قرّرت المحكمة الإسرائيليّة العليا مؤخّراً، تجميد هدم منزل الناشطين “الارهابييّن” الذين قتلا “داني جونن” و “ملآخي روزنفلد” و الزوجين “هنكين”.
بالرغم من أنّ هذا القرار هو قرارٌ مؤقّت، ومن المتوقع أنّ النتيجة ستكون مشابهة لقرارات المحكمة السابقة، وهي الموافقة على أمر الهدم. إلّا أنّ أوساط عديدة انتقدت -بلهجة شديدة- قرار المحكمة العليا -على سبيل المثال- قالت وزيرة الثقافة “ميري ريجيف”: على المحكمة العليا التوقف عن تقييد يديّ قوى الأمن، والسماح بتقوية السياسة التي تردع تنفيذ “العمليّات الإرهابيّة”، وإلّا فالمحكمة تتحمل مسؤوليّة استمرار الارهاب”
هذا التوجّه يطرح قضيّة مهمّة وهي عن مدى كون سياسة هدم المنازل، هي بالفعل سياسة فعّالة في ردع منفّذي “العمليّات الارهابيّة”. في حال كان الجواب لهذا التساؤل سلبيّ، فإنّه من الأجدر أن تُغيّر هذه السياسة، ويتم استعمال سياسات أُخرى لا توجد حولها مساءلات قانونيّة وسياسيّة، في محاربة الإرهاب.
إنّ سياسة هدم المنازل التي تنتهجها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين…تستند لقانون أنظمة الدفاع (حالة الطوارئ -1945) الإسرائيلي الذي تبنّته الحكومة الإسرائيليّة من “أنظمة الطوارئ الانتدابيّة”. وتُعتبر “أنظمة الطوارئ” المرتكز القانوني للعديد من الصلاحيات المعطاة للجهاز العسكريّ والأمنيّ الإسرائيليّ مثل: هدم البيوت والحكم الإداري وغيرها.
هذه الصلاحيّات الواسعة مُعطاة للحاكم العسكريّ الذي لم يحصل على أيّ تدريب قانونيّ، وبوسعه تفسيرها وتطبيقها بشكل مَرن بدون أيّ مرجعيّة قانونيّة، على خلاف الاجراءات العقابيّة في القانون الإسرائيليّ التي تُلزم بوجود اجراءات محاكمة قبل تطبيق العقاب. وهو ما جعل سياسة هدم المنازل محلّ انتقادات واسعة داخل “إسرائيل” وخارجها.
يكمن التعليل الأساسيّ لسياسة هدم المنازل- والذي تبنّته وزيرة الثقافة- هو الادّعاء بأنّ هذه السياسة تردع وبشكل قويّ، استمرار العمليّات ضد “إسرائيل”. كون هذا الإجراء يُشكّل عقابًا شديدًا تجاه “الإرهابي” وأفراد أسرته، بالإضافة لكونهِ عقاب يمكن تنفيذه بسرعة.
اعترفت محكمة العدل العُليا- في العديد من المرّات- بأنّ هدف الردع هو أحد الاعتبارات الأساسيّة التي تدفعها للاستمرار في تشريع سياسة هدم المنازل، بالرغم من المعاناة التي تجلبها هذه السياسة لسكّان المنزل والمسّ بحقهم في الملكيّة وحتى بعدم وجود أيّ دليل لاشتراك أبناء العائلة بــ”العمليّات الارهابيّة”.
أُقرّ عام 2005 وقف سياسة هدم المنازل، وذلك استنادًا على توصيات لجنة مهنيّة برئاسة الجنرال “اودي شاني”. هذه اللّجنة قرّرت أنّ الأضرار المترتبة على سياسة هدم المنازل هي أكبر من فوائدها، وذلك لأنّ قوة الردع (المحدودة) غير مُعتبرة مقارنة بالحقد والعدوانية الناتجين عن ممارسة هذه السياسة بين الفلسطينيين. وبناء عليه، تمّ اقرار وقف هذه السياسة إلى حين حدوث تغيير جذريّ في الظروف. وفي عام 2008، مع ازدياد “العمليّات الإرهابيّة” المنفّذة خاصة على أيدي أشخاص من شرقيّ القدس، ازدادت مشاعر عدم الأمن العام بشكل كبير، ونتيجةً لهذا، تم استئناف استعمال سياسة هدم المنازل.
في السابق، كان هناك عدّة محاولات لنقض الادّعاء الذي تقوم عليه سياسة هدم البيوت في المحاكم الاسرائيليّة، حيث ذهبت المحاولات إلى أنّ ممارسة هذه الأداة الاستثنائية (الشاذّة) بدون إثبات قطعيّ عن مدى فاعليّتها في الردع، هو استغلال سيء لصلاحيّات السلطة. لكن وبالرغم من هذا، رفضت المحكمة الإسرائيلية العليا الدراسات العلميّة والاحصائيّات التي من شأنها أن تثبت عدم فاعليّة سياسة هدم المنازل.
مع كل الاحترام للمحكمة العليا، لكنّه من الصعب أن تتمّ مناقشة نتائج سياسة هدم البيوت من دون الاطّلاع على المعطيات التي تعلل هذه السياسة، خاصّة في ظل وجود دراسات لم تذهب إلى كون سياسة هدم البيوت غير رادعة وحسب؛ بل ومُحفِّزة على تنفيذ “عمليّات ارهابيّة” فعلى سبيل المثال، يذهب كل من الجنرال “الفرعي” و “ارييه شليف”، إلى أنّ التأثير الرادع لسياسة هدم المنازل بفترة الانتفاضة الأولى انخفض مع مرور الوقت، والنتيجة كانت في النهاية عكسيّة حيث أنّ “العمليّات الارهابيّة” ازدادت على عكس التوقعات. وهي نتيجة تكرّرت بشكل مشابه في فترة الانتفاضة الثانية.
واحدة من التوجّهات الايجابية التي بدأت في الظهور حيال هذه السياسة؛ هي قرار القاضي “روبينشتاين”، نائب رئيس المحكمة العليا، الذي قال مؤخّرًا أنّه لا يمكن الاستمرار في الافتراض بأنّ سياسة هدم المنازل تأتي بنتائج ردع دون دعم هذا الاستنتاج بمعطيات ملائمة لهذه الفرضيّة. وعليه، وضّح القاضي “روبينشتاين” أنّه يستوجب القيام بفحص زمنيّ لهذه السياسة ودراسة نتائجها. كما يجب تقديم معطيات حول فاعليّة هذه السياسة والتي من شأنها أن تعلّل الأضرار الناتجة عن إلحاق الأذى بالذين لم يشتركوا بــ”عمليّات ارهابيّة”. ولكن للأسف الشديد، فإنّ توجه القاضي “روبينشتاين” لم يتمّ تبنيه بشكل كامل من قِبل قُضاة المحكمة العُليا.
المصدر
http://www.idi.org.il/%D7%A1%D7%A4%D7%A8%D7%99%D7%9D-%D7%95%D7%9E%D7%90%D7%9E%D7%A8%D7%99%D7%9D/%D7%9E%D7%90%D7%9E%D7%A8%D7%99%D7%9D/house_demolition/