والوقوف على أهم ما يحمله الحل والفوائد التي ستجنيها كلّ من “إسرائيل” وفلسطين، بالإضافة إلى دول عربيّة مجاورة مثل مصر والأردن. يظهر المقال كيف سيتمكن الجميع من التمتّع بأقسام “الكعكة” المختلفة ومع أهميّة تقديم تنازلات والحصول على بدائل لها.
ترجمة العسّاس | بمحاولة لتحسين اقتراح حل “دولتين لشعبين” ينصح نظام الحكم الأمريكي الدول العربيّة بمنح مُقابل لدولة “إسرائيل” لضمان استعدادها التنازل عن ممتلكات مقابل الاتفاق. بنظره، لن يستطيع الفلسطينيون وحدهم توفير المُقابل الذي يبرّر التنازلات الكبيرة التي ستقدمها “إسرائيل” والناتجة عن اتفاق سلام. مع العلم أنّ المقابل الذي قد تمنحه الدول العربيّة سيؤدي إلى تحسين وتطوير علاقهم مع “إسرائيل”.
بالرغم من كل هذا، من الواضح أنّ من الصعب تعويض “إسرائيل” على فقدان كل أراضي يهودا والسامرة (نابلس والخليل). الأمر الأكثر أهميّة هو أن الدول العربيّة تستطيع إعطاء “إسرائيل” وفلسطين مساحات/أراضي. فبنظرة موضوعيّة، من الصعب عدم رؤية التشويه الذي يحمله اقتراح “دولتين لشعبين”. من جهة على “إسرائيل” وفلسطين الاكتفاء بمساحة ضيقة ومكتظّة، ومن جهة أخرى هاتان الدولتان محاطتان بدول تملك مساحات كبيرة جدًا نسبة لعدد السكان القليل (الأردن، مصر والسعوديّة).
الشيء الوحيد الذي تملكه الدول العربيّة بوفرة، هو تحديدًا ما تحتاجه “إسرائيل” وفلسطين أيضًا بصورة حتميّة، وهو الأرض. مقابل التنازل عن أراضي من قبل الدول العربيّة المحيطة، سيكون بالإمكان تحسين وضع “إسرائيل” والدولة الفلسطينيّة بصورة ملحوظة. وبصورة مفاجأة يتضح أنّ مصر والأردن سوف تستمتعان بالاتفاق هذا أكثر من اسرائيل وفلسطين حتّى. وتنص أساسيّات الاقتراح على منح مصر أراضٍ مساحتها حوالي 720 كيلومتراً مربعاً. هذه المساحة عبارة عن شكل مستطيل مبنيّ من ضلع طوله 24 كيلومتراً مربعاً يمتد على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط من رفح غربًا باتجاه العريش (لا يصل العريش)، ومن ضلع آخر طوله 30 كيلومتراً يبدأ من معبر كرم أبو سالم (كيريم شالوم) غربًا على طول الحدود الإسرائيلية مع مصر.
هذه الإضافة- أي الـ 720 كيلومتراً مربعاً تزيد من مساحة قطاع غزّة، إذ أنّ مساحتها الحاليّة هي 365 كيلومتراً مربّعاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن مساحة 720 كيلومتراً تساوي بحجمها حوالي 12% من مساحة الضفّة الغربيّة. وعليه، مقابل هذه الإضافة بالمساحة لغزّة، سيتنازل الفلسطينيّون عن 12% من أراضي الضفّة الغربيّة لصالح “إسرائيل”. ومقابل المساحة التي ستمنحها مصر لفلسطين، ستحصل مصر على أراضٍ جنوبيّ غرب النقب (منطقة صحراء فاران). وفي هذا السياق يذكر أن المساحة التي ستمنحها “إسرائيل” لمصر قد تصل لحوالي 720 كيلومتراً.
من الفوائد التي ستحظى بها الدولة الفلسطينيّة، هي الزيادة في مساحة غزّة. فبحسب المعطيات أعلاه تمنحها 24 كيلومتر من الشاطئ، وهذا يعني مياه إقليميّة لمساحة 9 ميل، واحتمالات معقولة لإيجاد غاز طبيعي في هذه المنطقة. كما أنّ إضافة مساحة 720 كيلومتراً لغزّة ستمكّنها من إقامة مطار دوليّ كبير (في الجزء الغربيّ)، بمساحة 20-25 كيلومتر مربع من الحدود الإسرائيليّة. والأهم من ذلك: إمكانية بناء مدينة جديدة لمليون نسمة، والتي ستكون منطقة تطوّر طبيعي ليس لغزّة فقط، إنما باستطاعتها استيعاب لاجئين فلسطينيين من دول أخرى. مقابل تحويل غزّة لمكان جذّاب مع مقوّمات حقيقيّة لتصبح مركزاً تجارياً عالمياً في المنطقة، على الفلسطينيين التنازل عن أراضي بالضفة الغربيّة، والتي تتواجد فيها منذ عشرات السنين مستوطنات إسرائيليّة ومعدات عسكريّة. هذا تنازل مؤلم، ولكن لا يمكن مقارنته بالفائدة التي ستجنيها غزّة.
وهنالك عدّة فوائد ستجنيها مصر من الاتفاق، منها تبادل الأراضي. فكما نعلم مصر منقطعة جغرافيًا من الجزء الأساسي (الشرقي) من الشرق الأوسط، ومن أجل توفير معبر برّي، ستسمح “إسرائيل” لمصر حفر نفق يوصل بين مصر والأردن والذي سيكون تحت سيادة مصريّة كاملة. ومن المعروف أيضاً أنّ مصر، مثل دول كثير في المنطقة، ترغب الحصول على قدرة نوويّة، وكجزء من المقابل الذي ستحصل عليه هو موافقة دول أوروبيّة (فرنسا بالأخص) على بناء مفاعل نووي في مصر لتوليد الكهرباء.
وعلى الصعيد الدولي، اتفاق كهذا سينهي 100 سنة من الصراع الاسرائيلي مع العرب، ولا شكّ أن مصر ستلعب الدور الأساسي والأهم في تحقيقه، ومن هنا فإن أقصر طريق للحصول على جائزة نوبل للسلام، وللجنة سلام عالميّة في القاهرة، ولإعادة مكانتها الدوليّة التي تمتعت فيها حتى عام 1967.
أما الأردن فهي المُستفيدة الأكبر من هذا الاتفاق وبدون دفع أي ثمن، فستتمكّن من إقامة شوارع وسكّة حديديّة وأنبوب نفط التي ستوصل المطار الغزّي عبر نفق مصر-الأردن للخليج الفارسي. وستحصل الأردن مجانًا على مخرج للبحر الأبيض المتوسّط ومنه إلى أوروبا. وبما أن الأردن تعاني من مشاكل ديموغرافيّة، إذ أن لديها أغلبيّة من المواطنين فلسطيني الأصل، وهم في تزايد طالما أنّ الحياة في الأردن أفضل من الحياة في غزّة والضفّة الغربيّة.
وعليه، في الحين الذي ستقوم فيه دولة فلسطينيّة مع كل التحديثات والتطوّرات، سيفضّل هؤلاء الفلسطينيون من أصل غزّي العودة إلى غزّة، وجزء كبير من اللاجئين هناك. نتيجة الاتفاق ستقلّص “إسرائيل” بصورة ضخمة من عدد المستوطنين الذين سيضطرون لإخلاء بيوتهم من 100 ألف إلى حوالي 30 ألف، وذلك نتيجة الحصول على نسبة 12% من أراضي الضفّة كما ذًكر أعلاه وسيمكنها من المحافظة على بعض الأماكن الدينيّة والتاريخيّة. إن الأراضي المُتبادلة ستضمن بقاء الاتفاق ثابتاً دون أي خروقات. كما يضمن اشتراك مصر والأردن بالاتفاق وجود أرضيّة آمنة أكثر لتحقيقه. ستستمر التنقلات بين غزة والضفّة، لكنّ معظم التنقلات التجاريّة ستتحول بين غزّة والعالم العربي عبر المسلك الجديد.
المصدر : http://bit.ly/2cdeOby