في العام 2010 قدّمت حركة “إم ترتسو” الصهيونيّة دعوى قذف وتشهير في المحكمة
الإسرائيليّة ضدّ نشطاء سياسيين يهود كتبوا عبر فيسبوك أن “إم ترتسو” حركة فاشيّة. خلال
المداولات القضائيّة قدّم طاقم الدفاع “موقف خبير” قدّمه بروفيسور العلوم السياسيّة زيئيف
شطرنهل، وهويطرح السؤال التالي:  “هل إم ترتسو حركة فاشيّة؟”

في واقع العالم الغربيّ الراهن، يجب طرح سؤال مركزيّ: كيف سيكون شكل دولةٍ تُدار بحسب الأعراف والقيم التي تتبنّاها حركة “إم ترتسو”؟ ما الذي سيحدث لو تناول أعضاء هذه الحركة الحكم وتمكّنوا من تحقيق الآراء المنشورة في أدبيّاتهم دون أي عائقٍ؟ ما هي طبيعة الطاقة الكامنة في منشورات قادة هذه الحركة؟ وهل لهذه الحركة ملامح فاشيّة أوليّة قد تتطوّر لتُصبح ظاهرةً أكثر نضوجًا؟

إم ترتسو والفاشية

هنا تجدر الإشارة إلى وجود مفاهيم وتعريفات مختلفة للفاشيّة، بدءًا بالتوجّه الضيّق الأدنى الذي يميّز الفاشيّة على أنّها حُكم موسوليني لإيطاليا، وصولًا بالتوجّه الأوسع الذي يرى الفاشيّة ظاهرة أوروبيّة شاملة. الأهم، أنّ الفاشيّة لم تجد حتّى الآن أي تعريفٍ يتّفق عليه الجميع.

بدأت الفاشيّة تطوّرها كنمطٍ متطرفٍ من رفض القيم الكونيّة للتنوير؛ رفض الكونيّ وتحويل مركز الثقل إلى التميّز القوميّ، بمعنى رفض القيم الفكريّة والأخلاقيّة للتنوير وانعكاساتها السياسيّة: الليبراليّة والديمقراطيّة. وإذا ما أخذنا بالحسبان أن حركة “إم ترتسو” لا تزال في بداية طريقها وعملها داخل مجتمعٍ يعتبر رفض المبادئ الأساسيّة لليبراليّة خطيئةً، فإن الحركة تمثّل ملامح أوليّة مُقلقة لفاشيّة مُمكنة.

تظهر هذه الملامح على مستويين:

المستوى النظري

على المستوى النظريّ، فإن المركّبات الأساسيّة للفاشيّة هي القوميّة الراديكاليّة أولًا، والحرب الطاحنة ضد مضامين الفكر الليبرالي دون المسّ بجوانبها الاقتصاديّة. ترى الفاشيّة بالأمّة كائنًا حيًا، وترى في كلّ فرد عضوًا واحدًا من جسمٍ كاملٍ، ولهذا فهي ترى لهذا الجسم طابعًا خاصًا وثقافةً مميّزة تتفوق على غيرها من الثقافات. وينتج من ذلك أن كل ثقافة، بالنسبة للفاشيّة، هي ثقافة قوميّة: لكل أمّة طابعها الخاص، وروحها الخاصّة ولُغتها. الأمّة كائن حيّ يطوّر مؤسساته،و تقاليده، وعاداته، وقيمه الخاصّة. وعليه، فإنّ القيم تاريخيّة ونسبيّة. وقد نجم عن هذا الفهم النسبيّ للقيم نتائج مدمّرة بالنسبة لأوروبّا.

إن المبادئ المعروضة أعلاه تشكّل الأساس في عمل حركة “إم ترتسو”. الصفة الأولى هي القوميّة الراديكاليّة التي تفهم القوميّة كجسمٍ حيّ: “تستوعب الجمع والفرد كوحدةٍ متكاملة… تمامًا كما جسم الإنسان، ليس مجموع كل أعضاءه وأجزاءه، إنما كائن واحد كامل – كذلك هي الأمّة.” يكتب رونين شوفال.

الصفة الثانية تكمن في فكرة أن المضامين الفكريّة لليبراليّة الغربيّة تشكل خطرًا على الأمّة. لقد قامت الفاشيّة التاريخيّة كتمردٍ ضدّ “ماديّة” الليبراليّة الغربيّة ومناهضةً لفكرة أن المجتمع موجود من أجل تحقيق “الحقوق الطبيعيّة”، أو كما نسمّيها في أيّامنا “حقوق الإنسان”.

تشكّل حقوق الإنسان البُنية التحتيّة لليبراليّة والديمقراطيّة. أما شوفال فيقول أن “وجهة النظر النيوصهيونيّة مختلفة عن الوعي المُهيمن في العالم الغربيّ”. فما هو هذا الوعي المُهيمن الذي يصفه شوفال؟ إنه الفهم الليبرالي الذي يرتكز إلى تقاليد التنوير المتعارف عليها في دول الغرب. إذن، فإن قيادات الحركة بذاتهم يشددون على أن الفكر القوميّ الذي تنتمي إليه “إم ترتسو” يتناقض مع توجّهات العالم الغربيّ.

المستوى السياسيّ الفوريّ

إن بثّ شعور “حالة الطوارئ” يؤدّي إلى المطالبة بـ”شرطة أفكار”، وإلى التخلّص من النقد وإحباط المناهضين للحركة، خاصةً في صفوف النخبة الفكريّة التي يُعتبر الكثيرون منها، ممّن يعترضون على طريق “إم ترتسو”، أعداءً للدولة. في سياق التخلّص من النقد واعتباره عدائيًا في جوهره، يكتب إيريز تدمر في تاريخ 18.6.2010 أنّ “الدفاع عن حقوق الإنسان هو سعي لضرب هيبة الدولة.” بحسب هذا الموقف، فإن منظمات حقوق الإنسان هي “منظمات دعاية معادية لإسرائيل”، كما يطالب تدمُر بمحاكمة “مئات البروفيسورات ممّن ينادون بمقاطعتنا، والتوقّف عن دفع راتبهم في الجامعات، بل ويعتبر هذا التطهير واجبًا من أجل الدفاع عن الأمّة”.

ويُمكن أن نجد لدى شوفال مواقف مشابهة، فقد كتب يوم 14.2.2011: “تشجّع النخبة الأكاذيب والوشاية ضد الدولة، تُدرّس تعاليم روايات كاذبة في الاكاديميّا وفي المدارس، تشجّع أعضاء الكنيست على العمل ضد الدولة، وتشجّع الدولة لتستمرّ في دفع رواتبهم”. بحسب شوفال، الرواية الصحيحة هي روايته، أو رواية التأريخ الرسميّة، أما من يعتقدون بروايات أخرى فمن الجدير إقالتهم.

*

لا تلائم حركة إم ترتسو النموذج المثالي للفاشيّة التاريخيّة لأنها لا تنادي بالتخلّص من الديمقراطيّة كشكل من أشكال الحكم، ولا تنادي بدكتاتوريّة القائد الواحد. إنما، في أيامنا، وبعد تجربة القرن الـ 20، يُسأل السؤال الأوسع: ألا تسير هذه الحركة في الطريق المؤدّي إلى تدمير جوهر الديمقراطيّة حين تُفرغ الديمقراطيّة الليبراليّة من مضامينها الفكريّة والأخلاقيّة وتتخلّص من حريّة التعبير، ولا تبقي إلا الإطار المؤسساتي لحسم الأغلبيّة؟ وهل تُعتبر حركة تنادي لإحكام رأي واحد بمسألة أسس الوجود القوميّ، حركةً ديمقراطيّة؟ أم أنها اجتازت دربًا طويلة نحو الفاشيّة؟

رابط النص الأصلي
http://www.scribd.com/doc/81347474/Tazhir-Prof-Zeev-Sternhell