مقدمة العسّاس | أحداث القدس

دعت منظمّة “لاهافا” ومنظمّات صهيونيّة يمينيّة متطرفة أخرى، أنصارها ومتابعيها من المستوطنين اليهود في فلسطين، للقدومِ إلى البلدة القديمة في القدس، الخميس الماضي22  أبريل/نيسان 2021 بهدف “الدفاع عن الشرف اليهوديّ”، إذ يأتي ذلك في سياق استمرار الاعتداءات على الفلسطينيين.

وكشفت مصادر صحافية أن المتطرفين اليهود يجوبون شوارع المدينة في ساعات المساء يوميًا، ويهاجمون المارة من الفلسطينيين بالضرب ورمي الحجارة والغاز المسيل للدموع، وسط تعالي هتافاتهم المنادية “الموت للعرب”، وتتالت الأحداث حتى الجمعة من ذات الأسبوع.

إضافة إلى ذلك، اندلعت مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في أحياء البلدة القديمة في القدس، إثر قمع قوات الاحتلال واعتدائها على الفلسطينيين في جميع أنحاء المدينة، وقامت قوّات الاحتلال بتحويل منطقة باب العمود إلى ثكنةٍ عسكريّة، حيث أغلقت مداخله ومخارجه والساحة المحيطة به بالحواجز الحديدية.

وشملت المواجهات أحياء الصوانة والطور ووادي الجوز القريبة لمركز مدينة القدس، بعد أن امتدت من باب العامود وباب الساهرة وشارع السلطان سليمان وشارع نابلس المحاذيان للبلدة القديمة. 

رافقت أحداث القدس حملة تحريض واستخداماتٍ عنصريّة في الصحافة الاسرائيليّة، بهدفٍ خلق صورةٍ جوهرانيّة إزاء “الارهابيّ المقدسيّ”، وتجندت بالكامل لدعم المستوطنين، مبتعدين عن أبسط أخلاق الصحافة، وسنين ضوئية عن أقل ما يمكن من المهنية والأمانة.

إعداد العسّاس |

كيف تعاملت الصحافة الإسرائيلية مع أحداث القدس ؟

أطلت علينا الصحيفة الأكثر يمينيّة “يسرائيل هيوم”، التي تعتبر الصحيفة الأقرب لبنيامين نتنياهو وخط تحريرها يحدده هو ومقربيه، وجاء في تقريرها “أنه بعد انتهاء من صلاة التراويح لشهر رمضان في الحرم القدسي الشريف، بدأ مئات العرب في بإحداث فوضى بإلقاء الحجارة الزجاجات وأشياء أخرى على قوات الشرطة المتمركزة في منطقة باب العمود.

فرقت الشرطة المتظاهرين في محاولة للتمييز بين المصلين المنتهين للصلاة و”المشاغبين”، وقام مئات الشباب بـ “أعمال شغب” لساعات طويلة، حيث دفعتهم قوات الشرطة إلى أعماق شرق المدينة والشوارع القريبة منها”.

مما يتبيّن أن “يسرائيل هيوم” قامت بفصلِ الدعوات التحريضيّة اليمين والمستوطنين عن أحداث القدس، وفي هذهِ الفقرة يظهر على أن المقدسيين، قاموا بإحداث “فوضى وتخريب” ومواجهات فقط هكذا دونَ سببٍ، ويعود ذلك لـ”طبيعتهم الارهابيّة”.

ونجد أن الحملات التحريضيّة والعنصريّة ضدّ العرب، هي ليست كذلك وفقًا للصحيفة، بل هي نتيجة “الاعتداءات العربيّة” ضدّ اليهود، إذ “تظاهر المئات من أنصار “ليهافا” في تلك الليلة، من منطقة باب العمود احتجاجًا على الاعتداءات الأخيرة على اليهود من قبل العرب”.

من ناحية الصحيفة، يعد التظاهر والاحتجاج مبرّرًا، إلا أن ما هو ليسَ بمبرّر، بعض الهتافات والملصقات خلال التظاهرة: مثل “الموت للعرب”، و”كهانا صدق”، وما يجعل دافع التظاهرة مبرّر هو قدوم المئات من العنصريين واليمينيين اليهود إلى البلدة القديمة بدافعِ الاعتداء على المقدسيين، ولكن الشعارات هي العنصريّة. (2)

إقرأ أيضًا.. موسم التحريض على العرب

كذلك، نشرت صحيفة “معاريف” في إحدى أخبارها لتغطيةِ أحداثِ الجمعة، عنوانًا يحملُ تعبيرات عنصريّة “اعتدى العشرات من الشباب العرب بعنفٍ على يهوديّ في القدس”، ويعد تخصيص خبر كهذا في خضمّ الاعتداءات والحملات التحريضيّة ضدّ الفلسطينيين في البلدةِ القديمة، وطردِ عائلاتٍ من حيّ الشيخ جرّاح، يأتي في سياق شرعنة التحريض، ومحاولة خلق صورةٍ “إرهابيّة” للتعاطي مع المقدسيّ.

وجاء ضمن خبر الصحيفة أنه “تم توثيق اعتداء عشرات الشبان الفلسطينيين بعنف على رجل يهودي في حي الشيخ جراح بالقدس وهم يصرخون في وجهه: “إنه يهودي، وبدا الرجل خائفًا، وسقط أرضًا وبدأ بالصراخ، وفي غضون ذلك، فتحت الشرطة تحقيقا في الحادث”. (3)

بالمقابل، نجد العديد من السياسيين الذي يمارسون التحريض، ويتحدثون بعنصريّة، عن أحداثِ الجمعة، وخصوصًا من تيّار “الصهيونيّة الدينيّة”، إذ عقّب رئيس الحركة الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، على الأحداث وغرّد: “تعيدنا أعمال الشغب العربية التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد في الأيام الأخيرة إلى الوراء سنوات عديدة، تحديدًا إلى الثورة العربية الكبرى عام 1936؛ القيادة الضعيفة، ونظام العدالة الفوضويّ ونظام إنفاذ القانون المحايد في المفاهيم الخطيرة لما بعد القومية وما بعد الحداثة”.

وفقًا لذلك، يظهر أن التعاطي مع الفلسطينيّ على أنه في جوهرهِ “إرهابيّ”، وليسَ فقط المقدسيّ خصوصًا. (4)

كما عقّب عضو الكنيست، إيتمار بن غفير، الذي يعد أحد تلاميذ كهانا، قائلًا: إنه “على الشرطة السماح لأعضاء “ليهافا” بالتظاهر والحركةِ بحرية، ويجب اعتقال من يرشقون الحجارة، للتأكد من أن اليهود يمكنهم الذهاب إلى أي مكان في القدس، حتى عندما لا يكون بنزي غوبشتاين وأصدقاؤه (أعضاء ومسؤولين في منظمّة ليهافا) هناك لتطبيق النظام”. (5)

في حين حاولت القناة 12 الإسرائيلية، صاحبة الأعلى مشاهدة في “إسرائيل” بين كل وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، تصوير الأحداث كأحداث شغب من الفلسطينيين، ووصفتها بـ “الإرهاب” وأنها بسبب “تيكتوك”، وزعمت أن الفلسطينيين يهاجمون المستوطنين في شوارع القدس ويصورون المقاطع العنيفة لنشرها على تطبيق “تيكتوك” وجمع التفاعلات هناك.

ونشرت مقابلات مع شبان مستوطنين يعززون هذه الرواية ويصورون أنفسهم على أنهم “يهاجمون الفلسطينيين فقط كردة فعل وانتقام لما فعلوه بإخوانهم ونشروه على الشبكة، ويسوقون أنفسهم كضحية تحاول الدفاع عن نفسها”.

في حين نشرت صحيفة “هآرتس”، التي تسوق نفسها كصحيفة يسارية ليبرالية، تقريرًا بعنوان “الليلة الأكثر عنفا في القدس منذُ سنوات.. تثير مخاوف من تكرار “العمليّات الفرديّة” إذ أن التقرير يشير إلى مخاوف عودة “الارهاب المقدسيّ”، الذي برزت بين عامي 2014- 2015.

 وهذا التلازم بينَ الحدثين يأتي في سياق تأطير أحداث القدس ضمن “الموجات الارهابيّة”، إذ قالت الصحيفة حينها إن “النهاية ليست في الأفق”، وكان شهر رمضان قد بدأ للتوّ، وفي تلك الليلة “تم تأجيج الكراهية والتطرّف من الجانبين”.

يذكر أن التقرير على وعي كاملٍ بالدعواتِ التحريضيّة والعنصريّة، ناهيكَ على التهديدات، التي نشرتها الجمعيّات الصهيونيّة اليمينيّة والناشطة في سبيل استيطان الضفّة الغربيّة، إلا أنه ومع ذلك حاولَ التقرير ذكر بعض الأسباب التي دفعت لهذهِ المواجهات الأخيرة.

وقال إنه “لقد كانت كارثة محددة سلفًا، ودعوة اليمين المتطرف للحضورِ إلى القدس “للحفاظ على شرف اليهود” مع تلميحات غليظة بأن الحفاظ على الكرامة يشمل أكثر بكثير من التلويح بلافتة أو علم، مما أثار الغضب والخوف في شرق القدس.

وتصاعدت حدّة الغضب بعد أسبوع كامل من الاعتداءات على العرب في وسط المدينة وسلوك الشرطة العنيف وغير المبرّر في ساحة باب العمود، إحدى المساحات الرمزيّة عند المقدسيين.

حتى الآن، لم تقدم الشرطة تفسيرًا معقولًا لقرار إغلاق الساحة خلال شهر رمضان، وهو قرار يصعب المبالغة فيه عن الإحساس بالإذلال الذي أثارته بين الشباب في شرق المدينة.

وفي نهايةِ التقرير، نجد مقارنة مرةً أخرى بينَ أحداثٍ عام 2014- 2015 والأحداث الراهنة، من أجل تحديد على أن الكراهيّة من الجهتين هي السبب، والعمليّات الفرديّة الارهابيّة عند الجهتين هي أيضًا تغذّي هذهِ الأحداث، وعلى أن “تلكَ الفترات أردنا أن ننساها”، وحينما ننظرُ بنقدٍ إلى سردِ الأحداث نجد أن العنصريّة تتجلّي في إهمال أكثر من خمس أعوامٍ من العنصريّة المنظمّة على يدِ أجهزة الاحتلال من الشرطةِ إلى البلديّة، للفلسطينيين المقدسيين حيثما كانوا، وليست ببعيدة قضيّة طرد عائلات فلسطينيّة في حيّ الشيخ الجرّاح، بدافع استبدالهم بعائلاتٍ يهوديّة، ومع ذلكَ يجدون أن تطوّر الأحداث الراهنة هي فقط نتيجة “تحريض على الكراهيّة من الجهتين” وقد تكون أيضًا بسبب “دعوات المنظمّات اليمينيّة المتطرفة”. (1)

المصادر:

(1) “هآرتس”: https://bit.ly/32LpdoO
(2) “يسرائيل هيوم”: https://bit.ly/3nozfFC
(3) “معاريف”: https://bit.ly/3t1IwFb
(4) (5)”معاريف”: https://bit.ly/3tVgoob