مقدمة العساس |
يوافق 22 أبريل/نيسان الذكرى الـ 72 لسقوط مدينة حيفا في يد الاحتلال الإسرائيلي، وما سبقها من مجزرة ارتكبتها عصابة الهاجاناه بحق النساء والأطفال.
ما هي تفاصيل سقوط حيفا؟ وكيف تحاول “إسرائيل” إخفاء تاريخها الأسود؟
إعداد العساس |
جثث ملقاة في الشوارع
اتضح أن القصف تم في الوقت الذي كانت فيه قيادات السكان العرب في المدينة في ذروة المفاوضات مع قيادات السكان اليهود حول شروط وقف إطلاق النار. وبحسب معظم الشهادات، آمن رئيس البلدية في حينه، شبتاي ليفي، بالتعايش.
وظهر في كثير من الأبحاث كيف توسّل هو والعديد من القيادات اليهود في المدينة للعرب للاستسلام والبقاء في المدينة، وفي كثير من الأحيان كان الأمر ممكنًا. وجاء في تقرير لوكالة يو بي في ذات اليوم أنه “رغم عدم صدور تصريح رسمي، لكن الأمر واضح تمامًا، قبل العرب شروط اليهود، على الأقل من حيث المبدأ، وبحسب الأخبار الواردة بدأ جيش الإنقاذ والجنود العراقيون بترك المدينة”.
لكن قيادة الهاجاناه تصرفت بشكل مستقل، وخلال متابعتها لأخبار المفاوضات حول وقف إطلاق النار عن كثب، واصل مقاتلوها قصف الأحياء العربية، وجاء في برقية أرسلت من مقر قيادة كتيبة كرميلي إلى قيادة الهاجاناه، في الساعة 14:20: “توجه العرب في حيفا للجنرال ولرئيس البلدية، طلبوا وساطتهما مع الهاجاناه للاتفاق حول الهدنة”، وأرسلت البرقية مرفقة بنص الاتفاق باللغة الإنجليزية وفي نهايته كتب “الهلع يسيطر على العرب ويهربون، المقاومة ضعيفة جدًا”.
ولاحقت قذائف الهاجاناة الناجين، وكتب في تقرير الضابط المناوب في يوميات الهاجاناه في الساعة 14:40 “سقطت قذائف قرب بوابة رقم 3 للميناء، وجاءت القذاف من جهة هدار الكرمل.
كما وقعت حادثة أخرى مشابهة صباح اليوم، إذ “هدد الجيش البريطاني بفتح نيران المدافع باتجاه الهدار في حال استمر القصف على الميناء”، وفي حالات أخرى أطلقت القوات البريطانية النار على مقاتلي الهاجاناه في أعقاب إطلاق الأخيرين النار على العرب قرب الميناء.
أمّا في الساعة 15:00، أرسل نص الاتفاق مرة أخرى، مع بعض التعديلات التي أضافها الجنرال الإنجليزي، وأبلغ موشيه كرمل، قائد الكتيبة، قيادة الهاجاناه أنه “سيعقد لقاءًا في الساعة 16:00 (اليوم) بين اليهود والإنجليز والعرب للتفاوض حول الشروط، ويجب أخذ بعين الاعتبار إمكانية عدم رضوخ العرب للشروط بسبب عدم إمكانية حصول استسلام منظم من الناحية التقنية”.
وكتبت قيادة الهاجاناه في برقية الرد أن “طالما لم تحصل على ضمان لتنفيذ الشروط عليك مواصلة القصف”، وتابعت “عليك الحذر من وجود فخ، وأن التفاوض لكسب الوقت فقط”.
بعد ذلك، التقى ممثلو جميع الأطراف بوساطة بريطانية في الساعة 16:00 للتفاوض حول شروط الاستسلام وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، وطلب العرب مهلة للتشاور، ثم التقى الجميع مرة أخرى في السابعة والربع مساء، إذ كتب في تقرير الهاجاناه أن “العرب ادعوا عدم إمكانية تنفيذ الشروط، وفي حال لم يرضخ العرب لهذه الشروط، إذن فهم يفضلون إخلاء المدينة بالكامل من سكانها العرب”.
وجاء في “ملخص المعلومات الاستخبارية” التابع للهاجاناه أن “هناك علامات على تفكك القيادة العربية في المدينة، القيادة العربية وحيدة، لا يجيبون على الهواتف وهناك أخبار عن ترك القيادة وموظفي المقر لمدينة حيفا، ولا أرقام دقيقة حول خسائر العدو، نحن نعلم أن المستشفيات العربية تعج بالقتلى والجرحى، وجثث القتلى وأجساد المصابين تملأ الشوارع ولا يتم جمعهم بسبب سوء التنظيم وعدم توفر إمكانيات طبية، كما أن الهلع في الشارع العربي كبير، إنهم ينتظرون تسليم السلاح وسيطرة اليهود على المدينة التي قد تكون عامل الإنقاذ، وردنا الآن أن شروط وقف إطلاق النار التي وضعناها تم قبولها”.
صمت المؤرخين
يتبوأ قصف السوق المكتظ بالناس مكانة بارزة في الرواية الفلسطينية لنكبة حيفا، إذ يروي عودة الشهاب (87 عامًا)، أحد رواد نادي المسنين في وادي النسناس، أن “قصف كان له تأثيرًا أساسيًا على الهروب نحو الميناء، وتجمع الناس في السوق لتقييم الوضع والتباحث في شروط وقف إطلاق النار، ويروي لنا المؤرخون اليوم أن رئيس البلدية اليهودي أراد بقاء العرب، وبعد النكبة قال مقاتلو الهاجاناه إنهم فعلوا كل شيء لمنع تهجير العرب، إلا أن للأفعال تأثير أكبر من الأقوال”.
كما اعتبر “العرب أن سقوط قذائف المدافع في السوق هو رد اليهود على اقتراح وقف إطلاق النار”.
وورد نفس الادعاء قبل 63 سنة، إذ جاء في تقرير لوكالة يو بي نشر في صحيفة “دافار” بعد المعارك، أن “ممثلي العرب يدعون أن اليهود خرقوا الهدنة في حيفا ونشروا موجة هلع أخرى بين آلاف العرب المترددين للخروج من المدينة.. ويعترف اليهود في محادثاتهم الخاصة أنهم خلال المعركة وبعدها بفترة لم يتركوا للناس خيارًا، وقاموا بالقصف وأطلاق النار والنهب، لكن هذا كله توقف”.
وطوال سنوات، حاول مؤرخون يهود التقليل من شأن وأهمية قصف السوق، وكتب بروفيسور يوآف غيلبر في كتابه “الشيوعية والنكبة” (صدر عام 2004) أن “معظم العرب تجمعوا في السوق، وبعد وقوع عدد من القذائف في محيطه بدأت موجة هروب نحو الميناء بسبب الخوف من القذائف والتفجيرات.
إضافة إلى ذلك، كتب تسادوك إيشيل بشكل مفصل أن القذائف سقطت في السوق بين الناس، ولم يرفق غيلبر أي مصدر يؤكد سقوط القذائف في محيط السوق.
وتجاهل غيلبر شهادات عشرات المصابين العرب الذين تركوا في المكان في حينه، ويقدر معظم الباحثين الفلسطينيين عدد القتلى بالعشرات، في حين كتبت صحيفة “هآرتس” بعد المعركة أن “عضو اللجنة العربية أكد أن الهود قتلوا عددًا كبيرًا من النساء والأطفال الذين حاولوا الهروب نحو البلدة القديمة أو نحو منطقة نفوذ البريطانيين في الميناء.. لكن اليهود ينكرون وقوع الكثير من الخسائر في صفوف العرب.
بينما قال الناطق بلسان الهاجاناه: إنه “حتى في حالة صحة ذلك، فهذا ليس ذنبنا لأننا أبلغنا بواسطة الراديو ومكبرات الصوت قبل 48 ساعة من الهجوم رسالة باللغة العربية، وطلبنا من العرب إجلاء النساء والأطفال وكل من هم ليسوا من سكان حيفا إلى خارج المدينة، وكررنا أن هذا هو التحذير الأخير”.
“سيناريو مرعب ورائع”، هذا ما كتبه بن غوريون في يومياته بعد جولة في الأحياء العربية المهجرة في مدينة حيفا “مدينة ميتة، مدينة أشباح بدون حياة باستثناء القطط الشاردة”. وبقيت عشرات جثث القتلى العرب ملقاة في الشوارع، وقال الهلال الأحمر بعد جمع الجثث أن عددهم تجاوز الـ 150 جثة، وبعد ثلاثة أيام قالوا إن ضحايا المعركة كانوا 80 عربيًا ومئات الجرحى. وأكدوا أن 6 جثث فقط تعود لمقاتلين، في حين تعود باقي الجثث لنساء وأطفال.
وبقيت جثث كثيرة في منطقة السوق الذي تم قصفه، وجاء في تقرير استخباراتي للهاجاناه أن 10 جثث على الأقل وجدت في مقهى عجمي، تم إخلاؤهم فقط بعد تحييد كل القذائف في المنطقة.
كما جاء في التقرير: “من الصعب معرفة حجم الخسائر جراء القصف في شارع الناصرة في بيت أبو ماضي، بسبب عدم استخراج كل الجثث من تحت الأنقاض، كان البيت مليئًا بالعائلات التي انتقلت إليه من الأحياء المجاورة”.
بقي بضع عشرات من اللاجئين العرب على أرصفة الميناء بانتظار قوارب الإنقاذ، بسبب خوفهم من العودة لبيوتهم، وكتبت صحيفة “دافار” أن “الروايات في الميناء كانت تفطر القلب، نساء وأطفال مكثوا دون طعام ولا غذاء طوال اليومين الأخيرين في ظل ادعاء البريطانيين عدم إمكانيتهم لتقديم الكثير من المساعدة، في حين يدعي العرب أن البريطانيين يفعلون ذلك ليعود العرب إلى منازلهم”.
المصادر:
(1) “هآرتس”: https://bit.ly/2xQsNBY