مقدمة العساس | رغم أن “إسرائيل” قدمت احتجاجًا شديد اللهجة إلى إدارة المحكمة الجنائية الدولية في أغسطس آب 2018، ضد قضاة ينظرون في الشكاوى الفلسطينية ضدها، إلا أن التقرير الصادر عن العام الماضي تضمن بنودًا قد تمهد لإدانة الاحتلال الإسرائيلي في قضايا الحرب على غزة والاستيطان.

هذا التقرير الصادر عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل- أبيب يتضمن فحص المدّعي العام الأوليّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة حول الوضع في فلسطين، وبتحديث لمجريات عام 2018.

ترجمة العساس | تضمن فحص المحكمة الجنائيّة الدوليّة الأوليّ “للوضع في فلسطين”، الصادر في ديسمبر كانون الأول عام 2018، دراسة للجرائم في قطاع غزّة والضّفة الغربية وشرق القدس، بهدف التوصل إلى قرار حول وجود أساس منطقي لفتح تحقيق جنائي أم لا.

قطاع غزّة:

وفق التقارير السابقة، تمرّكزت عمليات الفحص الأوليّة فقط في عملية “الجرف الصامد” (حرب 2014)، والجرائم التي يُزعم أن الجيش الإسرائيلي وأعضاء من الجماعات الفلسطينيّة قد ارتكبوها خلال العملية، وتم اختيار هذه الأحداث حسب التقارير، لكونها الأكثر خطورة، ولأنها وُثِّقَت بأفضل شكل ممكن.

ويتطرق التقرير الحاليّ بصورة مفصّلة إلى الأحداث الواقعة في غزّة منذ 30 مارس آذار 2018 تحت عنوان “مسيرات العودة”، حيث جمع مكتب المدعي العام معلومات حول جرائم يزعم أنّ الطرفين قاما بها في سياق المظاهرات على طول الحدود، وأنّ هذه المعلومات تستدعي فحوصات أكثر عمقًا.

ويظهر في التقرير أنّ الإجراءات التي اتخذها الجيش الإسرائيلي ضد المتظاهرين أدت لمقتل أكثر من 170 شخصًا وإصابة ما يفوق عن 19 ألف آخرين من بينهم أطفال وصحافيين وطواقم طبيّة، بالإضافة لذلك يشير التقرير إلى أنّه رغم كون غالبية المتظاهرين سلميين، إلّا أنّ جزءًا منهم اقترب من الجدار الفاصل محاولًا التسلل للأراضي الإسرائيليّة، مستعينًا بأدوات عنيفة مثل الطائرات الورقية الحارقة.

بالإضافة لذلك، يتطرّق التقرير إلى زيادة الاشتباك بين “إسرائيل” وجماعات فلسطينيّة مسلّحة في غزّة خلال شهر نوفمبر تشرين الثاني 2018، ويذكر أنّ هذه الجماعات أطلقت ما يقارب 400 صاروخ وقذيفة هاون نحو “إسرائيل” خلال يومين، وكنتيجة لهذه القذائف قُتِل على الأقل مواطن واحد بينما أُصيب آخرون.

ويُذكر في التقرير كذلك، أنّ الجيش الإسرائيلي وجّه هجماته نحو الجماعات الفلسطينيّة المسلّحة وأبنيتها، لكنهم أصابوا مدنيين أيضًا في بعض الحالات.

الضفة الغربيّة وشرق القدس:

تضمّن التقرير هذه السنة ما ذكره سابقه حول رغبة المحكمة الجنائيّة بفحص الجرائم التي يُزعم أنّ “إسرائيل” تقوم بارتكابها في الضفّة الغربيّة وشرق القدس، وهي تتركّز في تدخّل السلطات الإسرائيليّة في المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وتشييد البنايات والبنية التحتيّة في المستوطنات، وتنظيم بناء غير مرخّص، وتوفير حافز اقتصاديّ لتشجيع الانتقال إلى المستوطنات، كما يتطرّق التقرير لتورّط السلطات الإسرائيلية بهدم ممتلكات فلسطينيّة وطرد سكان من بيوتهم.

لكن المختلف هذه المرّة، أن التقرير يتطرّق دون تفصيل إلى الحصول على معلومات حول ما يُزعم من جرائم ارتكبتها جهات إسرائيليّة في الضفّة، حيثُ من الممكن أن تدخل تحت إطار جرائم ضد الإنسانيّة، وبشكل خاص حسب ما ذُكر في التقرير، تتعلق الادعاءات بجرائم ملاحقة مدنيين وطردهم، وجرائم أبرتهايد.

أما فيما يخصّ الجرائم ضد الإنسانيّة، فهي الجرائم التي تُمارس كجزء من هجوم واسع النطاق أو ممنهج ضد السكان المدنيين كجزء من سياسة “إسرائيل”.

بالإضافة لذلك، يدّعي التقرير أن أجهزة الأمن والمخابرات الفلسطينيّة في الضفة الغربيّة ارتكبت جرائم ضد الإنسانيّة تجاه الأسرى المدنيين المحتجزين في المراكز الخاضعة لسيطرتهم، إلا أنه لم يُفصّل حول هذه المسألة أكثر سوى التأكيد على الحاجة لفحص إضافيّ.

مقبولية الدعوى في المحكمة:

بموجب النظام الأساسي لمحكمة العدل الدوليّة، فإنّ الشروط لفتح تحقيق هو تقييم لقبول القضايا المحتملة بناءً على اعتبارين هما: تكامل الوضع وخطورته، وفيما يخصّ الخطورة فإنّ التقرير يكتفي بوصف معايير مكتب المدعي العام في هذا الشأن، أما فيما يخصّ التكامل، فهنالك تطرّق مفصّل وفحص كامل لعمليات التحقيق لمقاضاة دوليّة صريحة بما يتعلّق بالحالات التي تُفحَص، وتتّخذ هذه الإجراءات عند حالات لا تتناولها الدول المقصودة بشكل ملائم، وتمنع تدخّل المحكمة لكونها ثانوية ومتممة فقط لسلطة الولاية الجنائيّة.

ويشير التقرير إلى احتماليّة عدم فتح تحقيق أو دعوى حكومية فيما يخصّ الضّفة الغربيّة وشرق القدس، ويرجع المدعي العام ذلك إلى أنّ السلطات الفلسطينيّة لا تملك أيّ سلطة على الإسرائيليين المشتبكين، بينما تدعي الحكومة الإسرائيليّة باستمراريّة أنّ خطواتها المتعلّقة بالمستوطنات قانونيّة، وأنّ محكمة العدل العليا أقرّت بأنّ سياسية الاستيطان الحكومية غير قابلة للتقاضي.

بيد أنّ هذه الأمور تزيد صعوبة موقف “إسرائيل”؛ مع انعدام إمكانيّة استخدام مبدأ “التكامل” كي تحدّ من تقدّم التحقيق في مسألة الاستيطان، وهذه هي السياسة المُعلنة للحكومة الإسرائيليّة بادعاء قانونيّتها، والذي بحسبها لا مكان هنا للتحقيق، كما أشار التقرير أيضًا إلى أنّ مكتب المدعي العام أعاد النظر في عدّة قرارات اتخذتها محكمة العدل العليا بشأن قانونيّة بعض الخطوات الحكوميّة التي تتعلق بمسألة الاستيطان.

أما بخصوص غزّة، أشار التقرير إلى أنّ المعلومات المتاحة تنصّ على كون جميع أحداث “الجرف الصامد”، وبالأخص الجرائم التي يُزعم أن الجيش الإسرائيلي قام بها، موجودة تحت عنوان “تحقيقات من نوعٍ ما” على المستوى المدني داخل نظام القضاء العسكري، أي أنّ التحقيقات لوحدها لا تفي بمبدأ “التكامل” ومن الضروري أن تكون الدولة على استعداد للتحقيق بشكلٍ صريح.

وأُجريت عمليات الفحص الأوليّة للوضع في فلسطين منذ بداية عام 2015، إلا أنّ التقرير الحالي لمكتب المدعي العام يشير إلى تطوّرات عدّة، تتعلق بـ “مسيرات العودة” والعنف الذي جرى في نوفمبر الماضي لكون عمليّات البحث الأوليّة في غزّة خرجت عن نطاق “الجرف الصامد” فقط، ويتّضح أنّ مكتب المدعي العام يرغب في مواصلة البحث في الشكوك حول الجرائم وفقًا لأحدث التطوّرات في الساحة.

بالإضافة ذلك، فإنّ التقرير الحاليّ أشار بوضوح لأول مرةّ إلى أنّ عملية الفحص في الضفّة الغربيّة ستفحص ادعاء اقتراف “إسرائيل” جرائم ضد الإنسانيّة تشمل جرائم أبرتهايد، وهنالك كذلك تطرّق أوليّ للادعاءات بأنّ السلطة الفلسطينيّة اقترفت جرائم ضد الإنسانيّة أيضًا.

ويظهر التقرير تطوّرًا كبيرًا في تقدّم عمليات الفحص الأوليّة للوضع في فلسطين، وتمر هذه الفحوصات بمراحل أربع، وحسب ما ذُكر في التقرير الحاليّ، فإنّ العمليّة قد تخطت المرحلة الثانية التي تبحث وجود أساس معقول للاعتقاد الفعلي بوقوع جرائم من اختصاص المحكمة، ووصلت إلى المرحلة الثالثة التي تفحص قبوليّة القضايا المحتملة في المحكمة (وفق مبدأي تكامل الوضع وخطورته).

ويُذكر في التقرير بشكل صريح أنّ مكتب المدعي العام بلغ مرحلة متقدمة في تقييمه المطلوب لاتخاذ قرار فتح التحقيق وأنّه ينوي إنهاء الفحوصات الأوليّة في أقرب وقت ممكن.

يجوز للمحكمة التمهيديّة، إذا صدر قرار فتح التحقيق، إصدار أوامر توقيف بحق أشخاص بعينهم ارتكبوا جرائم في نطاق اختصاص المحكمة، وفي حالة صدور قرار التوقيف هذا، فيجب على الدول الأعضاء في المحكمة وعددها 123 دولة بما في ذلك جميع دول أوروبا الغربيّة، أن تلتزم بالتعاون وتسليم هؤلاء الأشخاص إذا وجدوا في أراضيها.

تباعًا لذلك، فإنّ أوامر القبض الصادرة ضد مسؤولين إسرائيليين سيكون لها تأثيرًا حقيقيَا وستحدّ من حريّة تنقلهم في العالم قبل بدء المحكمة، أي في مرحلة التحقيق فقط، لكن الحديث عن إجراء تحقيق في “إسرائيل” قد يكون سابقًا لأوانه.

ومن مصلحة “إسرائيل” مراعاة الاسقاطات في اتخاذ القرارات فيما يتعلّق بالمسائل ذات الصلة بالتحقيق الجاري بما في ذلك قيامها بنفسها بتحقيق ذي مصداقيّة، وعلى أيّة حال، يجب عليها أيضًا التصرف وفق القانون قبل وقوع عواقب المحكمة الجنائيّة الدوليّة.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي
العنوان الأصلي للمادة: وضع المراجعة التمهيدية للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية – تحديث لعام 2018
تاريخ النشر:1.01.2019
رابط المادة:https://bit.ly/2W1MmP3